- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
وطني العراق في الذكرى السادسة لفتوى الدفاع المُقدسة!
بقلم: نجاح بيعي.
ـ(من يوالي غير وطنه لادين له)..
كانوا قد أقاموا الدنيا ولم يقعدوها عندما قال أحد أبطال قادة معارك النصر ضد (داعـ.ـش) في معرض الجدل القائم حول ولاء معظم القوى السياسية العراقية لغير بلدهم العراق العبارة التالية: (إن الدين هو الوطن ولاقيمة لركوع وسجود ومسبحة ومحراب صلاة وأنت توالي غير العراق.. من يوالي غير وطنه لادين له). حتى وقعوا بـ(الدين) وفي (الدين) وقعوا لعدم معرفتهم معنى (الدين) أصلا ًومصاديق تلك العبارة, لأنهم (لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجأوا الى ركن وثيق) فكانوا للأسف (همج رعاع) فأخرجوا صاحب المقولة من الدين والملة, واتبعوا صوت كل ناعق في ذلك وقوّلوه ما لم يقل, وحكموا عليه بالـ(كفر)لأنه كفّر باعتقداهم كل مَن لا يُؤمن بـ(الوطن وحدوده السايكسبيوكوية المصطنعة) ومالوا مع الريح الهوجاء وكفّروه لأنه (وضع الوطن وحدوده السايكسبيوكوية المصطنعة محل الوطن الأكبر ـ وطن الإسلام والعقيدة) وطن اللاوطن واللاحدود, ورفعوا شعارهم بالمقابل (لا نوالي إلا الإسلام ـ لا دين لمن لا عقيدة له) جهلا ً وغلوّا ً ومُغالاة عند الأغلبية, أولـ(حاجة في نفس يعقوب قضاها) عند الخاصة المخصوصة.
أنا لست هنا بموقع الدفاع عن هذا القائد (الغيور) الذي أثبت للقاصي والداني بأنه إبن للسيد (السيستاني) البار, وإبن لـ(فتوى الدفاع المُقدسة) المُلبّي لها, وإبن لحوزة النجف الأشرف العلمية وأحد فضلائها, وأنه على يقين وبصيرة من أمره ويعي ويعلم ويدرك ما يقول جيدا ً. كما لست أيضا ًبموقع بيان خطل المعترضين (جهلا ً) وأن (الدين) هنا بمعنى الطاعة والإذعان والتسليم وأن (من يُوالي غير وطنه لادين له) هو نظير قول الإمام الصادق (ع): (لا دين لمن لا عهد له). وقول الإمام الباقر(ع): (لا دين لمن لا يدين الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر). وقول الإمام الكاظم (ع): (لا دين لمن لا مروة له)(1). ولكم في رسول لله وأهل بيته (عليهم السلام)أسوة حسنة. كما لست بموقع ردّ (المُغرض) الذي رفع شعار (لا دين لمن لا عقيدة له) وليذهب (الوطن) بحدوده الى الجحيم, لأنه حالما انكشفت عورته, وبان كذبه, وولى القهقرى..
ـ في الذكرى السادسة للفتوى..
ـ ولكن أين أجد مضمون مقولة (من يوالي غير وطنه لادين له) في نص فتوى الدفاع المُقدسة؟!.
ـ هل كانت الفتوى دفاعا ً عن الوطن العراق (الأرض ـ البلد ذو الحدود المصطنعة)؟!. أم عن الوطن (الأكبر) الذي لا يعرف الحدود أو يعترف بها وهو (الإسلام) و(وطن المسلم عقيدته)؟.
في ذكراها السادسة.. لو تنزلنا وتواضعنا وطالعنا بإمعان نص (فتوى الدفاع المُقدسة) بأنفسنا هذه المرة, ونقرأها بألسنتنا لا بلسان وألسنة آخرين, ونطالعها بأعيننا لا بعين وعيون آخرين, ونعقلها بعقولنا نحن لا بعقل وعقول وأفكار وآيدولوجيات آخرين, ونتتبع الـ(وطن) في نص الفتوى التي خطتها يد السيد المرجع الأعلى, لوجدنا وقد ذكره وذكر مصاديقه ومرادفاته أكثر من (20) عشرين مرة. ممّا يوحي بأن الفتوى كانت للوطن العراق ولخلاصه من براثن عدو ظلامي تكفيريّ إرهابيّ إجراميّ هو (داعـ.ـش) بحدوده (الدولية) المعروفة, بجميع مكونات شعبه على اختلاف مشاربهم وليس لشيء آخر قد يتوهم البعض به. حتى أعلن حينها ممثل المرجعية العليا في (أوربا) السيد (مرتضي الکشميري) موضحا ًالحدود الزمانية ـ المكانية للفتوى بقوله (الوجوب الكفائي في الدفاع عن الوطن.. وإنه خاطب فقط أبناء الشعب العراقي القاطنين في البلد وليس المسلمين الشيعة أو العراقيين في خارج البلاد).
