حجم النص
بقلم:سالم مشكور
يقع الكثيرون في تناقض كبير عندما يرفضون وجود الأحزاب ويعتبرونها سبب المشاكل، وفي الوقت نفسه يتمسكون بالديمقراطية. فكيف تكون الديمقراطية بغياب الأحزا؟.الديمقراطية تقوم على التداول فبين من ومن يتم التداول إذا لم يكن لدينا أحزاب. قد يكون الكلام عن رفض الأحزاب مقبولاً إذا صدر عن أناس بسطاء في وعيهم وثقافتهم السياسية، لكنه لن يكون مقبولا عندما يصدر من سياسيين. أفهم أن هذا الرفض ينبع من تجربتهم مع الأحزاب التي تصدرت المشهد بعد ٢٠٠٣، التي لم تقدم نموذجا للأحزاب السياسية بالشكل الذي تشهده الدول الديمقراطية. لكن تكرار عبارات نبذ الأحزاب لابد وأن يؤسس لثقافة مغلوطة تناقض نفسها عندما تتمسك بالديمقراطية وتطالب بتغييب أحد أركانها في الوقت ذاته.
العوق الذي يصيب عمل الأحزاب العراقية يحتاج الى حديث طويل، فأغلبها ليست أحزاب سليمة النشأة وبالتالي لم تبن تنظيما حقيقيا له برامج واضحة. بعضها تشكل في المنافي والأخر في العراق قبل عقود وثالث نشأ كتيار تغييري يستلهم رسالته من الدين، مع عجز عن تطويع هذه الرسالة مع متطلبات إدارة الدولة، فيما نشأ البعض الاخر بعد ٢٠٠٣ في ظروف واليات ليست أفضل مما شهدته سابقاتها.
من أخطاء الثقافة السياسية السائدة هي اعتبار السعي الى السلطة عيباً وهدفاً يستبطن نوايا سرقة المال العام. في المبدأ هذا الكلام ليس صحيحاً، فالحزب السياسي يجب أن يسعى الى السلطة من أجل تنفيذ برامجه وافكاره لإدارة الدولة. بخلاف ذلك لن يعتبر الحزب سياسياً بل هو جمعية مدنية تمارس نشاطاً توعويا أو ثقافيا أو خيرياً. هذا في علم السياسية نظرياً أما عملياً (عراقياً)فإن الأداء الذي قدمه أغلب هذه الأحزاب كفيل بزرع هذه الثقافة المغلوطة لدى العراقي بان السعي للسلطة منقصة، بعدما رأى هذه الأحزاب تتخذ من الوزارات والمواقع التي بحوزتها مصدر تمويل لها أو لشخوص قادتها. اللافت انها باتت حقاً طبيعياً مكتسبا في وعي البعض بحيث يستنكر اعتراضك على التموّل الحزبي من المال العام بالقول: "ومن أين نأتي بالمال لنشاطنا ومصاريفنا"، بينما في الدول الديمقراطية تعتمد الأحزاب على تبرعات الأعضاء والمؤيدين، ورجال اعمال، ومشاريع اقتصادية تملكها الأحزاب ضمن الضوابط القانونية.
الأحزاب في العراق، بغالبيتها، افتقدت النشأة الصحيحة والأداء الصحيح فنزلت بالمجتمع الى حضيض اليأس والثقافة السياسية المشوهة. هي أحزاب ليست كالأحزاب عكس ما سمعته ماجدة الرومي من "كلمات ليست كالكلمات" التي حلقت بها فوق الغيوم.
أقرأ ايضاً
- حادثة "كروكوس سيتي" أليست رسالة دولية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين"
- الحقيقة ليست في الصورة
- ديمقراطية أحزاب السلطة.. نحن أو الفوضى !