- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
هل المرجعية العليا مع أم ضد تواجد القوات الأجنبية في العراق؟
نجاح بيعي ـ الجزء الاول
تواجد القوات الأجنبية على الأراضي العراقية من عدمها, قضية كانت ولا زالت كغيرها من القضايا المصيرية, عرضة للتجاذبات والمناكفات بين جميع الفرقاء السياسيين الى حد المهاترات منذ عام 3003م, حتى تمّ توظيفها من قبلهم وفق معادلة توازن القوى بين الأطراف الداخلية والخارجية من أجل الكسب الحزبي والسياسي والمناطقي والمذهبي على حساب السيادة الوطنية ووحدته أرضا ً وشعبا ً وثروات.
فمن الطبيعي أن نجد في (نظام) يدور خارج فلك منظومة الدستور والقانون, تتحكم به توافقات المصالح والمحاصصات السياسية والأجندات الأجنبية, أن نجد مُريدين لبقاء القوات الأجنبية ولا يرون في ذلك خدشا ً أو مسا ً للسيادة الوطنية, وبالمقابل نجد رافضين لذلك الى حد التخوين والعمالة لمن يقبل بتواجدها, فيكونون فريقين متناظرين ومتنافسين متصارعين الى حد اللبس وتشويه الحقيقة في هذه القضية وغيرها من القضايا التي أصبحت جميعها مصيرية, وهذا مما ينعكس سلبا ً على المواطن لأنه بالتالي سيجد نفسه مصطفا ً الى أحد الفريقين لأسباب عدة, وهو الذي سيدفع ضريبة ذلك التنافر والتناحر والتعطيل الحكومي اللامجدي بأي حال من الأحوال.
وما أثاره مستشار رئيس مجلس الوزراء في مؤتمره الصحفي يوم 1/9/2020م في معرض إجابته على تساؤل أحد الصحفيين فيما يتعلق بالقرار البرلماني المصوت عليه بتاريخ 5/1/2020م والذي يُلزم الحكومة بإنهاء ملف تواجد القوات الأجنبية (الأميركية), خير دليل على ذلك الإنشطار في الموقف واللبس وسوء الفهم فيه, خصوصا ً بعد حشر إسم المرجعية العليا كما في كل مرة من قبل كلا الفريقين المتناظرين بحثا ً عن الشرعية لمواقفهم المُتبناة تجاه قضية تواجد القوات الأجنبية من عدمها مما لا يخفى.
ـ هل المرجعية العليا في النجف الأشرف مع أم ضد تواجد القوات الأجنبية في العراق؟
قبل التعرف على موقف المرجعية العليا تجاه هذه القضية الحساسة و(المصيرية) التي لهج ويلهج بها الكثيرين, علينا أن نثبت نقطة مهمة جدا ً تحل كثيرا ً من اللبس وسوء الفهم:
ـ في تاريخ 18/11/2008م تحديدا ً وما بعده لم نعد نسمع لفظة (إحتلال) في خطاب المرجعية الدينية العليا بجميع أنماطه كما سنعرف لاحقا ً. وذلك بعد إقرار إتفاقية إنسحاب القوات الأجنبية ـ الأميركية من العراق والتي تنتهي مرحلتها الثانية في 31/12/2011م, من قبل مجلس النواب العراقي بعد إحالتها من الحكومة بجلسة أقل ما وصفت بأنها (صاخبة) بين مؤيد ورافض للإتفاقية, التي عُرفت بـ(الإتفاقية الأمنية) بين الجانب العراقي (المُحتل) وسلطة (الإحتلال) الجانب الأميركي. حتى قال ممثل المرجعية العليا السيد (أحمد الصافي) عبر منبر جمعة كربلاء في 9/12/2011م بالنص: (نحن مقبلون على إنسحاب قوات الإحتلال من العراق.. لا حجة لمن يقول بأن هناك ضغط من المحتل في عدم حل المشكلة الفلانية، لذا فعلى المسؤولين ان يتدافعوا فيما بينهم لخدمة الوطن والمواطن وأن يتحسسوا المواطنة)(1).
