- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
دولة آية الله السيستاني المدنية
بقلم:عباس الصباغ
قبل الولوج الى علاقة الامام السيستاني (دام ظله) للدولة المدنية في العراق يجب تعريف ماهية هذه الدولة التي كان ولم يزل سماحته ( دام ظله ) الرائد الاول الى اقامتها لكونها لامحيص عنها عراقيا وهي الاكثر ملاءمة للمشهد العراقي الذي يتربع سماحته على قمة الهرم فيه وبيضة القبان وصمام الامان فيه وانطلاقا من هذه المقدمة ولتقريب وجهة نظر السيد (دام ظله) من حتمية انشاء دولة مدنية في العراق والتي هي استحقاق تاريخي عراقي بعد العيش تحت هامش اللادولة طيلة العقود السابقة التي ذاق فيها الشعب العراقي الويلات من تسلط الديكتاتوريات الشمولية وحكومة الحزب الواحد والقائد الاوحد الذي لاشريك له ، تُعرّف الدولة المدنية بحسب الموسوعة الحرة : هي الدولة التي تحافظ وتحمي كل أعضاء المجتمع بغضِّ النظر عن انتماءاتهم القومية أو الدينية أو الفكرية و هناك عدة مبادئ ينبغي توافرها في الدولة المدنية والتي إن نقص احدها فلا تتحقق شروط تلك الدولة أهمها أن تقوم تلك الدولة على السلام والتسامح وقبول الآخر والمساواة في الحقوق والواجبات، بحيث أنها تضمن حقوق جميع المواطنين، ومن أهم مبادئ الدولة المدنية ألا يخضع أي فرد فيها لانتهاك حقوقه من قبل فرد آخر أو طرف آخر. فهناك دوما سلطة عليا هي سلطة الدولة والتي يلجأ إليها الأفراد عندما يتم انتهاك حقوقهم أو تهدد بالانتهاك. فالدولة هي التي تطبق القانون وتمنع الأطراف من أن يطبقوا أشكال العقاب بأنفسهم ومن أهم مبادئ الدولة المدنية أنها لا تتأسس بخلط الدين بالسياسة. كما أنها لاتعادي الدين أو ترفضه. حيث أن ما ترفضه الدولة المدنية هو استخدام الدين لتحقيق أهداف سياسية، فذلك يتنافى مع مبدأ التعدد الذي تقوم عليه الدولة المدنية، كما أن هذا الأمر قد يعد من أهم العوامل التي تحوّل الدين إلى موضوع خلافي وجدلي وإلى تفسيرات قد تبعده عن عالم القداسة وتدخل به إلى عالم المصالح الدنيوية .
والسيد السيستاني (دام ظله) لايبتعد كثيرا عن هذا التوصيف فهو يرى بأن الدولة المدنية هي الحل الوحيد لتأمين حاجات المجتمع العراقي الذي يضم أقليات من الديانات الأخرى كالمسيحية والايزدية والصابئة فضلا عن المذاهب الإسلامية المختلفة، ، والحل يتمثل في الدولة المدنية التي تقوم على صناديق الاقتراع والتمييز بين السلطات الثلاث، واذا لم نركز على إقامة الدولة المدنية في العراق، لا نستطيع أن نوفر الحرية لأصحاب الأديان والمذاهب المختلفة بما فيهم المذهب الشيعي، فالإصرار على الدولة الدينية سيخلق صراعا عنيفا لاينتهي ، ولأجل ذلك يدعو السيد السيستاني (دام ظله) إلى وجوب التركيز على الدولة المدنية . وهذه سابقة لم يدعو إليها مرجع أو عالم من الشيعة بهذا الوضوح فسماحته وبفكره الثاقب وبحكمته استقرأ المشهد العراقي العام وتوصل الى هذه النتيجة التي لم يسبقه اليها احد من مراجع الدين فهو له السبق والريادة والابوية بذلك مخالفا بذلك من دعا الى ارساء دولة دينية او حسب ولاية الفقيه التي تمزج بين الدين والسياسة وهو مايرفضه سماحته رفضا قاطعا
وفي غمار التاسيس الدولتي الاخير والفاشل (2003) والذي جاء على انقاض الديكتاتورية الشمولية التي كانت توصف بدولة الرعب البوليسية او اللادولة والتي ابتلعت عموم المجتمع السياسي والاهلي لعدة عقود عجاف وللاسف فقد سارت القوى السياسية لدولة مابعد التغيير النيساني على ذات النهج في ابتلاع دولة العراق بكافة مرتكزاتها ومقوماتها الحضرية والبشرية وتكالبوا جميعهم على سياسة تفريغ الدولة العراقية من محتواها القيمي لتسير شيئا فشيئا نحو اللادولة مرة اخرى والى المربع الاول فتحولت الدولة الى مغنم لهم دون الشعب بكل حيثياتها ومقوماتها الدولتية والحكومية . وفي هذا النفق المظلم يلوح في الافق ثمة بصيص امل لمصباح واحد انار لنا الطريق المظلم وهو حكمة واعتدال ورجاحة سماحة السيد (دام ظله) ليرسم لنا خارطة طريق نحو بناء دولة مدنية حقيقية في العراق فسماحته مازال يؤيد قيام دولة مدنية ديمقراطية تتمثل في انتخاب الشعب لممثليه لتشكيل البرلمان ، وتشكيل حكومة منتخبة من البرلمان ومراقبة من قبله، وتدوين دستور دائمي ينظم الحقوق والحريات وتشكيل المؤسسات الدستورية والسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية .
ويرى ان المجتمع العراقي بكونه أنّ فيه أطيافاً متعددة ومتنوعة من الأديان والمذاهب والقوميات فإنّه لا يصلح شأن هذا البلد إلّا بإقامة دولةٍ مدنيةٍ يتوافق عليها جميع العراقيين ويتّفقون على إدارة هذا البلد بالشكل الذي يخدم مصالحهم جميعاً ومصالح العراق، وبالتالي فإنّ دعوتها ثابتة على تكوين دولة قوية في العراق تقوم على احترام مؤسساتها ولا تقوم على زعامة الشخص كما كانت في الأنظمة السابقة، وبالتالي يجب على الجميع أن يعملوا على إقامة هذه الدولة وإسنادها وتقويتها كي تكون حِصْناً لهم وتؤدّي المهام الموكلة اليها، ولكن والمؤسف له ان القوى السياسية لم تكن في مستوى طموح السيد (دام ظله ) فمازالت العملية السياسية تتعثر ولم تحقق ادنى تطلعات الشعب العراقي المغلوب على امره ولو ان تلك القوى اطاعت السيد (دام ظله ) في بعض طروحاته السديدة لكان الوضع مختلفا عن الوضع المزري الذي يعيشه الشعب العراقي الان .