- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
القرآن الكريم بين حسن التدبر والعزم على التمظهر
بقلم:حسن كاظم الفتال
بسم الله الرحمن الرحيم ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا ) ـ الكهف/1 القرآن الكريم معجزة النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وآله أنزله الله تبارك وتعالى ووسعه صدر رسوله الأكرم صلى الله عليه وآله لينطوي على عمق معانيه ومفاهيمه ومضامينه وما فيه من منطوقٍ لآيات كريمات بينات مفصلات تحكم بين الناس بأحسن الحديث وتهدي إلى التي هي أقوم وهو لوح محفوظ برعاية الله وعنايته . فيه أخبار الأمم السابقة ويخبر عن أقوام مضت وعما حملت أسفارها. ولعل كلما فيه من فضل تختزله الآية الكريمة (إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) ـ الإسراء / 9 وشاء الله جل وعلا أن يخلق عدلا وحليفا للقرآن وهم آلُ بيت النبي محمد صلى الله عليه وآله انصهر فيهم وانصهروا فيه وهم أهل الذكر أي اهلُ رسول الله صلى الله عليه وآله بمصداق الآية الكريمة من قوله تعالى (قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا (10) رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ (11)) ـ الطلاق وقد أمرنا الله جل وعلا أن لا نسأل إلا هم عن مبيناته وأحكامه ومحكماته وبواطنه وقال تعالى : ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) ـ النحل / 43 ليبينوا للناس مما في ظاهر وباطن القرآنِ الصامت من أحكام وشرائعَ ومضامين . وروي عن أمير المؤمنين علي صلوات الله عليه قال : نزل القرآن أثلاثا: ثلث فينا وفي عدونا وثلث سنن وأمثال وثلث فرائض وأحكام. بما أن هذه الأثلاث سنت دستور الحياة اليومية فقد تحتم علينا أن نقف على معرفتها وتصنيفها وتشخيص ما يخص كلَّ ثلث منها . وذلك ما يجعلنا بأمس الحاجة لمرشد يرشدنا إلى فهم مضامينها ويعرفنا عليها وينبغي أن يكون المرشد يحسن بل يتقن تفسيرها وشرحها وتأويلها جملة وتفصيلا ليُطلِعنا على جوهر مكنونات القرآن وأسراره ومعانيه ومضامينه تلك المكنونات التي انطوت على مقومات معينة وهي المحكم والمتشابه والخاص والعام والمطلق والمقيد والظاهر والباطن. وهذا ما اقتضى وجودَ مفسر بارع مبدع راسخٍ في العلم والعلم راسخٌ فيه ليتعهد تفسيره بل تأويلَ بواطن محكماته بما ينسجم مع هذه المقومات العظيمة وبموجبات ومقتضيات ما تُشَرِعُ من أحكام تتضمنها الآيات الكريمات البينات . وهل إلا آلُ بيت الرسول صلى الله عليه وآله أهلٌ للتعهد والتعاطي مع أبعادها وجوهرها وفك رموزها وتبسيط اسرارها والتبحرِ في أعماقها؟ لذا راح أمير المؤمنين علي صلوات الله عليه الذي هو القرآن الناطق يحض على التطبيق الفعلي الصادق الملموس والمحسوس للمفاهيم والأخذ بها ويحث الناس على إيلاء الإهتمامِ البالغ بالجوهر لا بالمظهر . وأن تكون القراءة غايةً في التدبر للإستفادة واكتساب المعرفة التامة. وقال رب العزة عز وجل (وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا ) ـ المزمل/4 يبدو أن تقلباتِ الزمن ومتغيراته وتداعيات تراكم الأحداث ألبس بعضَنا لباس السهو والنسيان وشغلوا عن التمعن بمتابعة الأحداث وقراءتها قراءة تفاعلية باطنية سليمة صائبة واضحة وصحيحة شغلوا عن ذلك وحجبت عنهم صيغُ حسن التعاطي التام مع مسألة التدبر الفعلي والحقيقي للقرآن وتاه بعضنا في أودية التسطيح وترك اللباب وجرى مجرى التقليد الأعمى لبعض الصيغ التي فرضتها ظروف بحقب زمنية معينة . أو ساقته الغفلة والسهو إلى أن يسخر القرآن لمآرب شخصية أو مصالح ذاتية سواءٌ بقصدٍ أو غير قصد وظن أن ما يصنعه هو الصنيع السليم الصائب وراح يحسب أن التطوير والإبداع على الظاهر فحسب مما ابتغى ان ينصب الجهدُ فقط على كيفية القراءة والتجويد وبصوت منغم وبترنيمات معينة وشدو وصدح يوشك أن يميل إلى ما لا ينسجم مع القدسية بينما المعنيون بالشأن القدسي والساعون لإيلاء العناية بالتدبر يرون إن التدبر لا يتحقق عن طريق التنوع بالقراءات .ولكن بالتوغل في عمق المفاهيم والجوهر العميق للقرآن . فليقرأ القارئ كيف يشاء إنما بتدبر روحي عقلي حسي باطني عميق . حيث أن القرآن الكريم يدعو إلى التعاطي مع الجوهر في كل مراسيم الحياة ومفاصلها وجزئياتها ويحث على التخلق بالخلق والمعاني والمفاهيم التي تدعو لها بواطنه وأثلاثه التي أعلن عنها أمير المؤمنين صلوات الله عليه حسن كاظم الفتال