بقلم: علي حسين
جميع مسؤولينا يتحدثون ليل نهار عن القيم الدينية، وأخلاق الحاكم، ورضا الله والعباد، ومصطلحات وعبارات ضخمة. لكن 99٪ منهم لا ينفذون شيئاً مما يقولونه. روائح فسادهم ملأت أروقة مؤسسات الدولة وتسربت منها إلى الشوارع والأقضية والنواحي والمدن، وتحول بعضهم إلى مصيبة وقعت على رؤوس الناس، تجدهم يتصدرون المشهد في جميع المناسبات، يتحدثون عن العدالة والحق ولكنهم يمارسون الظلم والانتهازية، ممتلئون غلظة وقحطاً روحياً يسيئون إلى الدين والأخلاق صباح كل يوم.
تذكرتهم اليوم وأنا أتابع حكاية السيد "حامد البياتي" الذي كان يشغل سابقاً منصب ممثل العراق في الأمم المتحدة وقبلها وكيلاً لوزارة الخارجية، فقد ظهر الرجل في تقرير لقناة CNBC الاميركية، وقد تخلى عن السياسة والاستراتيجيات وتفرغ الى مهنته الجديدة مستثمر في سوق العقارات، لنجد انفسنا امام شخص يمتلك عددا من العقارات في مانهاتن نيويورك بملايين الدولارات ويبحث عن عقارات جديدة لأن لديه ملايين أخرى لم تستثمر بعد .. وأنا أشاهد التقرير، تذكرت كيف مارس الامام علي بن أبي طالب (ع) السلطة بأعوام خلافته؟، لم يجد الإمام في الخلافة حقاً استثنائيا في المال والأرض، فساوى نفسه مع الجميع، رفض أن يسكن قصر الإمارة ونزل مستأجراً في منزل يملكه أفقر فقراء الكوفة.
وعندما طلب منه سادة قريش أن يميزهم بالعطاء، قال لهم "لو كان المال مالي لسوّيت بينكم فكيف والمال مال الله"، ومن هذا الاعتبار كان موقفه عندما أبلغ أهل الكوفة أنه لن يأخذ حصته من العطاء قائلاً: "يا أهل الكوفة إن خرجت من عندكم بغير رحلي وراحلتي فحاسبوني". فهو يرى أنه موظف مسؤول أمام أموال المسلمين وأنها مسؤولية مقدسة لا يمكن التفريط بها وأن القدسية هي في الحفاظ على حياة الناس وأموالهم لا في الشعارات البراقة الكاذبة.
مشكلتنا اليوم أن الجميع يرتكب الجرائم باسم الفضيلة وخطابات الحفاظ على الاخلاق، فيما الناس تريد من يوفر لها الأمن والاستقرار، ويشعرها بالأمل في الغد ويطمئنها على مستقبل أبنائها، الناس لا تريد مسؤول، ما ان يترك الوظيفة حتى يتحول الى مستثمر باموال البلاد، وإنما تريد مسؤول تستطيع ان تقول له: "من اين لك هذا ؟".
كنت انوي الكتابة عن العدوان التركي الذي يتكرر بين يوم وآخر، وفي كل مرة تطلب الحكومة من السلطان اردوغان ان يتوقف عن القصف، لكنه مطمئن ان القصف سيمر مثل كل مرة، مجرد ادانات وخطابات، بعد ذلك تتم مكافأة انقرة بان يتصدر العراق البلدان الاكثر استيرادا من تركيا .. قصف مقابل مليارات الدولارات من خزائن العراق تذهب لخزينة السلطان مع هتافات مضحكة من عينة "سيادة العراق خط أحمر".
أقرأ ايضاً
- الدعوة إلى تجديد الخطاب في المنبر الحسيني.. بين المصداقية ومحاولة تفريغ المحتوى
- لماذا أدعو إلى إصلاح التعليم العالي؟ ..اصلاح التعليم العالي الطريق السليم لاصلاح الدولة
- شهر محرم نقطة الشروع إلى التحرر - الجزء الثاني