سيف اكثم المظفر
(الشگ جبير والرگعة زغيرة) هكذا اعتاد العراقيون أن يصفوا حالهم، وبطريقة تضع النقاط على الحروف، لتوضيح ان المشاكل كبيرة ومعقدة، والحلو ترقيعية لاتتعدى ان تكون طلاء ظاهريا لبواطن تملئها العفونة والفساد.
تغير نظام الدولة العراقية، مع بقاء منظومة الشعب دون تغيير، فالفساد والمحسوبية والعشائرية والطائفية التي غذاها وعمقها النظام الصدامي العفلقي، نتج منه منظومة مجتمعية لا تقل فساد ورشوة وتشويه لكل خصلة طيبة في المجتمع بشعارات قومية طائفية، نابعة من طاغية بغاية مستبدة، للسيطرة على البلاد بأي وسيلة تحفظ دكتاتوريته.
خمسة وثلاثون عاماً، رسخ كل سلبية وفعل سيء، حتى ساخت الأرض بظلم العباد للعباد، حتى نهاية حقبته المظلمة، لتشرق شمس الحرية، بلون داكن، لا يختلف كثيراً، احتلال وأحزاب مستجده، وعملاء وخونة، وسراق وفاسدين، وما كان غصن يخاف التقليم، أصبح شجرة متفرعنه ومتوغلة بالفساد والإجرام والقتل والتفجير، استغلها المتسلقون، وغنمها الفاسدون، كروش وقروش وبقى الفقير، يسير بين تلك الألغام، ينتظر التغيير والبناء والإصلاح.
صراع الغنائم، فرق الأيدي، واستثمره المنتفعين "هذا الك وهذا إلي" "اطمطملك وطمطملي" قاد العراق في وحل الفساد حتى الاعناق، وبات الموت يقترب من الجميع، والمنظومة السياسية شارفت على الشيخوخة والموت السريري، واعترف الجميع بعدما ألقى السحرة بعصيهم، و لم يكن موسى بينهم¿ فأنفسهم كانوا يخدعون.
بتلك الحالة، جاءت حكومة الساعة الأخيرة، حكومة الشوط الأخير، حكومة حافة الهاوية، عبر بما شئت، فلا شيء سيأتي، ولن يبقى بعدها شيء، النهاية.. أما ان تثبت التغيير او تغير كل ثابت، هكذا ولدت حكومة الكاظمي دون غطاء شعبي ولا غطاء شرعي، بل كانت بغطاء حزبي يائس، وبائس ايقن تقلص الخيارات، وضياع الفرص.
ذاك الثوب المرقع، والمتشقق والمفتت من كثرت ترقيعه على مدى سبعة عشر عام، بات نظام يشبه الخرقة ارهقتها شمس حارقة، مترهل الأطراف، فلم يبقى سوى تلك الرقعة الأخيرة، التي قد تكون ثوب جديد، او تصبح الرقعة الأخيرة، ليأتي إعلان تحالف جديد داخل البرلمان العراقي، يضم من يريد إسناد حكومة الكاظمي، وهذه الخطوة منطقية جداً، فلا حكومة قوية بلا سند نيابي، وهنا انبثق تحالف عراقيون، الذي أعلن بوضوح دعمه الكامل للدولة، وتشريع قوانين تؤازر عمل الحكومة، وبهذا الإعلان؛ قسم مجلس النواب الى معارضة وموالاة، وهو أمر أساسي لبناء أي حكومة، بسند نيابي مؤيد وآخر معارض، ليصنع ورقة ضغط تصحيحية، لتقويم عمل الحكومات.
عراقيون أول تحالف منذ 2003 الى 2020 يتبنى الحكومة بشكل علني، ويتحمل اخفاقاتها ويتباها بنجاحاتها.. فمن يرى بأن الحكومة جيدة عليه ان يدعم جسدها النيابي، فإن رأس الحكومة لا يعني شيء بلا جسد نيابي، اما التناقض الحاصل هو حالة مرضية.. ليس من المعقول انك تدعم الحكومة رأسا، وتسقطها جسدا، وكلاهما واحد متكامل.. في النهاية، يجب بناء نظام حقيقي مبني على معارضة وموالاة، وإلا نبقى بدوامة الفوضى والفساد، التي استنزفت ثروات البلاد على مدى 17 عشر عام، مع تدهور أمني انتهى بسقوط ثلث البلاد بيد عصابات الإرهابية.. فانتصر لها ابناء الوسط والجنوب.
بعد فتوى الجهاد الكفائي، التي انطلقت من منبر الجمعة، لممثل المرجعية الدينية العليا، في كربلاء المقدسة، حتى إعلان النصر بعد ثلاث سنوات من الدماء الزكية والأرواح الابية، كانت ثمن لتلك الفوضى والفساد وسوء إدارة النظام الدولة تشريعيا وتنفيذيا وقضائيا، أما إذا استمر النظام بهذا المسار، سننتظر مشاكل تنتج انهيار من نوع آخر، قد تكون اقتصادية او أمنية او تقسيم.. نجاح حكومة الكاظمي، مع فصل قوى السياسية لموالاة ومعارضة، يؤدي إلى تصحيح كبير في النظام السياسي، قد ينتج حكومات اكثر استقرار وانتاجية.