- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
رشحاتٌ من ألطاف علي بن أبي طالب عليه السلام
بقلم: حسن كاظم الفتال
مهما تدرج الإنسان بالمراتب وبلغ من المراحل فهو أحيانا بحاجة للواعظ والناصح أو على أقل تقدير للمذكر فإن آفة النسيان لا يمكن لأحد أن يفلت منها أو يتقي شرها . وحين يرغب الفرد بالموعظة أو يستعذبها ويتوق للنصح والإرشاد وتشرئب عنقه للبحث في أعلى ذراها عن ناصح مرشد نافع في نصحه وفي وعظه ليكتسب منه إرشادا يدله على طريق قويم مستقيم ومهما توغل في أعماق البحث في كهوف وسهول وجبال المعرفة لم يجد واعظا يعظ فيصيب بوعظه إلا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام لأنه الواعظ المتعظ والأصدق في هذا الكون بوعظه ونصحه إذ لم يناقض يوما قوله عمله فضلا عن أنه عنده علم الكتاب وهو الإمام المبين وقال عز من قائل وكل شيء أحصيناه في إمام مبين وهو الأبلغ والأفصح وهو النبراس الذي يخترق وهجه القلوب والأفهام والعقول ويزقها النور فتتفتح وتتسع فيها مساحات الإستيعاب حتى تأخذ من العلم والمعرفة والفهم حصة لا يأخذها الشاك في صدق القول .
أمير المؤمنين علي عليه السلام بحر علم لا حدود له ونبع لا ينضب وهو عيبة علم الله لا يسبقه في علمه سابق ولا يلحقه لاحق بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وهو القائل علمني رسول الله صلى لله عليه وآله ألف باب يفتح لي من كل باب ألف باب . مثلما لا يخفى على أحد معرفة وجود ظواهر كونية لا تتكرر فإن شخصية أمير المؤمنين عليه السلام يمكن أن يعد ظاهرة كونية لا تتكرر أبدا .
وحين نزعم بأننا نتبع منهجه المقدس ونوالي عظمته وننتسب إلى متابعيه ومشايعيه فعلينا أن ننتهل من نبعه الصافي النقي بما يطفئ لهيب جمرة الظامئ اللهفان ونكتسب من وصاياه أدبا وخلقا وتهذيبا وتفوقا نغتنم به سعادة دنيوية وأخروية
ولا يوجد من لا يذهل وربما لا يصعق حين يستمع أو يقرأ مقاله وهو يريق من سلسال صدره الشريف دررا ولآلئ لا يفقه جوهرها إلا من هو ذو حظ عظيم .
وكلما توصل الإنسان لمرتبة عالية ونال من العلم مرحلة أعلى ازداد احتياجه للإرتشاف من منبع عمله ويزداد ذهولا حين يقرأ النصوص التي كتبها أمير المؤمنين عليه السلام، يقف لينزل من رشحات ألطافه وفيوضات كرمه وجلالة علمه وبيان عطفة وشفقته على البشر حين يوصي ولده الإمام الحسن عليه السلام .بوصية يعجز المفسرون في أن يحصروها في إطار معين لأنها لا تقتصر على فن أو علم أو بلاغة أو فصاحة بل هي شمولية في كل مناحيها، ولعل سائلا يسأل ألم يكن الإمام الحسن عليه السلام إماما معصوما يرث علمه من جده وأبيه فضلا عن علمه اللدني ؟ حين يطرح هذا السؤال ، فلابد أن ينبعث الجواب من لباب العقول رادا: إنما يريد عليه السلام أن يوصينا ويعلمنا فهو المعلم الأول للإنسانية ومعني بإصلاح شؤون الناس بعبقريته التي لا تغادر صغيرة ولا كبيرة في معالجة شؤون الحياة بكل جوانبها ومكافحة الأوبئة التي طالما أصابت المجتمعات واستفحلت ونخرت في جسد المجتمع حتى تعسر القضاء عليها بسبب مرور الحكام الذين أعمت بصيرتهم القصور الفارهة وجلابيب الخز والحرير وتشاركهم ملذاتهم الغانيات اللاتي يختاروهن لهم وسطاء هتكوا كل حرمة من أجل أن يعيشوا على فتات موائدهم ومن أجل أن يلتقطوا ما يعتصرونه ليمصوا منه ما تبقى من لعاب قذر.
نحاول في كل مرة حين نغوص في بحره .. أن نلتقط دررا نفيسة يعكس إشعاع بريقها من الفضائل والعلم والمعرفة الحكمة والبلاغة والفصاحة والفطنة ما لا يعد ويحصى من المنافع.
لا توجد زاوية في جحور العلم ولا نقطة في كهوف المعرفة أو في ممر من سبيل الرشاد إلا وأضاءه بنور عقله وعلمه ووعظه وتوجيهه وإرشاده .. وحين يصغي المرء لقول أمير المؤمنين عليه السلام إصغاء عقليا فكريا صافيا نقيا خالصا بصفاء نية خاليا من التشوهات القصدية فلابد أنه سيتفاعل مع إشعاعات درر الكلام المنثورة المنبعثة من عمق الضمير المضاء بالعصمة والمحاط بعقيدة نقية صافية لا نظير لها وحين يحدث التفاعل سيمكنه ذلك من الشروع من نقطة التفكر إلى سبيل لا متاهة ولا ضلالة ولا ضياع ولا وحشة ولا شعور بغربة فيه بعيدا عن كل حيرة وتذمر وانزعاج وسيضمن به وصولا محققا سليما لا خوف عليه ولا حزن إلى الصراط المستقيم.
علي أمير المؤمنين صلوات الله عليه وإمام المتقين وسيد البغاء والفصحاء والمتكلمين وهو القائل صلوات الله عليه عليه السلام : صدر العاقل صُندوق سره ، والبشاشة حُبالة المودة ، والإحتمال خِباء العيوب ، ومن رضي عن نفسه كثر الساخط عليه
أعجز الناس من عجز عن اكتساب الإخوان ، وأعجز منه من ضيع من ظفر به منهم .
سيدي يا أمير المؤمنين السلام عليك آناء الليل وأطراف النهار سلام لا ينقطع أمده ولا يقصر مدده ورحمة الله وبركاته.