لوحظ في الفترة الاخيرة ظهور الممنوع واتساع المسموح، وانهيار مؤسسات وتشييد أخرى، مما جعلت المواطن العراقي يكيف نفسه بنفسه، بعد أن دبْ اليأس في توفير السكن للعائلة العراقية التي أجهدتها الإيجارات الضمنية، ما اذا عاشت اكثر من عائلة ذات أفراد كثيرة في بيت واحد لا تتجاوز مساحته الخمسين مترا. مما اضطر اصحاب الاملاك من البيوت القديمة الذين عصفت بهم الحياة ولم يعد يملكوا غير أبنية غالية الثمن، دون أن يعيشوا حدود يومهم مما اضطروا الى إيجاد حل أخر لاستمرارية الحياة.. فمن هذه الحلول هو تهديم القديم وبناء جديد ولكن بتصميم جديد يفقد الكثير من معالم البيت الكبير والاستغناء عن الموجودات الترفيهية الأخرى كالحديقة والكراج والفناء الخلفي للدار.
- بساتين كربلاء قطع سكنية حسب الطلب !
تجولت في عدة مناطق ما بين مدينتي كربلاء وبغداد التي ظهرتا بها انقسامات الدور السكنية وتحويلها الى بيوت عمودية متشابهة تسكن بها ثلاث عوائل.. كان توقفي عند بيوت في كربلاء مقسمة يعلن أصحابها البيع او التأجير وأخرى ارضي زراعية واسعة قد جرفت مزروعاتها لتتحول الى دور بأحجام مختلفة حسب الطلب والتقطيع والسعر فقال أحد الساكنين في احدها الأستاذ خليل الخفاجي خلال حديثه لوكالة نون الخبرية: كربلاء المقدسة توسعت من حيث العمران ولكن بشكل عشوائي، ولولا مهندسي العتبات المقدسة لكانت كربلاء لا ترتقي الى التحضر السكني.. لذلك ارتقت هندسة العتبات الى بناء عمراني موحد في بناء صحراء كربلاء من الجهتين وتحويلها الى بيوت واطئة الكلفة وهذه تحسب لها مستقبلا، فهي من حفزت بلدية كربلاء ان تضع مخططات نظامية لأراضي الزراعية التي تحولت الى أراضي سكنية. خاصة المناطق القريبة من المدينة القديمة كـ(الروضتين والبوبيات).
- معالم العاصمة بغداد تتغير بفعل البناء الحديث !
هذا حال مدينة كربلاء المقدسة الذي لا يفرق عن حال العاصمة العراقية بغداد فعائلة الحاج (أبو علي حامد الشمري) من سكنة الشعب التقيته وهو يفصل داره التي تقدر مساحتها (300) متر مربع الى ثلاث دور متساوية في الحجم وعن الضرورة في تغير معالم بيته الكبير والذي يحتوي على حديقة جميلة جرفت بفعل الحرمان والعوز عن ذلك قال :
ـ أنا لا املك راتب حكومي.. قضيت حياتي كلها بين علوة جميلة وسوق شلال لبيع المخضر وعندي من الاولاد اربعة وجميعهم تزوجوا فبقيت وزوجتي في دار كبير، بمصرف قليل بسبب كبر سني وعدم قدرتي على العمل، في البداية عرضت البيت للبيع ونصحني الأقرباء بإيجاد حل أخر دون ان اخسر البيت كله.. ذهبت الى احد المقاولين وطرحت عليه الفكرة.. فقال لي كم تملك من المال فكان جوابي ولا دينار فرسم خارطة الدار وتم تقسيمه الى ثلاث دور متشابه وبيع الداران على الورق وقبل البناء استلمت عربونات في شراء دارين بهذا اكتفيت ماديا وبقيت وزوجتي في احد هذه الدور الصغيرة التي لا تتجاوز الستين مترا دون ان نحتاج الى احد.. اما صاحب دلالية الحلفي (سعد ابو ياسين) فقال: هذه الموجة في تقسيم الدار الكبيرة الى اعداد متساوية من دور صغيرة الحجم حلت جزءا يسيرا من ازمة السكن الذي يعاني منها المواطن ذي الدخل المحدود ونحن بدورنا نسعى لشراء بيوت قديمة وتحويلها الى دور سكنية متشابهة من اجل كسب المال، أي تجارة بيع وشراء الدور.