وهذا يسجل بأن العراق بعد هذا التاريخ لم يعد مُحتلا ً من قبل الجانب الأميركي, وأن تواجد قواته بعد هذا التاريخ يندرج تحت مسميات وعناوين أخرى (مُشرعنة) قانونيا ً كمواثيق بين حكومتيّ دولتين هما العراق والولايات المتحدة الأميركية.
لا يخفى على المتتبع لمواقف المرجعية العليا منذ تغيير الناظم عام 2003م بأنها كانت رافضة (للإحتلال) بشتى صوره بالطرق السلمية. وأعربت عن موقفها مرارا ً وتكرارا ً وأنها بذلت جهودا ً إستثنائية لكي ترجع السيادة الوطنية للشعب العراقي بما يضمن جلاء قوات الإحتلال نهائيا ً. ولكن ترجمة هذا (الرفض) للمحتل ولقواته العسكرية بصيغة عملية هي بالحقيقة (مهمة) السلطتين التشريعية والتنفيذية وجميع القوى السياسية الفاعلة في الساحة العراقية بالدرجة الأولى.
فمع إقرار السلطتين التشريعية والتنفيذية للإتفاقية الأمنية والتي تسمح ببقاء بعض القوات الأجنبية ـ الأميركية في العراق, والتي اعتبرتها بعض القوى السياسية العراقية بأنها (إحتلال) ولكن بعنوان آخر حتى زاد اللغط بما يُنذر بالخطر والصدام المسلح, دفعت المرجعية العليا لأن تثبت (موقفها) تجاه هذه القضية المصيرية من منطلق (النصح والإرشاد) وليس من منطلق التبني العملي للرفض, لأنها مسؤولية تقع على مجلس النواب بالدرجة الأساس وعلى الحكومة والقوى السياسية المُمثلة للشعب أجمع.
ـ ففي تاريخ 18/11/2008م كان قد وُجه سؤال الى مكتب سماحة السيد السيستاني (دام ظله) يسأل عن مدى صحة ما زعمته بعض وسائل الإعلام بـ(أن سماحته قد أبلغهم موافقته على الإتفاقية الأمنية ولكن بعد التعديلات الأخيرة يرجى التوضيح) ولا يخفى أن السؤال يُوحي بموافقة سماحته على بقاء القوات الأجنبية والتي يعتبرها البعص (إحتلال) من نوع آخر فكان الجواب:
ـ(إن ما أبلغ به سماحة السيد (دام ظله) مختلف القيادات السياسية..هو ضرورة أن يبنى أيّ اتفاق يستهدف إنهاء الوجود الأجنبي في العراق وإخراج البلد من تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة على أساس أمرين:
أولاً: رعاية المصالح العليا للشعب العراقي في حاضره ومستقبله، وتتمثل بالدرجة الأساس في استعادة سيادته الكاملة وتحقيق أمنه واستقراره.
وثانياً: حصول التوافق الوطني عليه، بأن ينال تأييد مختلف مكوّنات الشعب العراقي وقواه السياسية الرئيسة.
وقد أكد سماحته على أن أي اتفاق لا يلبّي هذين الأمرين وينتقص من سيادة العراق سياسياً أو أمنياً أو اقتصادياً، أو أنه لا يحظى بالتوافق الوطني فهو مما لا يمكن القبول به، وسيكون سبباً في مزيد معاناة العراقيين والفرقة والاختلاف بينهم.
وشدد سماحته أيضاً على أن ممثلي الشعب العراقي في مجلس النواب يتحملون مسؤولية كبرى في هذا المجال، وعلى كل واحد منهم أن يكون في مستوى هذه المسؤولية التاريخية أمام الله تعالى وأمام الشعب فيتصدى لإبداء رأيه في هذا الموضوع المهم واضحاً جلياً ووفق ما يمليه عليه دينه وضميره بعيداً عن أي اعتبار آخر، والله الموفق)(2).
وبهذا يكون السيد المرجع الأعلى قد ألقى الحجة على الجميع وأبان موقفه بوضوح بأنه لا يمكن القبول بأي شكل من الأشكال بوجود (المُحتل) أو بوجود (قوات أجنبية) على الأراضي العراقية ما لم يُلبي (أمرين) لا (ثالث) لهما هما من إختصاص وعمل السلطتين التشريعية والتنفيذية وجميع القوى السايسية الفاعلة.
