- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
مكانة المرأة مابين سلطة العشيرة، وتأويل المفهوم الديني
بقلم:هشام الفتلاوي / باحث
أن وجهة النظر العشائرية والتي تعتبر (اجتماعياً وثقافياً)، من أكثر وجهات النظر تشدداً تجاه موضوعة المرأة وحقوقها لها ثقلها الفكري الذي يجب أخذه بنظر الاعتبار بشكل مكثف في أي محاولة لتحليل الرؤى الاجتماعية تجاه قضية معينة وخصوصا القضية التي نحن بصددها الآن .فالفرد العشائري له موروثاته العرفية المستمدة من ما يسمى “العقل الجمعي” للعشيرة والتي بُني فيها هذا العقل على وفق هيمنة التراث الإنساني وقِيمهِ الحضارية التي تأصلت خلال القرون بتوجهات العشيرة ومصالحها وبالتالي تقييمها لحركة الإنسان وللإنسان نفسه، وباعتبار إن العشيرة هي رمز للتوجه المجتمعي العام نحو بناء كيانات توافقية تشتمل على ميزات مشتركة تكوُن العائلة الكبيرة للفرد ؛ والتي اقتضت المسيرة التاريخية عدم كفاية عائلته الصغيرة لترسيخ حضوره على كل المستويات، لذا فإنها بُنيت تاريخيا على رواسخ عقلية استمدت قوتها من انتساب الرؤية لمصالحها المشتركة إلى حاجة الفرد نفسه .وبالتالي قوة حضور العشيرة في التواجد والتناحر من أجل بقائها وبقاء أفرادها. وبما إننا هنا معنيين بدراسة هذه الرؤية تجاه المرأة ذلك الكائن المهمش عشائريا والذي ظل طوال القرون ورغم كل التطورات والطروحات السماوية والأرضية التي حاولت إعادة رفع شأنيته المحطوطة “رجاليا” ألا أنه بقي ذلك الكائن الموؤد دوما دون ذنب سوى جنسه “أنثى” ووفقا لهذا الطرح الأولي فأننا لكي نكون أكثر دقة وأقرب إلى فهم طبيعة هذه الرؤية علينا أن نرجع إلى أصل الأسطورة …
لقد تأثر التراث العشائري تأثرا عظيما بالأديان. مثلما أن ذلك الارتباط المبهم والواضح في الوقت نفسه ما بين العشيرة والسلطة الدينية يُعد المحرك الأول والأخير لجريان هذا النهر المتدفق في الأرض،؛ فالنهر الجاري المتدفق يحاول شق مسيره في الأرض ولكنه يتجه دائما في مسيره لشق الأرض الرخوة والأقل صلابة من غيرها. إذن فالتراث العشائري شق طريقه وفق رؤيته الخاصة لمصالحه العشائرية على أرض المفاهيم القابلة للتوافق مع جريانه، فالسلطة الدينية والتي مثلت عبر التاريخ المنبر الشرعي لتفسير المفاهيم الرسالية للأديان قد مهدت الدرب لأكثر المفاهيم سطحية ضمن تراث العشيرة وعقائدها العرفية..
وقد كانت المراة دوما ذلك الكائن المهمش والمسلوب الارادة والموصوف بالدونية من العشائر والاديان القديمة لاعتبارات الخطيئة الأولى وغيرها من المفاهيم،والحقيقة فانه لا يسعنا هنا إلا أن نكون بالجرأة التي تسمح لنا بتناول هذا الموضوع بحق، وإلا فلنترك الموضوع ولنلتزم الصمت أو لنرفع شعارات حقوق المراة. ومن اللافت للنظر أن الأديان السماوية قد عكست احترام المرأة بشكل مميز , متمثلة بالأنبياء وهم أكثر الناس تقييما لحقيقة المرأة واحتراما لحضورها الإنساني وليس هناك من نبي عظيم إلا وكانت معه أمرأة عظيمة .ولك أن تتصور النبي موسى عليه السلام، بلا “آسيا” تلك المرأة الرائعة.. فهل يبقى له من ذكر؟ أو نبي الله عيسى عليه السلام بلا "مريم" أو بلا "مريم المجدلية" حتى، التي فضلها حتى على تلاميذه والتي كانت أعظمهم تصديقا له.وحتى نبينا محمد صلوات الله عليه وعلى آله وسلامه عليهم إذ يقول (ما قام للإسلام قائمة لولا سيف علي وحماية أبي طالب وأموال خديجة ) ، ولك أن تتصور محمدا بلا خديجة ؟ ووو و والأمثلة لا تعد ولا تحصى، في هذا الجانب . وبالفهم نفسه تصور أبو البشر آدم عليه السلام بلا حواء هل يبقى للإنسان حضور؟هل يكون الإنسان أنسانا ؟ ألا يمكن ان تكون حواء هي براق آدم للعروج نحو الله؟ وإنها باب آدم نحو الخلافة ألإلهية؟ ولكي تكون ذلك فربما كانت المشيئة الإلهية أن تكون عنوانا للخطيئة.
