بقلم:عباس الصباغ
وانا استقرئ حيثيات التاريخ محاولا البحث عن الاسباب التي ادت وتؤدي الى حدوث الكوارث الشاملة وايجاد تفسير مقنع لها وجدت ان الكثير منها يعود الى عدم انتهاج سبيل الحكمة من قبل الاطراف المتشابكة او الاطراف المتنازعة ، والمتمثلة بسياسة الصبر الاستراتيجي في استيعاب الازمات المحتدمة او المفتوحة بينها ، فهذا المفهوم ليس بالجديد عن الواقع السياسي المكتظ بأسباب التوتر التي تصل بعضها الى درجة تكاد تستحيل فيها الى قنابل موقوتة او الغام مؤجلة ، فالصبر الاستراتيجي بات حقيقة لامناص عنها في مناخ القرن الحادي والعشرين وفي ظل احتدام الازمات الساخنة والتراشقات الكلامية الصاخبة والتي قد تفضي الى درجة المواجهات الميدانية الفعلية تظل سياسة الصبر الاستراتيجي صمام الامان لامتصاص حدة الغضب او التسرع المؤدي الى قدح شرارة صراع لايعرف احد سوى الله ماسيؤول اليه من خراب ودمار شامل، وقد تكون اسباب ذلك تافهة وبسيطة والسيطرة عليها باستخدام آلية الحوار المشترك وتدخّل الاطراف الدولية المعنية باحتواء الازمات الساخنة ، وما الحربان العالميتان المدمرتان الاولى والثانية وسلسلة الحروب التي تحدث بين آونة واخرى مخلفة الكوارث المادية والبشرية لاسيما الحروب بالوكالة بين دول العالم الثالث الا امثلة بسيطة على عدم التأني والتروي وانتهاج سبيل الحكمة المتمثل بالصبر الاستراتيجي وكم خلاف دام بين دولتين او طرفين ادى الى تسونامي دمار اطاح بالمرتكزات الحضرية والبشرية وحولها الى رماد او اثر بعد عين .
ولكن قد تتبدل المصالح والسياسات والامزجة والمناخات وتستحيل تلك العداوات والمنازعات الى صداقات او توافقات وحينئذ تنتبه الاطراف التي كانت متنازعة او متصارعة الى حجم الخراب الذي تركوه في بلدانهم والبلدان الاخرى وقد يتداركون اخطاءهم وخطيئاتهم حيال شعوبهم والانسانية عموما وقد يرجعون الى صوابهم ويدركون انهم لو تمسكوا بسياسة الصبر الاستراتيجي لما وصلت الامور الى هذا الخراب والى هذا الكم الهائل من التوحش ولكن بعد فوات الاوان.
الالتجاء الى الحكمة والصبر هو ليس دعوة طوباوية مثالية تنطلق من ارضية فلسفية مخملية بل هي حاجة انسانية عامة للصبر الاستراتيجي والمقترن دائما بالذكاء التكتيكي المطلوب اقترانا لازما لاينفك احدهما عن الاخر ليؤديا الغرض ذاته ، استراتيجية ادارة الازمات ذات النهايات المفتوحة والحادة يجب ان تقترن بالصبر الاستراتيجي ولامناص عن ذلك حفاظا على الامن والاستقرار الدوليين .
أقرأ ايضاً
- الابعاد الاستراتيجية لتطوير تشريعات الاحوال الشخصية
- لا مكان لـ "حُسْن الظن" في السياسة
- النجف من الترقيع إلى الاستراتيجية!