في قاعة المحكمة عم الصمت بعد ان تمت المناداة على الشاهد الاول .. الذي قال بعد اداء اليمين : قبل بضعة أيام كنت عائدا من العمل الى المنزل ، وانا في منتصف الطريق كان هناك منزل مهجور ومظلم استوقفني من بعيد ضوء خافت يخرج من ثقوب جدرانه وقفت قليلا ثم شعرت بالخوف واكملت مسيري، ولكن قبل ان أعبر المنزل المتهالك سمعت انينا ، عندها تراجعت ببطيء وفتحت ضوء هاتفي الجوال ودنوت بحركة بطيئة حتى دخلت المنزل والخوف يعتريني ، ومع كل خطوة يرتفع صوت الانين وفجأ داهمت غرفة الصوت وصحت : من هناك؟ واذا بمنظر فضيع تقشعر له الأبدان - يتلعثم الشاهد بالكلام وترتجف يداه - ثم ينطق بالحق شاهدت هذا الرجل – مشيرا بأصبعه الى المتهم - وهو يمارس فعل فاحش مع هذا الطفل وهو غالق فمه بإحدى يديه. وعند رؤيتي لهذا المشهد المرعب صحت بأعلى صوتي .. حرامي ، حرامي ، واذا به يدفعني ويلوذ بالفرار فركضت خلفه وانا أطلب النجدة من الآخرين الى ان تمت محاصرته من قبل بعض الرجال المتواجدين بالمنطقة. وفي تلك الاثناء – والكلام ما زال للشاهد -عدنا للطفل واذا به منهار من البكاء وسرواله يغط بالدماء ثم جاءت الشرطة وتم نقل الطفل الى المشفى المختص القريب من مكان الحادث .
وبين طلب محامي الدفاع تثبيت وقت الحادث ونكران المتهم وهيجانه ؛ وبين بكاء ام الطفل ودموعها المنهمرة ضرب القاضي بمطرقته طالبا من جميع الحضور التزام الهدوء ....
ونادى على شاهد آخر من الذين مسكوا المتهم وادلى بالواقعة ونظر لشخص المتهم واكد انه هو وشاهد ثالث وهكذا إلى ان اكتفت المحكمة بالشهود ، سألت محامي المشتكية (استاذ غسان) ماذا تقول : بدوره وجه المحامي سؤالا للمتهم : في تاريخ الحادث اين كنت اخبره انه كان مع صديقه ؟
رد المحامي :ان في التحقيقات الابتدائية ذكر المتهم انه كان في منزل امه .
وهذا تناقض واضح وادرج شهادة الشهود بالإضافة الى اصطياد بعض الاخطاء في اقوال المتهم . ختم المحامي دفوعاته وعيناه تلمعان دموعا ثم طلب من عدالة المحكمة ان تعيد لهذا الطفولة المغتصبة حقها المعنوي وهو انزال اقصى العقوبات بحق المتهم لهذا الفعل المشين .
قدم محامو الدفاع لائحة وبعد المداولة صدر الحكم : قررت المحكمة بإدانة المتهم بالفعل والحكم عليه بالسجن المؤبد ، وهنا ازداد صراخ المتهم بعبارة :(والله ماسويت شي ) والام ملئت قاعة المحكمة بالزغاريد معبرة عن فرحها وحاولت تقبل يد المحامي لكنه سحب يده وقبل رأسها . وبعد أن اشاد من في القاعة بأداء المحامي (غسان) كان المتهم ينظر له بغل وكان هناك في شخص اخر في القاعة وهو شاب صغير اسمر البشرة قصير القامة في يده اليمنى وشما كبيرا ارتسمت على وجه علامات عدم الرضا كان ينظر لغسان بين ماكان منشغل بالحديث مع زملائه اخرج اجندة صغيرة وكتب اسم المحامي ورسم علامة (اكس) واغلق الاجندة وخرج بصمت.
بعد سبعة اشهر من هذه الحادثة يرن هاتف (غسان) فيخرجه من جيبه ويشغل نظام الصوت العالي ويتركه جنبه كونه منشغل بالسياقة
الو الو : استاذ غسان
نعم تفضلوا .... (لحظات صمت )...
- اني الموت ثم في حركة سريعة تجاوره سيارة تحاول ان تحيده على الطريق لكن غسان كان يمشي وذلك الشخص يضايقه جدا ، وهو يحاول الافلات منه لكن دون جدوى وهكذا حتى استطاع ان يقلب سيارة غسان من أعلى الجسر ........
فجأة اصوات زمامير سيارات واصوات تصيح اطلع اطلع يا اخي ليش واكف ؟ تعيد هذه الأصوات بطل حكايتنا الى حاضره وهو واقف بسيارته ينظر الى الاشارة التي اصبحت خضراء يلتفت للناس ويعتذر منهم ويعاود السير ينزل المرآة بطرفه الصناعي وينظر لأول مرة الى وجهه الذي ارتسمت علامة حرق واضحه عليه بعد الحادث ، ولكنه يهمهم مع نفسه ويصبرها حتى وصل الى مركز الشرطة .