ومرورا بكل المفاهيم السلطوية والكهنوتية الدينية تم تعزيز مفهوم "حواء" تلك المرأة التي أغوت آدم وأدخلته في الخطيئة بأكلها التفاحة، على الرغم من كل دفاعات الله والأنبياء عن هذا الكائن المقدس مثل قول :(الجنة تحت أقدام الأمهات) ؛والأمهات بالطبع ليسوا رجالا . فأي تقديس أعظم من هذا ..وكذلك قول نبينا الأعظم صلوات الله عليه وعلى آله :(فاطمة بضعة مني ، من آذاها فقد آذاني) وغير ذلك الكثير من الأمثلة…
لقد ساهمت التأويلات السلطوية الدينية على مرّ القرون في ترسيخ مفهوم خطيئة آدم بواسطة حواء تلك المرأة التي تم تصويرها على أنها ذلك الكائن ألغرائزي الذي لا هم له إلا خديعة آدم وإغوائه . وواقع الحال يقول إن قليلا من التأمل المجرد بهذا الأمر يوصلنا إلى الشك في هذه الأطروحة ومحاولة إدراكها باليقين العقائدي الصحيح دون تدخل النوازع الرجالية أو الموروثات التفسيرية الدينية والعرفية.
إننا نقع أحيانا في أخطاء التأويل بسبب تلك الركائز العقلية المبنية على وفق ضوابط العرف الاجتماعي والقبلي الذي لا يستوعب إلا تأويلات المفاهيم التي تتماشى مع التوجهات العامة للموروث الفكري والذهني الذي تم ترويضه طويلا بواسطة أنواع المظالم والحاجات والطموحات والأمراض النفسية ، ولسنا هنا بصدد تفسير أو تأويل تلك القضية "الحوائية" التي سببها أكل التفاحة من قبل آدم، ولكننا فقط نحاول إثبات إن ذلك التأويل الذي حمل في طياته الكثير من التعسف المرتكز على آثار اجتماعية مغروسة في مخيّلة المجتمعات طوال قرون من - الاستلاب النسوي- تحت عنوان حضور المرأة (حوائيا) في المجتمع والذي سيطر (دينيا) على العقل الجمعي (كما ذكرنا) للعشيرة والتي كانت (وما زالت) تمثل العمود الأقوى الذي يستند عليه البناء الهرمي المجتمعي وخفي بلداننا الشرقية خاصة . وللأسف فان بعذ المفاهيم الدينية "المؤولة" ما زالت تتجه بنفس الاتجاه في محاولتها لاستلاب حق الحضور الأنثوي للمرأة مقابل الحضور الذكري للرجل في الحياة؛ ذلك الحضور المتوازن الذي جعله الله سُنة كونية يتوازن عبرها الوجود ومتجها نحو الكمال. والحقيقة أن الخلل كل الخلل يحدث بسبب من كان وراء وضع المرأة في مكانة تصورها على أنها كائن ناقص الكينونة، وماهي إلا وعاء لتفريخ الرجال، ورب معترض يعترض ويأتي بقول عن الأمام علي -عليه السلام -وهو شيخ الحكماء وسيدهم- ان النساء ( نواقص الإيمان, نواقص الحظوظ، نواقص العقول )، وهنا فالرد لا يختلف كثيرا عن سابقه في قضية حواء وآدم وخطيئتهما. وذلك الفهم التعسفي للمرأة فيها.
