- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
المؤسسات الدولية وتدمير الدول وهدم الاخلاق والقيم – الجزء العاشر
بقلم: د. عبد المطلب محمد
القرآن العظيم واتفاقيات الأمم المتحدة
في البداية يجب الاشارة الى ان الموضوع هنا ليس للمقارنة ما بين التشريع الاسلامي وبين ما تطرحة المواثيق والمعاهدات الاممية ومنها اتفاقية )سيداو( وانما الاشارة بشكل سريع جدا ومختصر والتذكير فقط ببعض الآيات القرآنية التي بينت الخطوط العامة للعلاقات العائلية والحقوق الانسانية وحقوق وواجبات الفرد والعائلة والمجتمع. وللتوسع في الموضوع والحصول على المزيد من الاحكام الاسلامية بخصوص حقوق الانسان بشكل عام والمرأة والاطفال بشكل خاص يمكن الرجوع الى الاف الكتب والمؤلفات والمصادر الاسلامية التي شرحت وفسرت وبينت هذه الحقوق.
ان القرآن الكريم هو كلام الله عز وجل وهو أصدق القائلين أنزله على قلب رسوله الامين محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وعلى آله اجمعين) رحمة للعالمين ليرسم للانسان خطوط المنهج القويم والصراط المستقيم ليحيا الانسان, أمرأة كانت أم رجل أم طفل, حياة طيبة سعيدة منعمة وتتشكل العائلة وفق أواصر المحبة والالفة وتنوع الادوار وتنتظم شؤون المجتمع بالاحترام والتقدير لجميع أفراده ومكوناته. ان القرآن العظيم هو دستور وشريعة الانسان المسلم, عليه يحيى وعليه يموت, وهو الذي يرسم له طريقه في الحياة الصالحة ويفتح له أبوابا نحو السعادة والطمأنينة والصحة البدنية والنفسية.
لقد تم في الاجزاء السابقة من المقال ذكر العديد من الآيات القرآنية التي بينت وجهة النظر الاسلامية في العديد من الافكار والمضامين التي طرحتها اتفاقية (سيداو) والاتفاقيات الأممية الاخرى والتي تحاول فرضها على شعوب ودول العالم اجمع وتدعوا الى تطبيقها من دون اعتراض عليها بخصوص العديد من المواضيع ومنها المساواة المطلقة ما بين الرجل والمرأة وتعدد الزوجات والارث والاجهاض والعدة والقوامة والولاية وتربية الاطفال وانتساب الابناء والشذوذ الاخلاقي وغيرها من المواضيع الخلافية مع التشريعات الاسلامية. وفي هذا الجزء سيتم الحديث عن ثلاثة مواضيع لاهميتها الكبيرة وضرورة بيان مضارها الاجتماعية بقليل من التوسع وهي موضوع تربية الاولاد والزنا والشذوذ الاخلاقي.
يقول القرآن الحكيم في الآية (14) من سورة لقمان: (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) ليرسم لنا طبيعة العلاقة ما بين الابناء والآباء والامهات وكونها علاقة محبة ورعاية وأحترام. وقد أولى الاسلام الطفل عناية فائقة وأوجبت له الشريعة حقوقا حتى من قبل تكوينه عن طريق اختيار امه ومن ثم وهو في بطن أمه وبعد ولادته وضمن حقه في الحياة فحرم إجهاضه. وأوجب الاسلام على والديه حق اختيار اسما حسنا له في لفظه ومعناه، وحقه في الانتساب إلى أبيه وأمه لما يترتب على ذلك من جملة حقوق شرعية كحق النفقة والرضاع والحضانة والإرث وغيرها. ومن الحقوق التي اوجبها الاسلام للطفل حق الرعاية وحسن التربية والتأديب والاهتمام به وتوجيهه نحو الخير ونهيه عن الشرور، وإبعاده عما يضرة ويوذيه والعناية به صحيا ونفسيا واجتماعيا واخلاقيا بحيث ينشأ على الفطرة السليمة السوية. فالأبناء أمانة ومسئولية في رقاب الآباء وان من أعظم ما افترضه الله علينا تجاه نعمة الذرية أن يقوم الآباء على أمر تربيتهم وتوجيههم بما يصلح لهم أمور دنياهم وآخرتهم فهم زينة الحياة وثمرة العائلة وأملها في المستقبل حيث قال الله سبحانه وتعالى في سورة الكهف (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا, 46). فإهمال الطفل وعدم تربيته تربية صالحة مستمدة من الكتاب وألاحاديث النبوية الشريفة وأحاديث ائمة أهل البيت (ع) منذ نعومة أظفاره لها فيما بعد أثر سيء على سلوكه وتصرفاته في المجتمع. فعدم تربية الطفل تربية صالحة يجعله في الغالب يقع في المحرمات ويعق والديه ولا يبرهما ويقطع الأرحام ولا يصلها ويضر بالمجتمع ولا ينفعه ويكون نقمة عليه.
ويقول القرآن الحكيم في الآية (32) من سورة الاسراء (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا). ويقول في الآية (2) من سورة المؤمنون (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) ويقول في الآية (3) من سورة المؤمنون (الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) ويقول في الآيتين (68-69) من سورة الفرقان (وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا) اما اتفاقيات الامم المتحدة فلا تجرم العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج لكلا الزوجين.
