بقلم:حيدر عاشور
كلما أجدد لقائي بالأديب والشاعر رضا الخفاجي يدخل في قلبي بلا اذن ولا استئذان فأحبه أكثر واحترمه بشكل كبير، لا يمكن وصف الشعور والإحساس عند رؤيته، وكان قد طلبني بالاسم ان التقيه وفرحتي كانت لا توصف وهو يهديني كتابين الأول (ما زلت أسعى) صدر عن دار الرقيم في مدينة كربلاء المقدسة والكتاب الثاني (فاتحة الكرنفال) مجموعة شعرية طبعت بمطبعة بغداد سنة 1988 حيث تجاوز توزيعها (4350) نسخة.. كان من الطبيعى، ان اقرأ (ما زلت أسعى) قراءة متفحصة ودقيقة فوجد فيها كل ما يريد ان يقوله عن نفسه أولا وعن الأصدقاء الذين كتبوا عنه منذ نصف قرن من الكتابة والسعي والبناء، فمجايلي الخفاجي عن قراءتهم للكتاب ستعود إلى أذهانهم ذكريات عزيزة، عن هذا الرجل الفذ، مما يطيب لىّ أن أشرك القراء معى فيه. لم أكن من الأشخاص المقربين جدا من رضا الخفاجي، مثلما كان أصدقائه المقربين، ولكنه كان يدعوني من حين لآخر للانضمام إلى لقاءاته المتكررة، وكنت أفرح دائما بهذه الدعوة ولا أتخلف عنها قط، إذ كان مجرد وجودي بقربه كنت اسمع خلالها كثيرا من الأفكار النيرة.
فكتاب ( ما زلت أسعى ) مسيرة نصف قرن في الشعر والمسرح الشعري والدراما، للشاعر المخضرم والاب الروحي لجميع شعراء مدينة كربلاء المقدسة (رضا الخفاجي).. يضم صوراً تذكرنا إذا نسينا، وتحفظ الملامح الجديدة لحقبتنا إذا حاول الزمن في محاولته، أن يطمسه. أعتقد أن هذا الكتاب كُتبْ تحت حسنْ النية وبراءات جمّة، منها براءة اللغة، وهي ذات ميزة احترافية، لا تخلو من عمق المعرفة والخبرة والنضوج الفكري. فالكتاب يضعنا أمام ذات تعّبر عن معاناتها بالصراخ التوثيقي، أو قد تضعك أمام فنّان يمتطي وسيلةً للتعبير عن هواجسه، وحيواته في سبيل التذكير ان نفع. ويقول -مظفر النواب- في احدى قصائده : ان النهر يظل لمجراه أميناً.
فـ(ما زلت أسعى) هو نوع من الاهتمام الخاص، يظل ساري المفعول مع امتداد الزمن، متزايداً بإبداعات الشاعر (رضا الخفاجي). وقد أعتبر بحق شاعر الرمزية الروحانية الحسينية.. ففي قصائدهِ وأعمالهِ المسرحية وجدت الروحانية الرمزية ايناعها الاقصى في التعطش للوصول الى النشوة الروحية. من هنا تتضح معاناة الذات الشاعرة لدى( الخفاجي)، وتطلعها الى الاحساس بالوصول الى القيم الحسينية الخالدة التي تفتح الطريق الى النور العظيم الذي صنعه الامام الحسين(عليه السلام) بدمه الطاهر، والتوغل في ابعاد ثورته الكونية، الالهية. فالخفاجي وقف وجهاً لوجه أمام عظمة المصيبة، وكأنها لاتزال قائمة، فيرى كل ما حوله مخلد دائم؟ يقول في احدى قصائده:
خمسون عاماً من مسيرتنا ... في عالم الايثار والشعرِ
في عالم الاضداد نرصده ... مستيقظون على مدى الدهرِ
نرثي مقاتلنا ونكرمهم ... كي تحتفي الاجيال بالنصرِ
فالإيثار كما يراه يتولد في روح الانسان الشاعر غير عابئ بالزمان والمكان، يصنع مصيره الخاص، يحدوه أمل الديمومة والبقاء، ويحيا بكبرياء وعصامية، لأنه اكتفى بذاته بعد ان خلصها من رواسب الأنا. وبهذا كتاب رسالة واضحة تقول: بقدر ما تطرح نفسك من سواك تحقق وجودك.
