- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
التناثر الديمقراطي والاغتراب الرأسمالي
بقلم: د. مظهر محمد صالح
١- هالني ما كتبه ريتشارد بيلدس استاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في جامعة نيويورك مؤخراً ونشرته صحيفة نيويورك تايمز في مقال بعنوان:((السر وراء تداعي الكثير من الديمقراطيات)) مشيراً الى التشتت في السلطة السياسية لتصبح في العديد من البلدان بين الايادي المختلفة ومراكز تلك السلطة في الديمقراطيات الغربية.
ويعد كفاح إدارة بايدن كما يقول (ريتشارد بيلدس) من أجل تنفيذ أجندتها السياسية مثالاً جيداً على التشرذم السياسي الذي تعانيه مختلف الديمقراطيات الغربية. فالملاحظ أن هذا التشرذم يتخذ أشكالاً مختلفة داخل أنظمة التعددية الحزبية في أوروبا ونظام الحزبين في الولايات المتحدة. في الوقت الراهن، اذ تشهد الديمقراطيات الأوروبية تفكك الأحزاب والائتلافات الرئيسية التي لطالما هيمنت على المشهد السياسي - يسار الوسط.
٢- ففي صناعة العملية الديمقراطية في العراق يتجه المفكر السياسي العراقي إبراهيم العبادي في عموده الاخير الذي جاء بعنوان : لمن الاولوية في العام الجديد ؟ عندما تعرض الكاتب لظاهرة الاغتراب بين الاجيال في بناء العملية الديمقراطية في العراق قائلاً:((صار ممكنا القول ان شعوبنا التي جربت اشكالا من النظم السياسية والاقتصادية ، ستصارع كثيرا قبل ان يستقر بها مقام السياسة والامن والاقتصاد الناجح ، واننا مازلنا بعيدين عن الاهتداء الى النموذج المقبول الذي يرضي الطبقات الدنيا في المجتمع والاجيال الشبابية الجديدة ،فهذه الاجيال تعيش قطيعة فكرية-ثقافية مع من أدار اللعبة السياسية حتى الان ، وهي تقرأ الواقع بنظارات مختلفة كلها تقود الى مزيد من القطيعة مع الاحزاب والزعامات والفكر السائد)).
في حين يلامس المفكر السياسي حسين العادلي حركة الدولة ومساراتها الديمقراطية في خاطرته الوجدانية : «الحَذر» قائلاً:
• الحَذر عند (المُنحَدر)، وسرعة المنحَدرات (هلاك).
• السياسة دونما حَذر، (لُعبة نَرد).
• المأْمَن، (بيت) الغَفلة، و(جَرَسَه) الحَذر.
• (الحَذر)، إقدام يقظ، وليس نكوص هَلِع.
• إنما (السَقْطَة) في الطُرق المألوفة، وعند الطُرق الجديدة يكون (الحَذر).
• دالّة الأعمى (الصوت)، ودالّة البصير (الحَذر)، ودالّة السياسي (الحَدس).
• كما الحاجة تعمي (الإحتراس)، والشبق يطغى على (الإحتراز)، فالتّهور مقبرة (الحَذر).
• أحلام اليقظة ككوابيس الحذر، الأولى (أماني)، والثانية (خَيبة).
٣-ان تحليل العلاقة بين (محاذير) العادلي و(الاغتراب الجيلي) للعبادي و( التداعي الديمقراطي) لريتشارد بيلدس، تدلنا على ماياتي :
ا-يعد الفضاء الديمقراطي المشرقي الاكثر فوضوية وتصدعاً عندما يقارن بمركب زجاج النافذة الديمقراطية الرقمية الغربية ،التي تتصدع ولكن بانتظام تطور قوى الانتاج وتضعف بالتراتب في عالم تتفكك مؤسساته السياسية ربما بالتدرج evolution عبر الاجل الاطول لبلوغ لحظة الانعطاف الحاد في التطور السياسي revolution مقارنة بفوضيات الشرق ذات الاجل الاقصر في التبدل الديمقراطي في تقدمه البطيء وسرعة انحساره وتحطم نوافذه .
ب-يبقى الحذر مطلب جوهري في عالمنا المشرقي الفتي في ديمقراطيته لتجنب (حافة الهاوية) في البنية الفوقية للدولة ،فالحذر في علم الدولة هو ممارسة السلطة في ضبط الذات بالتنبه والتحوط والامساك بالحدود المحيطة دون اختراق من مؤثر او ما قد تواجهه الذات من انفلات في سلطاتها الذاتية خارج نطاقاتها واختياراتها الموضوعة والمرسومة في تسيير الديمقراطية .
فبلوغ الحذر هو شرط الكمال في ضبط التصرفات البشرية في مواجهة المحيط الخارجي او التعاطي مع الطبيعة والحياة المجتمعية.
فغالبا ما يجرد، التنازل عن الحذر ،الديمقراطية وممارساتها فرصة (ادارة المخاطر) والتحكم بها والذهاب بها لا محالة الى الانفلات في عالم غير محدود من (اللايقين) وهو عالم لا تحسب مخاطره ولا تدرك عقباه ولايعيش فيه الا المغفلين من البشر لبلوغ العدم.
أقرأ ايضاً
- العراقيون يفقدون الثقة في الديمقراطية
- أعراض مرض الديمقراطية تسبق اغتيال ترامب
- الإبادة الجماعية في غزة ونفاق الديمقراطية الغربية