حجم النص
بقلم: سالم مشكور
جو بايدن ديمقراطي، لكنه من الخط القريب من الجمهوريين المعتدلين. ليس مثل بيرني ساندرز الذي نافسه داخل الحزب الديمقراطي على الترشيح، لكن الأخير انسحب لصالحه، بعد اتفاق موقّع من مئة صفحة يتضمن شروطاً تعهد بايدن بتلبيتها.
الشروط هي خلاصة ما تضمنه برنامج ساندرز الانتخابي، والتي جعلت الجمهوريين يسمونه بـ"الاشتراكي الذي يريد القضاء على الرأسمالية الأميركية"، لكونها ركزت على دعم الفئات الضعيفة وتدخّل الدولة في تأمين الحماية الاجتماعية والصحية للأميركيين.
المواطن الأميركي يهمه توفر فرص العمل، وتأمين حياته وصحته، وهي من الملفات المعقدة والمكلفة في أميركا.
لا يهتم الأميركي للملفات الخارجية الّا ما يتعلق منها بحياته وأمنه، لذلك يكون موضوع سحب القوات الأميركية من مناطق الصراع في العالم حاضراً في البرامج الانتخابية للمرشحين.
في انتخابات 2008 كان انتقاد حرب العراق والتعهد بسحب القوات منه إحدى مواد الدعاية الانتخابية، وعندما نفذ الرئيس الأميركي باراك أوباما الانسحاب عام 2011 لجأت المؤسسة العميقة صاحبة المشروع الى خلق ظروف العودة الثانية للقوات الأميركية الى العراق، فكان إدخال داعش والاستنجاد العراقي بالجانب الأميركي.
لم نسمع في حملة الرئيس الجديد جو بايدن الانتخابية جديداً عن رؤيته للملف العراقي، ومستقبل العلاقة الأميركية العراقية. كل ما تداوله العراقيون هو اقتراح بايدن الذي يعود الى 2006، عندما كان سيناتوراً معارضا، بتعزيز إقامة ثلاثة أقاليم عراقية واسعة الصلاحيات موزعة بين طوائفه الثلاث، مرتبطة بمركز ضعيف في ما أسماه حلّاً للمشكلة الطائفية وحفاظاً على وحدة العراق.
اعتمد بايدن في اقتراحه الذي نشره في مقال بصحيفة نيويورك تايمز مبدأ القياس على ما فعلته أميركا في البوسنة من تقسيم عرقي طائفي كعلاج مؤقت للحرب الأهلية.
آنذاك كان العراق يغرق في حرب طائفية مجهولة الأفق. وخلال ثماني سنوات من عمله نائباً لأوباما، كانت موجة الطائفية في العراق قد انتهت، ولم يتطرق بايدن لاقتراحه أبداً.
الحساسية العراقية الأولى من اقتراح بايدن كانت بسبب حداثة عهدهم بالفدرالية واعتبارها تقسيماً. الهواجس العراقية التي تتجدد اليوم مع فوز بايدن بالرئاسة، سببها تجربة الفدرالية الفاشلة في العراق، والتي ستعني تقسيماً حقيقياً للبلاد، إذ لن يرضى أي إقليم من الاقليمين المقترحين بأقل من الوضع الاستقلالي الواضح للإقليم الكردي الحالي، وبذلك يتقسم العراق الى ثلاثة كيانات.
السؤال هو: هل في أجندة بايدن تنشيط اقتراحه الأول، أو غيّرت تجربة السنوات الماضية من القناعات؟.