- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
إستراتيجية الغرب كانت عزل بوتين .. لكنها لم تنجح
بقلم: عصام الياسري
ضجة وسائل الإعلام حول الحرب في أوكرانيا منذ بدايتها، كانت قد وضعت خطوطها مؤسسات متمرسة في كيفية تموضع الإعلام أثناء الطوارئ المستجدة، مكانا وزمانا. ومعروف أن الإدارات المركزية للحكم في الولايات المتحدة وأوروبا هي من تديرها تحت يافطة: إن موسكو تنتهك بوحشية المبادئ الأساسية للقانون الدولي والتعددية بشكل غير مسبوق.
لذا كانت استراتيجية الغرب تهدف إلى عزل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دوليا، في ضوء ما تفعله روسيا في أوكرانيا ـ على أن يكون هذا أمرا طبيعيا ـ لكن ذلك لم ينجح: بوتين ليس وحده.. الغريب أن الغرب “الولايات المتحدة والدول الأوروبية” ووسائل إعلامها، طالما تغض النظر عن حالات عسكرية مشابه قامت بها في دول عدة من بقاع العالم كـ (غزو العراق) والقيام أو المشاركة في حروب مشابه في (سوريا وليبيا واليمن)، أيضا في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية. يكشف ذلك من جديد: كيف للغرب أن يتعامل بـ “الكيل بمكيالين” في العلاقات الدولية.!
بالنسبة للعالم الحر، في تجربة أوكرانيا المثيرة. من يقف بحزم إلى جانب الأوروبيين والولايات المتحدة ويدعم العقوبات، كندا واليابان وكوريا الجنوبية ونيوزيلندا وأستراليا، هذا كل شيء.؟ في الجانب الآخر، فإن الصين والبرازيل والهند وجنوب إفريقيا، تدعم موسكو. أربع دول تنتج مع روسيا ثلث الناتج الاقتصادي العالمي. أكثر من أي وقت مضى، هذه الدول تحصل على الأسمدة أو الطاقة أو الأسلحة من روسيا. المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة الحليفتان الأقرب لواشنطن في الشرق الأوسط، محايدتان إلى حد كبير ولم تفعلا الكثير حتى الآن لزيادة إنتاجهما النفطي وبالتالي كبح الزيادات في الأسعار العالمية لمنتجات الطاقة غير متوفر. من هنا، يتبين حتى الآن أن العقوبات الأمريكية ـ الأوروبية على الاقتصاد الروسي أضعف بكثير مما كان مأمولاً؟.
مؤيدون أكثر مما يخشى
يحظى فلاديمير بوتين بمؤيدين في هذا العالم أكثر مما يعتقد الغرب، وهذا أيضا درس من هذه الحرب. وبينما يتجه الأمريكيون بشكل متزايد إلى استقطاب آسيا ضد روسيا، يفضل الأوروبيون النقاش بهدوء في اللجان على المسرح العالمي بدلا من العمل بحدة شديدة تكون عواقبها خطيرة على الجميع. إلا أن بوتين الاستراتيجي أنشأ شبكات ومجالات نفوذ جديدة. ستجعل حرب أوكرانيا دراما طويلة الأجل، ومن غير المرجح أن يكون المنتصر هو العالم الحر في النهاية.
