- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
أَفضل لِطهران أَن تُساعدَ العِراق لِيكونَ قوِيّاً!
بقلم:نـــــــــــــــــزار حيدر
*لقد ظلَّ العراق ساحةً مفتوحةً للصِّراع بين واشنطن وطهران مدة ١٧ عاماً المُنصرمة، فبقيَ ضعيفاً لم يقوَ على الوقوفِ على قدمَيهِ، في محاولةٍ من الطَّرفين توظيفهِ للتغلُّب على الطَّرف الآخر، حتى أَنهكهُ التَّعب!.
فلا أَحدهُما تغلَّب على خصمهِ الآخر في هذا الصِّراع المُستدام، ولا تمكَّن العراق من الإِفلات من هذا الصِّراع ليحمي مصالحهِ وشعبهِ وسيادتهِ.
*كان بإِمكان طهران أَن تستفيدَ من العراق في صراعِها مع واشنطن إِذا كانت قد مكَّنتهُ ليكونَ قويّاً مُقتدِراً خاصَّةً وأَنَّ جُلَّ الكُتل السياسيَّة ورُؤَساء الحكومات تربطهُم معها روابِطَ متينة.
إِلَّا أَنَّها ظلَّت تعتقد بأَنَّ العراق الضَّعيف يخدمها أَكثر في هذا الصِّراع، وبذلكَ خسِرت حليفاً كان بالإِمكانِ أَن يُساعدها بشَكلٍ أَفضل وأَحسن إِذا كان قويّاً! إِلَّا أَنَّهُ ظلَّ ضعيفاً فبقيت هي ضعيفةً كذلك تجودُ بنفسِها على مُختلفِ الأَصعدة.
مُشكلة طهران أَنَّها تجد نفسها من خلالِ تدميرِ حُلفائِها أَو على الأَقل إِضعاف مناطق نفوذها! ولذلك لا تتعامل معهُم بالإِستثمار مثلاً والبناء والإِستقرار وإِنَّما بالسِّلاح وصِناعة الوُكلاء [الميليشيات] لأَنَّها تُريدُ حُلفاءها [مُقاتلين بالنِّيابة] فقط! عندما تُحوِّل مناطق النُّفوذ إِلى [مُعسكرات] أَو ما يشبه [الخنادق] لتحتمي بها! فوظَّفت التَّناقضات السياسيَّة والأَمنيَّة وخلافات الكُتل والمكوِّنات والأَحزاب والزَّعامات بالإِمساك بكلِّ الخيُوط التي حرَّكتها كيفَ تشاء مصالحَها وأَنَّى تشاء!.
*لو كانت طهران قد تبنَّت نظريَّة [العراق القوي حليفاً نافعاً] فكانت ترى العراق القوي قوَّةً لها لكانت قد فعلت ما يلي؛
أ/ تبنِّي كلَّ خرائط الطَّريق التي ظلَّ يرسمها المرجعُ الأَعلى لكلِّ مرحلةٍ من المراحل السياسيَّة التي مرَّت بها البلاد منذُ التَّغيير عام ٢٠٠٣ ولحدِّ الآن.
للأَسف فلقد فعلت طهران العكس تماماً، ولعلَّ في موقفِها من إِنتفاضة تشرين الباسلة التي تبنَّاها وحماها المرجعُ الأَعلى وحرَّضت عليها طهران أَحد الأَدلَّة على ذلك.
كما أَنَّ حمايتها للقضاءِ الفاسد في العراق بالضدِّ من خارطة الطَّريق التي رسمها المرجعُ الأَعلى لتطهيرِ هذا الجهاز المُهم والحسَّاس، دليلٌ آخر على الضديَّة في المواقفِ، والتي تسبَّبت في إِضعاف العراق كسياسةٍ ثابتةٍ تبنَّتها طهران إِزاء العراق!.
ب/ تبنِّي مُحاولات العراقيِّين الرَّامية إِلى إِزاحة الفاسدين والفاشلين عن السُّلطة.
لقد فعلت طهران العكس تماماً، فكلَّما وقفت [العِصابة الحاكِمة] على حافَّة الهاوية بادرت لإِنقاذِها وحمايتِها من غضب الشَّارع! حتَّى إِذا احتاجت توظيف [الفتوى] الدينيَّة.
ج/ دعمهُ لينجحَ في تحقيقِ الإِستقرار السِّياسي والأَمني وفي البناء والإِستثمار والتَّنمية.
لقد فعلت طهران العكس تماماً فالتَّنمية في قاموسِها تقوية نفوذ وكلائِها والدَّولة العميقة على حسابِ الدَّولة ومُؤَسَّساتها!.
*كان بإِمكان طهران أَن [توظِّف] العراق في سياساتِها الإِستراتيجيَّة في المنطقة والعالم لما يتمتع بهِ البلدان من حدودٍ طولها أَكثر من ١٢٠٠ كم وعمقٍ إِستراتيجي وتاريخي على مُختلف المُستويات، ومُشتركات لا حصرَ لها، وكذلك ما يتمتَّعان بهِ من مصالح مُشتركة على كافَّة الأَصعدة، لو أَنَّها ساعدتهُ على أَن يكونَ قويّاً ليتعاملَ بنديَّةٍ مع واشنطن فيستفيد منها في إِطارِ إِتِّفاقيَّة الإِطار ويتعاون معها لإِبعادِ شرِّها عن طهران.
لقد خسِرت طهران العراق كمصدرِ قُوَّةٍ بتبنِّيها نظريَّة [العراقُ الضَّعيف أَكثرُ نفعاً] وخسِرت الرَّأي العام الذي رفعَ ضدَّها شِعارات وأَحرقَ قُنصليَّاتها كتعبيرٍ عن غضبهِ بعدَ أَن كانَ العراقيُّون ينظرُون إِليها شقيقةً كُبرى يُمكنهُم الإِعتماد عليها في الإِنتقالِ ببلادهِم من النِّظام الديكتاتوري إِلى الديمقراطيَّة الدستوريَّة.
*عمرهُم العراقيُّون لم ينتظرُوا من بقيَّة دُول الجِوار مساعدتهُم في إِرساء أُسُس النِّظام الديمقراطي ودعائم الإِستقرار والتَّنمية، لأَنَّ العراق القوي يضرَّهم ولا ينفعهُم، والديمقراطيَّة تُهدِّد شرعيَّة أَنظمتهُم السياسيَّة، ولذلكَ فعلوا المُستحيل لتدميرِ التَّجربة.
إِلَّا أَنَّهم انتظرُوا كلَّ ذلكَ من جارتهِم الشرقيَّة لأَسبابٍ عدَّة، أَقلُّها أَنَّها وهُم ضحايا نظام الطَّاغية الذَّليل صدَّام حسين، فسقوطهُ واستبدال النِّظام الديكتاتوري البائد بنظامٍ ديمقراطيٍّ دستوريٍّ يصبُّ في مصلحةِ البلدَين والشَّعبَين.
ولكن للأَسف فلقد تبيَّن للعراقيِّين بعد ١٧ عاماً بأَنَّ ما كانوا ينتظرونهُ من جارتهِم لم يتحقَّق منهُ شيئاً لأَنَّها تتبنَّى إِستراتيجيَّةً لا تصبُّ في صالح ا
لعراق.
فلا العراقُ صارَ برأسهِ خيراً، ولا طهران استفادت من العراق الضَّعيف لإِحرازِ نصرٍ على واشنطن، ولا الصِّراع إِنتهى!.
٢١ تشرينُ الثَّاني ٢٠٢٠