فجمع في (ما زلت أسعى) بين الذاتي والموضوعي والشخصي والمعرفي. وقد يكون الكتاب يحكي سيرته الشخصية بالذوات الموضوعية والمعرفية.. شعور بضرورة الانتماء الى الجذور الادبية، بمعنى الاحساس بالفضل لأولئك الذين قدموا وعانوا الكثير لكي يؤسسوا خطوات واثقة ومهمة في تاريخ الابداع الكربلائي الاصيل بوجه الخاص. فقسم أبواب الكتاب الى عشرة اقسام أولها المقدمة التي حكى بها عن حلمه الاوحد في تصدير مجلة متخصصة بالمسرح الحسيني كمشروع عاقره منذ اواسط السبعينات من القرن الماضي باعتقاده ان المسرح الحسيني ليس بمسرح مناسبة بل هو مسرح رسالي ومشروع حضاري نهضوي يعتمد في منظومته الفكرية على الفكر الحسيني. بذلك شكل كادر صحفي ادبي متكون منه كرئيس تحرير والاديب (طالب عباس الظاهر) كمدير تحرير والشاعر والمسرحي( عقيل ابو غريب) محرر وكاتب.
وفي ثانياً تحدث عن الحركة الثقافية في كربلاء برموزها الادبية والصحفية. اما ثالثاً كانت سيرته الذاتية، وكان ينتهب فيها صور من أعماق الماضي، ومن أغوار النعيم الشعري وصياغته، الذي توارثه عن أبيه، كما توارث مهنة صياغة الذهب، ولا تزال روحه الشعرية مشدودة الى تقديم كل جديد في ظل ابوية العتبتين الحسينية والعباسية اللتان فتحن له الطريق الى حلمه بإصدار مجلة (المسرح الحسيني) بكادرها الذي ذكرناه مسبقاً. فيما ذكر في رابعاً، أعماله الشعرية والمسرحية والفكرية المطبوعة كمنجز ابداعي منذ عام 1988 الذي تجاوزت 25 مطبوعاً، و22 مطبوعاً تم طبعهما باللغتين العربية والانكليزية، اضافة الى 6 كتب منها (ما زلت اسعى). في خامساً، ذكر كل الأسماء والصحف والمجلات التي تناولت منجزه الابداعي، ورسائل الماجستير التي أخذت مسرحياته وكتبه كأطروحة فكرية علمية. وسادساً، ذكر 13 عمل مسرحي قدم على مسارح كربلاء وعدد من المحافظات العراقية وبعض الدول العربية . اما سابعاً، تناول 6 مسلسلات اذاعية كتبها بشكل خاص لبعض الاذاعات العراقية وما زال متواصل في عطاه الاذاعي. وثامناً، عد الجوائز والشهادات التقديرية التي منح بها في المهرجانات محلية وعربية ودولية. تاسعاً، جمع المقالات النقدية والانطباعات الفكرية التي كتبها في الصحف والمجلات. عاشراً، دوره في نقل فكره الشعري والمسرحي 12 فضائية عراقية اجرت معه لقاءات منفردة. ويختم (ما زلت اسعى) بصور لمراحل حياتية اضافة الى قصيدة كتبها قبل نصف قرن ونشرت في مجلة الف باء العراقية.
بذلك يريد ان يؤكد (رضا الخفاجي) بعد نصف قرن انه صالح للقراءة . فهو حقاً لون خاص من ألوان الشعر الحسيني ونمط من أنماط التجربة المسرحية الحسينية على الرغم من أنه كان بارزاً منذ عام 1988 بمجموعته الشعرية الاولى (فاتحة الكرنفال).. فهو شاعر انساني، روحاني حسيني بامتياز.. (ما زلت أسعى) مسيرة نصف قرن في الشعر والمسرح الشعري والدراما أخر اصداراته عن دار الرقيم للنشر والابداع في مدينة كربلاء المقدسة.
أقرأ ايضاً
- ندوة نقاشية حول مشروع قانون حماية الملكية الفكرية داخل مجلس النواب في كربلاء
- الأمين العام للعتبة الحسينية يشارك بافتتاح فعاليات موسم الأحزان الفاطمي: المهرجان يجسد مظلومية الزهراء
- اختتام فعاليات مهرجان الثقافة الكردية الأول