ان الزنا جريمة مستنكرة مجمع على حرمتها في جميع الشرائع السماوية وفي مقدمتها الإسلام حيث يعتبر من أكبر الكبائر وأبشعها عند الله سبحانه وتعالى فقد جاء الإسلام ليصون كرامة الانسان وبالخصوص كرامة المرأة ولذا تم فرض عقوبات رادعة لكل من يمارس جريمة الزنا ذكرا كان أو أنثى. وهو من أشد المنكرات والآفات الاجتماعية التي تصيب الأفراد والمجتمعات حيث يعمل على تفكيك البنيان العائلي والاجتماعي أينما حل وانتشر. وحرم الاسلام الزنا لاسباب عديدة منها للحفاظ على طهارة البيت المسلم وحفظه من الدمار وتشتت شمل العائلة وضياع الأبناء وحفظ الأنساب من الاختلاط. فالزنا يجعل بعض الأفراد من صلب الإنسان، وهم في الحقيقة ليسوا كذلك، فيصبحون جزءاً من عائلته، وبهذا يكون لهم الحق في الإرث مثلا. وحرم الزنا لغرض حفظ كرامة المرأة وصيانتها, فانتشار الزنا والسماح به يؤدي إلى امتهان كرامة المرأة وإذلالها وجعلها سلعة ومتاعا يباع ويشترى لمن أراد. اضافة الى الحد من ظاهرة الأطفال اللقطاء والتقليل من معاناتهم الناجمة عن رفض المجتمع لهم وللوقاية من بعض الأمراض النفسية والجسدية ومنع انتقال الامراض الجنسية المعدية.
ان القرآن العظيم يقول في سورة الشعراء (أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِين (165) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ ۚ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ َ(166)). ويقول في سورة الاعراف (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (81)). وفي هذه الآيات يعنف القرآن الكريم قوم لوط (ع) على فعل الفاحشة وعلى قبيح ما ابتدعوه حيث بلغت افعالهم نهاية القبح والفحش، والتي ما فعلها أحد قبلهم في زمن من الأزمان. ولعل من أبرز ما تدعوا لها اتفاقيات الامم المتحدة وتسبب في جدل كبير ونقد شديد هو دعمهم وتشجيعهم لحالات الشذوذ الاخلاقي والتحول الجنسي وتجمع الشاذين التي تحاول فرض قيمها على الدول والشعوب.
لقد عاقب الله سبحانه وتعالى قوم لوط (ع) بعقوبتين بخلاف ما عاقب به الاقوام الكافرة الاخرى التي شملها في العادة بعقوبة واحدة تبيدهم وتقضي عليهم. أما أهل سدوم وهم قوم نبي الله لوط (ع) فقد عوقبوا بعقوبتين كانت احداهما الرجم بالحجارة وهي عقوبة المحصن (المتزوج) الذي يرتكب فاحشة الزنى والعقوبة الثانية كانت ازالة القرية وابادتها وجعل عاليها سافلها وتطهير الأرض من هذا الرجز الخبيث.
ونلاحظ ان من مجموع (8) آيات وردت فيها اشارة إلى كلمة (المطر) في القرآن الكريم (النساء, 102: الاعراف, 84 : الانفال, 32 : هود, 82 : الحجر, 74 : الفرقان, 40 : الشعراء, 173 والنمل, 58) فأن (6) آيات منها جاءت للحديث عن غضب الله سبحانه وتعالى وعقوبته لقوم لوط (ع) مما كانوا يرتكبونه من شنيع الفعل والخبائث.
حيث قال الله سبحانه وتعالى في سورة الاعراف (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (84)). وفي سورة هود (فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82)). وفي سورة الحجر (فَأَخَذَتْهُمْ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (73) فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (74)). وفي سورة الفرقان (وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً (40)). وفي سورة الشعراء (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنذَرِينَ (173)). وفي سورة النمل (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنذَرِينَ (58)).
وأخيرا وليس آخرا, يقول الله سبحانه وتعالى في الآية (120) من سورة البقرة (وَلَنْ تَرْضَىٰ عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ۗ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ ۗ).
كما يقول عز من قائل في الآية (85) من سورة آل عمران (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ).
ونشير هنا أنه لم يتم ذكر الا بعض آيات القرآن الحكيم ولم يتم الاشارة الى أحاديث الرسول محمد (ص) أو أقوال الأئمة الاطهار من أهل البيت (ع) وهي كثيرة جدا وانما تم ذكر هذه الآيات القليلة للدلالة فقط, ومن دون الخوض في التفاصيل, على موقف الاسلام من بعض المواضيع التي تطرقت لها اتفاقية سيداو وغيرها من الاتفاقيات الاممية ومن يريد المزيد فعليه مطالعة المصادر الاسلامية المتعلقة بالموضوع وهي كثيرة لا يمكن احصائها.
واخيرا فأن السؤال المهم والمصيري الذي ينبغي على المسلم ان يطرحه على نفسه وهو : من هي الجهة التي ينبغي اتباعها والسير على هداها وتعاليمها لبناء انسان ونساء وأطفال وأجيال وعوائل ومجتمعات صالحة فاضلة تطيع الله عز وجل وتسير على هدي نبيه محمد (ص) وأهل بيته (ع) الطيبين الطاهرين وتدافع عن القيم الصالحة والمثل العليا ورفعة الوطن ؟ ما تطرحه وتدعوا له اتفاقيات الأمم المتحدة ومن ورائها المنظمات النسوية والشاذة المتطرفة أم كلام الله الخالق العزيز الحكيم ؟؟؟ الشذوذ والانحلال والاباحية والفسوق أم التمسك بالعائلة الصالحة والعفة والحياء والفضيلة والاخلاق ؟؟؟
أقرأ ايضاً
- الانتخابات الأمريكية البورصة الدولية التي تنتظر حبرها الاعظم
- ماذا بعد لبنان / الجزء الأخير
- من يوقف خروقات هذا الكيان للقانون الدولي؟