- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
السعودية تطلب "الصلح" مع ايران .. وماذا بعد ؟
بقلم: محمود الهاشمي
كنت اراقب موقفا سعوديا من ايران، بعد التداعيات التي تركتها هزيمة (ترامب ) بالانتخابات الاميركية الاخيرة ،وما كان لترامب وانصاره من تعامل مع نتائج الانتخابات والهجوم على مبنى الكونغرس!
الذي دفعني للترقب ان السعودية تختلف عن بقية دول الخليج ،فمثلا ان الامارات او البحرين او قطر لاتحمل سمات دولة يمكن ان يعول على قرارها ،وكذلك بالنسبة للكويت وعمان.
السعودية يمثل موقعها ومساحتها وعدد سكانها ومكانتها الدينية والاقتصادية الرقم الاكبر في المعادلة السياسية في المنطقة بالنسبة لدول الخليج ،لذا فانها وجدت نفسها وحيدة بالساحة بعد ان تسربت الامارات والبحرين وعمان صوب اسرائيل دون ادنى تشاور معها ,حتى ان قمة مجلس التعاون الاخيرة كانت باهتة وليست ذا قيمة تذكر بما في ذلك الموقف القطري الذي تقدم للمصالحة بخطا ثقيلة بعد ان تجاوز حصار (الاصدقاء) بفضل ايران ،التي وفرت له كل ظروف تجاوز الحصار!
السعودية استشعرت انها في خطر داهم بعد ان فقدت قوتها (الدينية) حين انتقلت بزاوية حادة من (التطرف الوهابي) الى مدينة(نيوم) في جدة ،والتحضير الى نوادي القمار والرقص والهرج والمرج وعالم الموبقات, والتدخل في مناهجها الدراسية ,كما وجدت نفسها متورطة في حرب اليمن التي لامفك منها ،وقد قاربت اعوامها الست ،فيما السعودية هي الخاسر الاكبر سواء في مجال التسليح الذي اصبحت الثاني عالميا في شرائه ،او في مجال الاقتصاد الذي اثرت ضربات انصار الله كثيرا على نشاطه ناهيك عن هبوط اسعار النفط وتداعيات وباء كورونا, بالاضافة الى تحملها مسؤولية الارهاب العالمي.
ادركت السعودية ان النفوذ الاميركي في انحسار وان هذه الامبراطورية التي عاشت في (حمايتها) لاكثر من قرن هي الان مشغولة في داخلها ،وبالصراع مع القطب الجديد الذي تقوده الصين وروسيا وايران.
بات من الصعب على السعودية ان تتقبل مشروع (صفقة القرن) لانه ليس فيه ما يرفع من شأنها فهي واخواتها من دول الخليج ليس باكثر من (محفظة) لدفع نصف ثمن المشروع فيما ستتحول اسرائيل الى (الحامي) البديل عن امريكا وهو (حام) غير مضمون الداخل ولا الخارج، وان الشعب السعودي في ثقافته بالضد من اسرائيل وغير منسجم مع مخطط بن سلمان لا بالانفتاح المفرط ولا في القضية الفلسطينية وبيعها بهذا الرخص.
باتت اعداد (معارضي الرأي) تزداد في السجون السعودية وهؤلاء شخصيات لهم عمق ديني وقبلي وليس من السهل التعامل معهم بهذه القسوة كما ان اعدادا كبيرة من اصحاب رؤوس الاموال السعودين ماعادوا يأمنون على اموالهم داخل المملكة خشية الاستيلاء عليها كما فعل ابن سلمان مع كثيرين.
في الجانب الاخر رأت السعودية ان ثبات ايران على مواقفها وعجز امريكا ان تحاصرها او ان تغير (النظام) كما راهن على ذلك (عملاؤها) بل العكس فان ايران اصبحت قوة اقتصادية وسياسية وعسكرية ويكفي انها تقوم (الان) بمنافسة اكبر البوارج العسكرية سواء في الخليج او البحر العربي وصولا الى المحيط الهندي ،ناهيك عن عمقها الاستراتيجي في المنطقة الذي يتمدد يوما بعد اخر.
(الفراغ) الكبير الذي تعيشه السعودية لم تجد له سبيلا سوى التحرك صوب (روسيا) لايجاد مخرج لمصيرها ،فكانت زيارة وزير خارجيتها الى موسكو اشبه ماتكون بالذي يلقي همومه في حجر (خصمه) حيث إستطال وزير الخارجية بالشكوى من ايران وتدخلها بالشأن الداخلي للمملكة والمنطقة ،من جهته فان وزير خارجية روسيا كان متفهما لزيارة الوزير السعودي وقلقه لذا طمأنه بضرورة التحضير ل(الامن الجماعي) للمنطقة وهو امر دعت له ايران من قبل (امن دول المنطقة).
كما طمأنه بان جميع هذه الملفات سوف تتم مناقشتها مع الجانب الايراني والتي من المؤمل ان يزور موسكو في يناير المقبل وزير خارجيتها (ظريف).
وزير خارجية روسيا اثناء لقائه بالوزير السعودي حمل امريكا مسؤولية فوضى المنطقة وذكرانها تركت اثارا يصعب حلها بسهولة وتحتاج تعاون الحميع.
على الرغم من شكوى الوزير السعودي لنظيره الروسي من ايران الا ان الوزير الروسي تفهم مبتغى السعودية بانها تريد ان تطمئن على مصيرها ومستقبلها وانها على استعداد للتفاوض مع ايران شرط الضمانة الروسية!
الايرانيون يدركون الحرج السعودي وبين يديهم ملفات كثيرة بشأن المنطقة وخاصة حجم المؤامرات التي قادتها السعودية على ايران والمنطقة عموماً ،وانها اكثر حماسا من امريكا نفسها في تطبيق العقوبات الاميركية على ايران والسؤال؛-هل تصلح روسيا أن تكون ضامنا مناسبا للتفاوض بين ايران والسعودية؟
قد يكون التفاوض برعاية روسية مفتاحا ،ولكن اذا ما ارادت ايران الانخراط بالتفاوض مع السعودية فانها لاتقبل التفاوض (مجزأً) -كما تسعى له السعودية - بل سوف تطرح جميع الملفات لتتم مناقشتها معا.
ايران ترى ان ترك السعودية وعدم التفاوض معها ،سوف يدفع بها اكثر الى اسرائيل ،لذا فانها سوف تحاول ان تخلق بيئة مناسبة للتفاوض عبر سلسلة من التطمينات ،مستفيدة من تفاوضها مع تركيا وشعور السعودية ان تركيا لم تعد تصلح صديقا (حميما) بعد ان قرأت ان تركيا تحمل مشروع (الامبراطورية العثمانية ) ولا ترى في السعودية سوى ولاية تابعة لها ،كما ان السياسة التركية في عهد اردوغان متذبذبة وغير مطمئنة ،في وقت ان السياسة الايرانية هي الاكثر ثباتا واستقرارا سواء في علاقتها مع اصدقائها او اعدائها.
باختصار فان مساحة التفاوض والمشتركات بين ايران والسعودية كثيرة واهمها البعد الديني .
نعتقد ان السعودية اذا ماقدمت الى التفاوض مع ايران فعليها ان تأتي باقدام سعودية وليست اميركية او اسرائيلية وعندها سيكون للتفاوض معنى , ولا شك فانه سيترك اثاره على المنظقة عموما.