فإلى أي حد سيتواصل الناس فعلا مع “الدعاية الكاملة” التي يروج لها الغرب بعد حجبه عالميا كل وسائل الإعلام الروسية واستمرار حملة التضليل، بعد بدء الحرب؟
في رأيي، لا يزال من السابق لأوانه استخلاص أي استنتاجات بعيدة المدى. بدأت الحرب قبل أربعة أشهر فقط. والحملة الدعائية التي أطلقها الغرب غير مسبوقة في حجمها وأساليبها، مقابل عدم الحصول على المعلومات التي تصدر عن وسائل إعلام الطرف الآخر “روسيا”. بيد أن سياسة عدم تسامح الغرب في هذا الشأن. أدى إلى فقدان الجرأة لدى الكثير من الأشخاص ذوي الآراء المختلفة على التعبير عن أفكارهم بسبب فرض استراتيجية الأمر الواقع للتكيف مع الموقف الرسمي السائد والذي يتعارض مع مفاهيم حرية الرأي والتعبير ومبدأ الديمقراطية وحقوق الإنسان التي يتشدق بها الغرب في المحافل الدولية دائما، إنما الكيل بمكيالين في الحقيقة لازال هو السائد. هذا المناخ لا يمكن تفسيره بسهولة، إذ أصبح الأمر الدارج والمفروض بشكل عام على الناس تقبله كأهم القضايا الأساسية.
فهل يعني ذلك أن الدعاية الغربية الضخمة فعالة؟
على قدر ما نمتلكه من وقائع ومعلومات مرتبطة بما أفرزت الحرب من نتائج عكسية في الغرب “ارتفاع نسبة التضخم والأسعار وافتقار السلع”، وأثر ذلك على الحياة العامة والمعيشية للمواطنين. على ما يبدو إن هذا الإجراء غير فعال في خلق وهم القبول الشامل، على الرغم من إعتماده ركيزتين مهمتين من الناحية التاريخية والموضوعية: الأولى، معاداة أمريكا والغرب لروسيا. والثانية الدعاية كأساس لتشويه الواقع بالكامل. الهدف: جلب الجماهير إلى حالة من الطاعة، أيضا تبرير أكثر التعهدات التي قطعها الغرب على نفسه إزاء روسيا مشككا فيها مرة واحدة. لذلك أصبح استخدام التكنولوجيا الحديثة ضمن الحملة الإعلامية ضد روسيا من المحفزات الرئيسية التي يستجيب لها الجميع في الغرب، على الأقل خطابيا.
إنه أمر مؤلم دائما وجود في المجتمعات الغربية، على الرغم من تطور التعليم والتقدم. من ينجرون وراء مثل هذه الدعاية دون طرح تساؤلات منطقية حول حقيقة الأحداث، سيما تلك التي تعرض السلم والأمن الدولي إلى الخطر. في الوقت نفسه، لا يجرءون على تقديم آراء موضوعية معارضة لقرارات السلطة في هذا المنحى، خاصة وأن مظاهر الاحتجاج ضد تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في معظم الدول الأوروبية بسبب استمرار الحرب على أشدها. هناك مواطنون عاديون في أوروبا وحتى أمريكا، لا يملكون الفرصة ليشعروا باحترام كرامتهم الإنسانية في الحياة اليومية. إنهم ضعفاء، وعاجزون، وفقراء، ومضطهدون. لأنهم يضجَرون بلا رحمة على كل محاولة للمقاومة.
وهناك الكثير من الأوروبيين خاصة العاملين في حقول الإعلام من ينادي دون جدوى، لتطبق مبدأ حق الحصول على مصادر أخرى للمعلومات، فيما يتعلق الأمر بالحرب الروسية في أوكرانيا، للوصول إلى الحقيقة. الحقيقة بالمقابل هي: إن العديد من الأوروبيين لم يقرأوا التاريخ جيدا وظلوا سلبيين لم يدركوا المسؤولية الجماعية، ببساطة هم من يتحمل مسؤولية السياسات اليمينية والقومية التي تنتهجها حكوماتهم. لأنهم قبلوا التضليل بجميع أنواع الطرق على مدار سبعة عقود الماضية. لذا، فإن استراتيجية الغرب الخاطئة لعزل بوتين دولياً، هي الهروب لتجنب المسؤولية، بمعنى نقل المسؤولية من الحكومة إلى الشعب ككل. الأمر هنا مختلفا وخطيرا، إذ إن المسؤولية لا تنبع من كونك مواطنا، إنما لأجل إبعاد المسؤولية عن أي زمرة مشتبه بها من أصحاب القرار في المستقبل.