بعد الترحيب به من قبل العقيد طلب ادخال المتهمين .نظر لهم وهو منذهل فقد كان المتهم الأول هو الذي خاصمه من اربع سنين ، أما الثاني فقد امعن النظر فيه واذا به ذلك الشاب القصير الذي كان يراقب الجلسة بالمحكمة . وهو اخو المتهم وقد تم رصده بدراجة (تكتك) وهو يراقب المحامي من بعد خروجه من منزله حتى التقى بأخيه على الطريق والكامرات قد فضحتهم. وعلى الرغم كل ماحصل الا انه خرج من مركز الشرطة وهو مبتسم ..
انها (مهنة الصعاب) هكذا عنونت الصحف مقالات عن محامي تعرض لمحاولة قتل ونجئ باعجوبة ..وطرح سؤال تضمنه المقال هل يوجد قانون يحمي المحامي من الاعتداءات المتكررة ؟
نزعة انتقامية
رصدنا بعض اراء المحامين بهذا الخصوص حيث اخبرنا الاستاذ احسان الياسري عن تجربته في المحاكم ووصفها بالصعبة لان اختصاصه كان التحقيق لكن شغفه وحبه بالمهنة ساعده على المتابعة .
ويضيف : لقد تعاملت مع متهمين بمختلف الاشكال بعضهم يغيب عنه المنطق والعقل وهذا وارد جدا ان نسمع كلام بذيئا ونتطلع على افعال مشينة قد تشكل جريمة بالفطرة او بالصدفة ولا بد نخاصم احد المتهمين وتقف الى جانب احدهم لذلك قد يتولد لدى البعض نزعة انتقامية وهذا وارد ولا ينافي الواقع وايضا نحن نتعامل مع محامين خصوم فيجب ان نتمالك اعصابنا ونضبط انفعالاتنا قدر الامكان. ويؤكد الياسري ان على المحامي أن يطلع على علوم كثيرة منها الفلسفة وعلم النفس كونه يحتاج الى تطوير وتنمية ذاته ثقافيا ونفسيا على اعتبار ان المحامي يتعامل مع طبقات مختلفة وايضا نفسيات متنوعة ويشير الى أنه على الرغم من كون والدي كان قاضيا الا اني عندما دخلت للمهنة تعاملت بحيادية وشفافية عاليا واستمريت بالمحاولة للوصول الى افضل الاحكام
انعدام الثقافة القانونية
اما الاستاذ مالك الغزي فيشير الى أن طبيعة عمله هو في غرفة الانتداب كعضو الا انه يطلع على الكثير من المشكلات في هذه المهنة واهمها صغر حجم المحكمة وهذا يناقض عدد المحامين الذي هو في تزايد تام مما يولد التزاحم وقلة الحركة والضجيج والذي يولد بدوره قله بالتركيز وشد للعصاب وبالتالي يولد قلة بانتاجية المحامي .
وينوه الى أنه من ضمن المشاكل التي تواجه المحامي هو عدم وجود الية للتعامل مع الموكل فيوميا تأتينا الكثير من الشكاوى ضد المحامين بسبب عدم قناعة الموكل بالنتيجة التي يصل لها المحامي في دعواه فهو يعتقد ان المحامي صاحب القرار وفي الحقيقة ان المحامي الوسيلة للوصول للقرار اما القرار فهو للقاضي ، والمشكلة الاخيرة التي تطرق لها الاستاذ مالك هي الاعتداءات المتكررة على المحامين سواء كانت بالضرب أو بالألفاظ النابية سواء كان بشكل مباشر او باي وسيلة أخرى .
و يؤكد أن من الاسباب التي تفضي الى ذلك هو ان طبيعة المجتمع العشائري معتقدا انه بإمكانه التجاوز على المحامي ومساواة الامر عن طريق العشيرة بالتسوية . والسبب الاخر هو انعدام الثقافة القانونية بين افراد المجتمع ونحن في غرفة انتداب كربلاء نحاول الحد من هكذا تجاوزات عبر اللجوء الى القانون للاقتصاص من اي موكل يتجاوز.
اما السيدة اكرام محمد الأمين وهي عضو في غرفة انتداب كربلاء وممثل لشريحة المحاميات فقد عبرت عن امتنانها لهذه المهنة لكونها سيدة لكنها قد تحدت الظروف الصعبة لتعمل في المحاماة .
وذكرت ان اهم المعوقات التي تواجه المرأة في عملها بهذه المهنة هو التخوف من دخول المرأة لمراكز الشرطة وبالتالي يجنبها العمل في مجال محاكم التحقيق الا ماندر لذلك نلاحظ قلة للنساء في هذا المجال وينحصر عمل المحاميات في محاكم الاحوال الشخصية والبداءة وهذا خطأ فادح بحق المحامية لان التعامل مع مراكز الشرطة مثله مثل بقية الدوائر الأخرى والمحاكم الأخرى.وتضيف أنه من جانبها ان هناك منافسة دائمة ضمن اطار هذا العمل واجملها حينما تكون المنافسة ضمن اطار الدعوة والخصومة التي تقف الى جانب الحق.
تحقيق/ دعاء حسين العبودي
أقرأ ايضاً
- مؤسساتها تعيل الفقراء والمتعففين :هيئة خدمة اهل البيت منعت في العراق ففتحت فروع لها في ايران وسوريا
- تسعيرة حكومة بغداد المحلية للإعلام فقط.. أصحاب المولدات الاهلية لم يلتزموا بالتسعيرة الجديدة
- الناجي الوحيد يسرد الحكاية.. كيف غيب النظام السابق 6 أشقاء؟