بقلم: حسين فرحان
الجميعُ يدّعي وصلًا بالقيم، وبالمبادئ، وبليلى ..
الجميعُ يتخندقُ استعدادًا لخوضِ نزالٍ مع طواحينِ الهواء؛ لاستنقاذِ حقوقِ الناس، والجميعُ يرفعُ رايةً واحدةً كُتِبَتْ عليها كلمةُ الحقِّ التي يُرادُ بها باطل..
الوطنُ غايتُهم، وراحةُ المواطنِ همُّهم،.. ونعمَ البدعة هذه. مثلما كانت تلك، فالأساسُ في مُلكِهم نظريةُ (الكعكة)، والوطنُ، بنفطه ودخانه وترابه -كما يرونه- (كعكة).
بارعون هم في قسمتهم وإنْ توقّفتِ الحياة، فالعامُ الذي يمضي في سبيلِ تثبيتِ أثافي القدور ليس ممّا يُغاثُ فيه الناس، وهو -بكُلِّ يومٍ فيه- فداءٌ لثلاثةٍ سواه يكونُ الحصادُ فيهن وفيرًا.. لا يُحِبّون العَجَلةَ من أمرِهم؛ إذ لا بُدّ أنْ يرضى الطيفُ عن الطيف، والجهةُ عن الجهة، وهذا عن ذاك، وإنْ قضى العبادُ ساعاتِ الانتظار عندَ أبوابِ المقابر..
شاشاتُنا المُعلَّقةُ على الجدارِ تئنُّ من وقعِ التصريحات، ألفُ قناةٍ تَبثُّ بجودةٍ عاليةٍ سجالًا بينَ هذا المُتحدِّثِ وذاك، يتوسطهما مُقدِّمُ برنامجٍ، لو اطلعتَ عليه لوليتَ من غاياتِه فرارًا..
جمهورٌ مُتحزِّبٌ تهفو نفسُه لمُتحدِّثه، يُقابلُه جمهورٌ تهفو نفسُه لمُتحدِّثِه، وادّعاءُ الوصلِ بليلى وبسلمى وبالوطنِ حاضرٌ لا يُفارِقُ تعابيرَ الوجوه، وإنِ اعتراهُ شيءٌ من نفاقٍ لا يُمكِنُ إخفاؤه..
الجميعُ بلا ضمير، و(الأنا) تنسابُ مع التصريحاتِ تارةً، وتختفي أخرى.. والجمهورُ المُتحزِّبُ يراها عندَ خصمِه، وعينُ رضاه عن عيبِ صاحبِه كليلةٌ..
جمهورٌ آخر، وجدَ في كرةِ القدمِ رُكنًا يلجأ إليه هاربًا من احتدامِ النفاقِ السياسي، فحذفَ قنواتِ السياسة من شاشاتِه والتجأ إلى (إسبانيا) التي منحته -وغيره- (الريال وبرشلونة) يتقلّبُ بينهما كيفَ يشاء..
وجمهورٌ آخرُ ينظرُ لكُلِّ الأطرافِ بنظرةِ امتعاضٍ؛ فيرى أنَّ هذه الطبقةَ ما هي إلا: (الكُلُّ غيرُ المرضي عنه) لا الربّ راضٍ عنها، ولا القلب..
طالبُ المالِ لا يشبع، وهذه حقيقةٌ أثبتَها تاريخُ البشريةِ وأكّدها تاريخُ السياسةِ العراقية.. و(كفى) لم تكنِ الكلمةُ المُثلى لإيقافِ هذا (المارثون) اللاهثِ خلفَ الدولارِ والمنصب..
و(التظاهُرُ) أصبحَ مُمارسةً لا تُخيفُ أحدًا منهم؛ فالديمقراطيةُ تؤمّنُ بالصراخِ، وحقُّ الصراخ خلفَ الأسوار مكفولٌ دستوريًا، وللمسؤولِ أنْ يُتابعَ مُجرياتِ الأحداثِ متى ما استيقظَ من نومه..
من يتحدّثْ منهم عن دينٍ، أبلِغوه بأنّه كاذب، ومن يتحدّثْ منهم عن وطنٍ، أخبِروه بأنّه كاذب؛ فالدينُ والوطنُ أكبرُ من أنْ يكونا ضمنَ دائرةِ اهتمامِ من لا يفقهُ فيهما شيئًا، ولكن ليتحدّثوا عن الدُنيا؛ فهم الخُبراءُ بطُرُقِها، وعن زينتِها وزخرفها، وعن الجواري والغلمان والقصور، وعن انتكاستهم..
أيُّها السياسي، ما تعريفُك للوطنِ؟
سيُجيبُك دونَ أنْ يكترث: (كعكة)..
الترفُ.. المالُ.. النفوذُ والسلطةُ، جميعُها عواملُ مساعدةٌ على تخصيبِ وتكوينِ الشخصيةِ الفرعونيةِ عندَ كُلِّ واحدٍ منهم..
مُستوى الردعِ يقتربُ من الصفر، ومع انخفاضِ وتدني نِسَبِ الوعي، وتفشّي حالةِ التحزُّبِ ربما نحتاجُ إلى معجزةٍ لتغييرِ هذا الواقعِ الذي طغتْ فيه الصنميةُ عندَ البعض، واللامُبالاةُ عندَ غيرهم، واللا أدري عند البعضِ الآخر!
إنّها مأساةُ وطنٍ، وحكايةٌ تُحكى كُلَّ ليلةٍ بشكلٍ مُختلف، ولكن ربما هي الحكايةُ وما فيها.