علي لفتة سعيد
لم يكن شهر حزيران شهرا عابرا في الذاكرة العراقية والعربية.. فإن فيه الكثير من الأحداث التي لم تزل تشكّل فارقةً تاريخيةً كبرى، ومنها وأهمها وأكثرها قسوة هي نكسة حزيران.. لتليها بالنسبة لنا كعراقيين، ما يمكن أن اصطلح عليه
(خيانة حزيران ) من عام 2014، لكونها حصلت في غفلةٍ غير متوقعةٍ من العراقيين، أو في الأقل غير متوقعة من ناحية السرعة والانهيار والتلاعب وجهات العمل والتنوع في الدعم، لكي يكون العراق في محطة حزيرانية تشبه تلك التي حصلت في فلسطين.
وهو مخطّط كبيرٌ لا يمكن فض شباك تهمه لهذه الجهة أو تلك، لأن الجميع هم أصلا عبارة عن دمى تتحرّك وفق من يقود العالم والمصالح والمنطقة من دون استثناء أحد.
إن ما حصل وجعل مجموعة من شذاذ الآفاق، تصل بسرعة عجلة تبلغ 250 كم في الساعة من سوريا الى الموصل وتحتلها ليلا، في حين كان مسؤولو وقادة الأجهزة الأمنية في مدينة الموصل قبل ليلةٍ يعلنون استعدادها لطرد الدخلاء، الذين تبيّن بعد ذلك من هم، ( ليس الان وقت الحديث عن هذه الجزئية لكونها متروكة للتاريخ لكشفها كحقيقة وليست مجرّد تحليل)، ثم تصل سرعة السيارة الى 200كم في الساعة، لتصل الى محافظة صلاح الدين، لتحصل فيها مجزرة سبايكر، ومن ثم بسرعة 150كم، لتصل الى الانبار، وبسرعة لا تزيد على 100 كم وصلت الى أطراف بغداد، بعد أن وصلت الى خاصرة العراق في جرف الصخر التي تمسك بغداد من جهة، وكربلاء من جهة أخرى، كطريقٍ ستراتيجي مهم. إن تسارع الأحداث الذي غلب سرعة سيارات البيك آب الداعشية، وسرعة سبطانات أسلحة الإرهابيين القادمين من كلّ بقاع الأرض، كانت بحاجةٍ الى ردّة فعل، ليست بطريقة تقابلها بالقوّة وتعاكسها بالاتجاه، بل تزيد عليها قوّةً وترافقها في كلّ اتجاه، لكي تقضي عليها، ولا سيما أن الناس أصبحت في حيرةٍ من أمرها إزاء هذه الجائحة الإرهابية الحزيرانية الرهيبة التي أطاحت بالهدوء، لا سيما أن العراق في حينها كان يمرّ بعذابٍ سياسي وصراعٍ طائفي كبيرٍ، وتنافسٍ غير شريفٍ في السياسة والحكم، وتصارع دول العالم واستغلالها لأي خلاف عراقي عراقي، ليتحوّل الى خلاف عراقي عربي وعراقي أعجمي وديني مذهبي.. فكان هذا الفعل الجبار الذي أعاد الأوكسجين الى قصبات ورئات العراقيين، أو كان الفعل الذي لم يكن ردّة فعل فحسب، بل كان قرارًا كبيرًا تفوّق على القرار الحكومي والسياسي، الذي قال عنه العراقيون في حينها إن الطبقة السياسية حزمت حقائبها وهربت كلّ الى جنسيته الثانية أو بلد اللجوء الجديد، وأقصد به فعل فتوى الجهاد الكفائي الذي كان مفاجئًا ايضا ليس للعالم فحسب، بل للعراقيين ايضا، فهم كانوا طوال أيام داخل فوضى وارتباك وكراهية لما يجري حولهم، لتأتي هذه الفتوى من المرجع الديني الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني، لتكون هي المسار الذي أعاد الأشياء الى طبيعتها النفسية والاجتماعية.. ولهذا يمكن استخلاص هذه الفتوى على أنها تحمل الكثير من المعاني التي لا نريدها أن تكون اعتبارًا عقائديا، بقدر ما هي تحليلٌ لوقائع عراقية حصلت على أرض الواقع، سواء اتّفقنا أو اختلفنا، فنحن أمام قرارٍ ديني بلباس عقائدي وخيط وطني واتجاه سياسي.. ومن هذه
الاعتبارات:
1 - إن الفتوى كانت نقطة الارتكاز التي حوّلت العقل العراقي من عقلٍ خائرٍ محتارٍ، الى عقلٍ وثّاب قابل للتضحية بالحياة.