الأول (رعاية المصالح العليا للشعب العراقي وتتمثل بالدرجة الأساس في استعادة سيادته الكاملة وتحقيق أمنه واستقراره) والثاني هو(حصول التوافق الوطني عليه) بنيله تأييد مكونات الشعب المختلفة وقواه السياسية الرئيسية. بل وبخلافه (سيكون سبباً في مزيد معاناة العراقيين والفرقة والاختلاف بينهم) وهذا ما حصل ويحصل للآن وللأسف.
والنقطة الفارقة في طرح المرجعية العليا هنا هو دعوتها لممثلي الشعب داخل (قبة) البرلمان لأن يكونوا في مستوى المسؤولية التاريخية أمام (الله) تعالى أولا ً وأمام (الشعب) ثانيا ً فيتصدى لإبداء رأيه في القضية وفق ما يُمليه دينه وضميره بعيدا ً عن أي اعتبار آخر كأن يكون حزبه أو مكونه أو طائفته أو أجندته الخارجية, كونهم ممثلين عن الشعب في مجلس النواب ويتحملون المسؤولية الكبرى في هذا المجال.
الى هنا يكون خطاب المرجعية العليا قد غادر مصطلح (الإحتلال) كما غادرته أدبيات الخطاب السياسي والإعلامي لمختلف الفرقاء السياسيين من التداول خصوصا ً ما بعد عام 2011م. على فرض وجود إتفاقية أمنية مع الجانب الأميركي تقضي بجلاء القوات العسكرية وتنظم بقانون ما بقي منها ويتحمل مسؤوليتها السلطتين التشريعية والتنفيذية اللتان أقرتاهما, وعلى فرض أنه أخذوا بخارطة طريق المرجعية العليا كما ورد في وثيقة رقم (103) آنفة الذكر.
فعودة تداول مصطلح (إحتلال) من قبل بعض الفرقاء السياسيين في الآونة الأخيرة, وإطلاقها على قوات التحالف الدولي لمحاربة داعش بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية, التي استدعتها الحكومة العراقية بشكل رسمي لمساعدتها في قتال داعش بعد غزوه ثلث أراضي العراق في 10/6/2014م إنطلاقا ًمن الإتفاقية الأمنية التي أقرها البرلمان العراقي عام 2008م (وبطبيعة الحال وكما عهدنا الأمر يقابل هذا الفريق السياسي فريق سياسي آخر ينقضه ويعتبره ليس احتلال) خصوصا ً بعد إعلان النصر على (داعش) في نهاية عام 2017م, عودة تداول هذا المصطلح لا يخرج إلا من مُغرر به وجاهل بحقيقة الأمر أو من مُغرض بحقيقة الأمر وله أهداف سياسية أخرى أو من كليهما.
وبما أن الذي يُعنينا هنا هو موقف المرجعية العليا من هذا (المُستجد) الذي لا يخرج من (أطار) و(روح) موقفها السابق في عام 2008م, ولكي نتعرف على موقفها الجديد حول قضية (إخراج القوات الأجنبية) من العراق بعد ما اكتسب تواجدها الصفة الشرعية والقانونية, علينا أن نراجع ما أدلت به المرجعية العليا في بيانها المرقم (15) في 31/1/2020م والمتضمن قراءة عُقلائية وطنية لمجمل الأحداث في العراق خصوصا ً ما بعد انطلاق الحركة الإجتجاجية والتظاهرات وما رافقها من مآسي يندى لها الجبين في 1 تشرين أول 2019م وما بعدها.
ـ
ـ يتبع ج2
ـــــــــــــــ
ـ الهوامش:
ـ(1) خطبة جمعة كربلاء في 9 كانون الأول 2011م:
https://www.alkafeel.net/inspiredfriday/index.php?id=33
ـ(2) وثيقة رقم (103) من النصوص الصادرة عن سماحة السيد السيستاني دام ظله في المسألة العراقية إعداد (حامد الخفاف):
https://www.sistani.org/arabic/statement/1507/
أقرأ ايضاً
- وقفه مع التعداد السكاني
- وقفة مع مذكرات الجواهري
- كيف السبيل لانقاذ البلد من خلال توجيهات المرجعية الرشيدة ؟