بقلم: صالح لفته
منذ انهيار الاتحاد السوفيتي وتربع الولايات المتحدة الامريكية على زعامة العالم بدأت أمريكا تشكيل العالم وفق مصالحها لتضمن التحكم بمقدرات الدول وسيطرتها على منابع الطاقة ، مستخدمة وسائل مختلفة عسكرية واقتصادية هائلة ومؤامرات لكسر كل دولة تشكل خطراً عليها، لاستمرار هيمنتها الامبراطورية لاطول فترة ممكنه وتجاوز أسباب فشل وأخطاء الإمبراطوريات السابقة التي تفككت وانهارت.
من اكبر الاخطار التي تهدد الهيمنة الامريكية في الفترة الاخيرة.العملاق الصيني الذي غزى العالم بمنتجاته واقتصاده النامي بأضطراد المتضاعف بشكل متسارع بسنوات قليلة وتجاوزت امريكا بكثير من الامور منها الإنفاق على البحث العلمي وعدد براءات الاختراع المسجلة ووصلت الفضاء وفي طور إنشاء نظام تحديد مواقع صيني شبيه بالجي بي اس، اذ بات واضحا للجميع ان امريكا ستزاح عن عرش العالم من قبل المارد الصيني الذي يخطو بخطى ثابتة ومتسارعة نحو التربع على عرش العالم اقتصاديا وسياسيا وعسكريا بفترة قليلة حتى تجاوز حجم الاقتصاد الصيني نظيرة الامريكي في 2020 رغم جائحة كورونا وانهيار أسعار النفط والأزمة الاقتصادية العالمية وفرض رسوم على المنتجات الصينية ومعاقبة بعض شركات التكنولوجيا الصينية ومنها هواوي لكسر هذا التقدم مرة بواسطة النفوذ الأمريكي على دول العالم ومرة أخرى بتحيز الدول الاوربية لامريكا ومنع إعطاء عقود تراخيص الجيل الخامس للشركات الصينية الا ان الاقتصاد الصيني نما فوق التوقعات وازاح الاقتصاد الأمريكي من القمة.
الصين التي تمتلك أكبر جيش في العالم عدداً تدرك أن تفوقها الاقتصادي يتعارض مع مصالح الولايات المتحدة ولا يستمر هذا التفوق دون تفوق عسكري ونفوذ جيوسياسي حيث بدأت بتطوير بنيتها العسكرية وازداد انفاقها العسكري لتصبح الثانية بعد الولايات المتحدة وطورت بحريتها ودعمتها بغواصات وسفن حربية حديثة.
و أنشأت البنك الآسيوي للاستثمار كمنافس للبنك الدولي لمساعدة الدول الناشئة، والتوسع اكثر خصوصاً بإفريقيا، والمحاولة لإيجاد موطئ قدم في كل دولة عن طريق منح قروض ميسرة، والاستثمار أكثر بالبنية التحتية للدول وبلغ عدد الدول المشتركة بهذا البنك 102.
وبناء موانئ على طول المحيط الهندي ولديها خطط ببناء قاعدة عسكرية في سلطة عمان اضافة الى قاعدتها البحرية في جيبوتي لحماية طرق تجارتها.
ايضا المبادرة الاكبر للتعاون الدولي (مبادرة الحزام والطريق) الذي يتيح لها شحن بضائعها لأوروبا وآسيا دون المرور بمناطق النفوذ الأمريكي في البحار والمضايق وبذلك تقلل كلف الشحن وتزيد نفوذها واستثماراتها بالدول التي يمر بها طريق الحرير الجديد ويقدر الخبراء أن حجم الاستثمارات الصينية بمبادرة الحزام والطريق ستبلغ حوالي 1.3 تريليون دولار عام 2027 .
أمريكا تنبهت مبكراً للخطر الصيني وتحاول بشتى الطرق كبح جماح الصين وثنيها وعرقلة تقدمها الاقتصادي والعسكري بطرق مختلفة ومنها بدعم الدول التي تربطها مصالح مشتركة مع أمريكا لتكون منافس للصين كالهند واليابان وكوريا الجنوبية.
ففي عهد الرئيس أوباما ضغطت الولايات المتحدة على الدول المحيطة بالصين لاقامة اتفاقية الشراكة الاقتصادية عبر المحيط الهادي لجذب هذه الدول بعيداً عن الصين وكذلك ضمان موضع قدم لها في مياه بحرا الصين الجنوبي والشرقي الغنية بالنفط والغاز ودعم الدول التي تنازع الصين على مياهه وبذلك تحرم الصين من الاكتفاء من مصادر الطاقة وتهديد طرق التجارة البحرية التي تتخذها الصين لتصدير منتجاتها ففي هذه المياه يمر ثلث الشحنات العالمية، او اللعب على ورقة حقوق الإنسان واضطهاد الأقليات في التبت والإيغور وهونج كونج تحت الحكم الشيوعي الصيني من اجل استمرار اقصى ضغط على الصين.
الصراع بين الولايات المتحدة والصين لا يتعدى ثلاثة احتمالات منها بقاء الوضع كما هو علية واستمرار الضغط الامريكي لتعطيل تفوق الصين عسكريا واقتصاديا ويمر بحالات شد وجذب على وفق الاولويات الامريكية، او يتطور لحرب باردة شبيهة بـ الصراع الامريكي السوفيتي لكن أدوات ذلك الصراع تختلف لان الاقتصاد الصيني اقتصاد رأسمالي شبية بالاقتصاد الامريكي فلا يمكن استخدام ورقة الاقتصاد كما ان الصين لا تريد فرض تجربتها في الحكم او الشيوعية على العالم لكن ربما يستخدم الطرفين التكنولوجيا لتوسيع نفوذهما ويزيدان سباق التسلح وينقسم العالم لمعسكرين أحدهما يتبع النظام الصيني والآخر الأمريكي.
أما احتمال الحرب فهو غير وارد في الوقت الراهن او القريب بسبب تكاليفة الكبيرة وعدم رغبة دول كبرى مثل روسيا بالحرب لكنه غير مستبعد.