2 - إن الفتوى حوّلت الكراهية للسياسة والسياسيين وصراعاتهم، الى منطقة الدفاع الكبرى وإزاحة ما حصل طوال 11 عاما في حينها، والانتباه الى خطورة الموقف والواقع والنتائج التي أريد لها أن تتحقّق من وراء دخول عصابات داعش الى الأرض العراقية.
3 - إن الفتوى نبّهت القوى العالمية الى أن العراقيين ليس بينهم خلافٌ ديني أو مذهبي أو عقائدي، بل هم في وحدةٍ وطنية، لأن الفتوى شملت كل العراقيين، ممن هم قادرون على حمل السلاح للدفاع عن العراق.
4 - إن الفتوى نبّهت الداخل العراقي من سلطةٍ سياسيةٍ الى أن الأخطاء التي ارتكبت أدت الى هذه النتائج الكارثية.
5 - إن الفتوى هي التي جعلت الهمة تتسابق لتغير مخططات الارهابيين، فكان التراجع السريع الى مناطق دخولهم الاولى، ومن ثم ملاحقتهم في تلك الاماكن والقضاء عليهم .
6 - إن الفتوى أطاحت بمخططات امريكية وغير أمريكية لتفتيت العراق وتحويله الى دويلات، ومنها مخطط أو مشروع بايدن.
7 - إن الفتوى أظهرت أن العراقيين كرماء ومضّحين، لذا كانت المساعدات والدعم اللوجستي لا تبدأ من التجار فحسب، بل حتى من الأسر الفقيرة التي شاركت بما لديها لإرسال ما يتم التبرع به الى المقاتلين، وهو ما يعني فشل قتل الروح العراقية.
8 - إن الفتوى بيّنت من هو الخائن من السياسيين، ومن ارتبط بالخارج، ومن كان هو ضحية هذه الصراعات الخيانية.
9 - ان الفتوى أعادت الروح الى الجيش العراقي الذي تمّ خذلانه من قبل جهاتٍ عديدة، لا تريده أن يكون هو القوّة العليا من جهة، وتريد من بعد اسقاطه وهزيمته أن تتمكّن من احتلال العراق.
10 - إن الفتوى هي التي فضحت المسكوت عنه في السياسة العراقية والخارجية، وان ما كان يجري في العراق من تفجيرات وعمليات قتل واختطاف، كانت تهدف الى الوصول الى هذه الحالة، من أجل البدء بتنفيذ مخططات تبدأ بقتل الروح الحماسية للفرد العراقي والجيش العراقي، خاصة وهو يقاتل في كل القضايا العربية، ولا تنتهي بمخطّط الانتهاء من القوة العراقية في مواجهة اسرائيل.
11 - إن الفتوى كانت المفتاح الأكبر لتبيان الواقع الاجتماعي وتداخله ومعرفته والاغتراف منه، لكونه الذراع الذي يلف الجسد العراقي.
12 - إن الفتوى فضحت السياسة العراقية، بدلا من أن تكون وطنية جامعة للعراق، كانت سببا من اسباب ما حصل للعراق نتيجة للفساد والتهافت والصراع على السلطة والبحث عن مغانم التغيير، من خلال استغلال حاجة العراقيين الى فسحة الحرية بعد عقود من العيش في زمن وصفوه بالطغيان.