ما هي الإجراءات القانونية لهذا البيع والشراء؟
ـ إجراءات أصولية يقوم بها مكتب الدلالية، ويثبتها في دائرة العقار وتعتبر الدور ملك لأصحابها الساكنين بسند عقاري مشترك توزع فيه حصص الساكنين بالتساوي او حسب المبلغ المشترى به المهم الساكن هو صاحب الدار الشرعي امام القانون.
فيما اذا أراد الساكن بيع الدار ماذا يفعل ؟
ــ هنا يجب حضور أصحاب الدور الأخرى لانهم في سند مشترك كما قلت ويتم البيع قانونا عن طريق التنازل.. فيما قال أبو فراس الفرطوسي صاحب دار محولة الى دور سكنية في منطقة الأربعة الأف بحي عدن: بعد احداث 2003 لم اجد عملا يروق لي ابدا وبدا رأس مالي ينتهي إضاقة الى كثرة الطامعين والسراق.. التجأت الى هدم بيتي وحرمت عائلتي من حديقة كبيرة من اجل العمل والاستمرار في الحياة، وأصبحت فيما بعد هذه مهنتي اشتري واهدم ومن ثم ابني ولكن لم ابح في الفترة الأخيرة وإنما قمت بإيجار الدور لقيمة السكن في المستقبل وشاركنا الدوار كما يسمونه (دوار البيوت) حيدر عباس العبيدي في سوق (شلال) حيث قام وسيطا بين المشتري والبائع وحتى من يروم التأجير، يأتي الي فاسهل أمره مقابل مبلغ من المال.
كيف تعلمت هذه المهنة؟
ــ بحكم عملي كصاحب مقهى وسط السوق، وروادها من أصحاب البناء ومكاتب الدلالية، فأعرف جميع ابناء المنطقة وكذلك الدور المشمولة بالبيع وهكذا أصبحت معروفا وسط الناس.. اما المواطنة نورية كريم دباش قالت: انا امرأة وحدانية، أولادي خارج العراق بسبب الطائفية فلم يعد عندي ما أعيش به فقررت ان اقسم بيتي لعدة دور وتأجيرها باجر اعتيادي من اجل المعيشة لا اكثر.
أما هادي الفتلاوي صاحب دلالية الفتلاوي قال: ان ظاهرة تقسيم البيوت ظاهرة ادت الى حل مشكلة السكن نوعا ما بعد ان عجزت الدولة عن توفير السكن.. بدأ المواطن ان يحرك نفسه ويفيد ويستفيد بنفس الوقت مستغلا الفراغ السياسي والرقابة وانعدام القانون في منح اجازات البناء وغيرها من فراغات قانونية في اعداد وثيقة بناء. * وهل هذا صحيح برأيك؟ ــ كلا طبعا فللدولة حقوق وللمواطن واجبات.. فالمواطن عندما يجد الدولة عاجزة يتصرف بملكه الخاص ويجزأه على وثيقة عقارية للدار، كأنه ورث وزع على أخرين.. بطريقة البيع والشراء وهذه ظاهرة اصبحت مألوفة ومعروفة لدى الكل وليس هناك من معارض لذلك.. اما صاحبة المحل (سميعة ام نوري) شاركتنا الحديث وهي جالسة في مكتب دلالية الفتلاوي قالت:
ــ انا لم اقسم بيتي بهذه الطريقة وانما عملت الى استغلال الحديقة فبنيت بمكانها ثلاثة محال تجارية شغلت احدهما بنفسي كعطارة والأخريين أجرتهما عن طريق احد معارفي، كذلك الطابق الثاني من البيت أجرته بعد ان فتحت له درجا خارج جدار البيت ليكون مستقلا كل هذا بسبب الظروف المادية.
اخيرا الكثير الكثير من العوائل المتعففة التي لا تملك من الحياة سوى جدران بيوتهم بعد ان خسروا اعزائهم بطرق الموت المستحدثة في عراقنا.. فاعتمدوا الى هذه الحلول.. ولكنها حلول اسهمت في حل جزء يسير من ازمة السكن فهل ادرك المسؤولون ذلك؟ مجرد سؤال لا اكثر.
تقرير: حيدر عاشور
أقرأ ايضاً
- 400 مليون دولار خسائر الثروة السمكية في العراق
- هل ستفرض نتائج التعداد السكاني واقعا جديدا في "المحاصصة"؟
- "بحر النجف" يحتضر.. قلة الأمطار وغياب الآبار التدفقية يحاصرانه (صور)