أن فهم هذا الطرح العميق بشكل سطحي - وكما هو يحدث اجتماعيا فعلا- يدخلنا في إشكالية "وأد" المرأة من حيث لا نشعر، حيث تصبح تلك الأحاديث (بقوة حضورها) ركيزة اجتماعية وعشائرية لاستلاب المرأة ودونية حضورها في المجتمع فتصبح ( كل أربعين مره عقلهن برجل دجاجة) كما يقولون . ولزاما علينا طرح وجهة نظرنا.. حيث ان الامام علي -عليه السلام- وكل الأنبياء والأولياء قد تعاملوا عمليا مع نسائهم وباقي النساء باحترام وتقدير وتقييم يفوق الوصف لمعرفتهم بمكانتها وأهميتها في المجتمع .
أما مسألة نقصان عقل المرأة.. فأنه في الحقيقة ليس بمنقصة إذا ما تأملنا في خلقة المرأة ووظيفتها الكونية، وسنعرف إنه ميزة لها . فنبدأ بالسؤال هنا “هل العقل هو المقياس الأول والأخير في التقييم لمكانة الإنسان عند الله؟ إن الجواب الإلهي هو ( لا…) ، فالله سبحانه يقول : ( إن الله لا ينظر إلى وجوهكم ولكن ينظر إلى قلوبكم )، ويقول أيضا ( لهم قلوب لا يعقلون بها ) ، و( ما كذب الفؤاد ما رأى )،ويقول جل وعلا ( إلا من أتى الله بقلب سليم )، أما العقول فوظيفتها التدبر وتعقل الحضور الوجودي الظاهري للإنسان في الحياة ، ولذا فهو ميزة ظاهرية دنيوية والحقيقة أن القلب هو الميزة الإنسانية العظمى بالنسبة إلى الله وهو محل كمال الإنسان , والمرأة ليست كائنا عقليا لأنها في الحقيقة لا تحتاج إلى ذلك الكم العقلي كما يحتاجه الرجل لاعتبارات معروفة.ولكنها تحتاج إلى كم قلبي ودفق روحي أعظم من الرجل لاعتبارات أمومتها ، ولذا وهنا فعلا يصبح نقصان عقلها ميزة لها لأنه عنوان لكمال قلبها ودقة إحساسها ومشاعرها المعنوية والتي تجعل الجنة تحت أقدامها.فلكل من القلب والعقل ميزان يرجح احدهما كفة الآخر به .أما نقصان حظها فهو أيضا لعدم حاجتها أن تلعب دور الرجل في الخدمة الظاهرية التي حملته أعباءً وهموما وواجبات أراد الله سبحانه وتعالى أن يجعل حظه (الظاهري المادي) أعظم منها لكي يقوم بالتالي بخدمتها هي فعلا وهي ميزة أخرى لها.
وأما نقصان إيمانها. فلقوة ارتباطها المعنوي بالله باعتبار أن الأيمان هو الصلة ما بين الإنسان وربه وهي متحققة فعلا فيما لم يحقق به الرجل من صلة مع الله وهي ميزة(ملائكية) أخرى . والحقيقة أننا هنا لا ندعي فن التأويل والتفسير واكتفينا بالإشارة دون الدخول في التفاصيل والتي تستدعي كثيرا من التفصيل والإقناع وخاصة لمجتمع بهذه العزة الرجالية (القيومية)، بل اقتضت حاجتنا فقط الإشارة إلى أن المفاهيم الإرتكازية الموروثة ليست هي الفيصل دائما في تبني الأفكار والسياسيات اتجاه الآخرين. بل علينا دوما أن نتأمل في أرثنا العقائدي والعرفي وان الله سبحانه وتعالى وأنبياءه عليهم السلام هم دائمي الحث بهذا الاتجاه. وإلى هنا فأننا قد شككنا في نقطتين أساسيتين يرتكز عليهما العرف العشائري في استلاب المرأة والمستمدة من الفهم الديني (السلطوي)المغلوط اتجاه الطروحات النبوية العظيمة حول المرأة وهي كما أسلفنا مفهوم الخطيئة الآدمية الأولى بواسطة حواء وكذلك مفاهيم التخلف التكويني للمرأة في الفهم العرفي للأديان.
أقرأ ايضاً
- القوامة الزوجية.. مراجعة في المفهوم والسياق ومحاولات الإسقاط
- مكانة المرأة في التشريع الإسلامي (إرث المرأة أنموذجاً)
- سلطة المشرع في إصدار النص القانوني المقضي بعدم دستوريته مجدداً