بقلم: القاضي إياد محسن ضمد
لكل تشريع غاية وهدف يسعى لتحقيقهما، ولأجل هذه الغايات وتلك الأهداف تمنح الدساتير مجالس النواب صلاحية سن القوانين وتشريعها.
وهدف التشريع قد يكون لحفظ الأمن او لتنظيم اقتصاد البلد او لتحديد رواتب الموظفين والمتقاعدين او لتحقيق اي غاية اخرى بحسب نوع التشريع والمجال الذي جاء لأجل تنظيمه، والسلطة التشريعية ليست حرة في وضع أهداف التشريع بل هي ملزمة بان تحقق الغاية التي قصدها الدستور من التشريع وان لا تسعى لتحقيق مصلحة لشخص او فئة او مكون معين على حساب بقية الافراد والمكونات او الاضرار بهم، فان هي فعلت ذلك تكون قد ارتكبت انحرافا تشريعيا لابتعادها بالتشريع الذي سنته عن الغايات التي أرادها الدستور، خذ مثلا تشريعا يصدر لتنظم الحقوق والحريات فاذا به يفرغ تلك الحقوق والحريات من جوهرها كان يمنع التجمع والتظاهر في أوقات معينة او يفرض اجراءات معقدة لمنح رخصة التظاهر فان هذا القانون هو قانون منحرف عن الغاية التي ارادها الدستور، وخذ مثلا آخر ان يصدر قانون لرواتب او امتيازات فئة من الافراد تحقق لهم الثراء على حساب المال العام فهذا القانون منحرف لانه حقق مصالح شخصية لأفراد على حساب المال العام.. وهكذا بالنسبة لبقية التشريعات المنحرفة عن غاياتها وهنا ينهض دور القضاء الدستوري في التصدي لمثل هذه التشريعات ذات الأهداف المنحرفة والحكم بعدم دستوريتها لأنها مشوبة بما يسمى بعيب الانحراف الغائي او بعيب استغلال السلطة التشريعية، وبهذا الصدد يتفق اغلب الباحثين على ان ما يؤاخذ على بعض قرارات المحاكم الدستورية في اغلب دول العالم حتى وان حكمت بعدم الدستورية فأنها لا تشير صراحة الى عيب انحراف التشريع عن غاياته كسبب من اسباب الحكم بعدم الدستورية وانما تذهب للاستناد الى اسباب اخرى وفي احيان كثيرة يكون التشريع مستكملا لمراحله الشكلية لكنه يصاب بعيب الغاية او الهدف، اذ لا يكفي لكي يكون القانون موافقا للدستور استكماله لمتطلبات الشكلية بل ينبغي ان يكون متوافقا مع المصلحة والغاية التي قصد الدستور تحقيقها من التشريع، وبهذا الصدد فقد قضت المحكمة الاتحادية العراقية العليا بقرارها المرقم ١١/ اتحادية/٢٠١١ بعدم دستورية الفقرة رابعا من المادة ٣ من القانون رقم ٢٦ لسنة ٢٠٠٩ قانون تعديل قانون الانتخابات رقم ١٦ لسنة ٢٠٠٥ لان تحويل صوت الناخب من المرشح الذي انتخبه الى مرشح اخر من قائمة انتخابية اخرى لم تتجه اليه ارادة الناخب يعد تعديا على حقوق المواطن الدستورية واستنادا لذلك فاننا ندعو اي شخص يتجه الى اقامة الدعوى امام المحكمة الاتحادية ان يركز على عيب انحراف التشريع كسبب من اسباب طلب الحكم بعدم الدستورية وكذلك ندعو قضاءنا الدستوري الموقر الى الاشارة الى هذا السبب كأحد اسباب الحكم بعدم الدستورية في حيثيات الأحكام الصادرة منه.
أقرأ ايضاً
- الفراغ التشريعي بشأن قوانين تملك العرب والأجانب للأموال المنقولة في العراق
- أزمة منصب رئيس السلطة التشريعية في بوصلة المرجعية
- النقص التشريعي لمكافحة الفساد في العراق