ولخلصنا الى أن الفتوى المباركة إنما كانت للعراق وفي العراق وبالعراق. بحيث نرى توزع عبارات (الوطن) ومرادفاتها بين ثنايا نص الفتوى كـ(إنّ طبيعة المخاطر المحدقة بالعراق وشعبه في الوقت الحاضر تقتضي الدفاع عن هذا "الوطن" وأهله وأعراض مواطنيه). و(فإنّ المسؤولية في الوقت الحاضر هي حفظ "بلدنا" العراق ومقدساته). و(..مسؤولية تاريخية ووطنية وشرعية..) وعبارة (وطنية وشرعية ) تلك تكررت (4) أربع مرات في النص. مرة مع توجيه خطاب الفتوى للشعب العراقي: (أنّ الشعب العراقي الذي عُرِفَ عنه الشجاعة والإقدام وتحمّل "المسؤولية الوطنية والشرعية" في الظروف الصعبة..). ومرتان مع ذكر القيادات السياسية: (إنّ القيادات السياسية في العراق أمام "مسؤولية وطنية وشرعية" كبيرة..). ومرة مع خطابه لإبطال القوات المُسلحة:(فيا أبناءنا في القوات المسلحة أنتم أمام"مسؤولية تاريخية ووطنية وشرعية"..).
حتى نقع على جملة: (وإنّ من يضحّي منكم في سبيل الدفاع عن ـ بلده وأهله وأعراضهم ـ فإنّه يكون شهيدا ًإن شاء الله تعالى)(2). حيث أفتى السيد المرجع الأعلى هنا بأن الذي يُقتل دون حدود بلده (العراق) وأهله وأعراضه, والحكم يشمل أبناء المذاهب والأديان والقوميات والمكونات الأخرى من العراقيين(وليس الدين والمذهب والعقيدة والطائفة) فإنه (شهيد). والى هنا نرى الفتوى المُقدسة قد انتصرت لمقولة (من يوالي غير وطنه لادين له) بلا أدنى شك.
ـ وطن الفتوى؟.
ـ ولكن السؤال هنا: هل ألغى السيد المرجع الأعلى (الوطن الأكبر) الإسلام, وأسقط معه شعار (وطن المسلم عقيدته) واستبدله بـ(الوطن) الأصغر ذو الحدود السايكسبيوكوية المصطنعة؟!. ويكون من يُقتل دونه فهو (شهيد)؟. هل يُعقل ذلك؟.
ـ نعم.. ويُعقل ذلك إذا عقلنا أمرا ً ما..
لا يخفى على الجميع بأن السيد المرجع الأعلى قد ساق في النقطة رقم (2) من الفتوى (5) خمسة آيات مباركات ربما لا تجدها عند أغلب مَن نسخ الفتوى ونشرها على موقعه. في معرض استنفاره لهمم وطاقات الشعب العراقي الجبارة, وتذكيره بعطائه وتضحياته الجمّة, ليكون حافزا ً له في سبيل حفظ وحدة وكرامة بلده العراق وصيانة مقدساته من أي ينتهك من قبل المعتدين الدواعـ.ـش, وكانت الآية: (قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين)(3) من ضمنها.
هذا الآية العجيبة كانت البوتقة التي صهرت كلا المفهومين للوطن حتى أصبح العراق بها بوابة (الأرض) نحو العالم الأوسع, والوطن الذي يتم الإنطلاق منه نحو الوطن الأكبر. فتخليص العراق من إعتداء (الدواعـ.ـش) تخليص للعالم أجمع منه. وتطهير العراق من رجسهم الظلامي تطهير لكل الأرض. وأن مبادئ وشروط الإنتصار (الثلاثة) التي اشتملت عليه الآية وتمثلت بـ(في العقيدة وهي ـ الإستعانة بالله ـ وفي الأخلاق وهي ـ الصبر والثبات وأن الأرض كلها ملك الله ـ والأخيرة في العمل ـ التقوى) ليست (شرائط إنتصار خاصة ببني إسرائيل وحدهم على العدو، بل لكل شعب أراد الغلبة على أعدائه)(4). فكانت الغلبة وكُتب النصر. وهذا أحد أسرار الفتوى المقدسة حيث بشّرت بالنصر منذ الدقائق الولى لإنطلاق الفتوى.
هذا وقد ورد عن الإمام الصادق (ع) في الآية: (إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده) أنه قال: (فما كان لله فهو لرسوله ومكان لرسول الله فهو للإمام بعد رسول الله ـ ص واله)(5). ولكم أن تعرفوا ما للإمام (عج) لمن يكون بعده؟. إن لم يكن لنائبه المرجع الديني الجامع للشروط والمتثملة اليوم بسماحة السيد (السيستاني).
ـ الخطيب المتبصر:
هذه القضية عادت بذاكرتي الى الوراء قليلا ً الى حيث كلام أحد خطباءنا المُتبصرين وهو يُلقي خطبته في أحد بيوتاتنا التي إذن الله تعالى أن ترفع وتكون مجلسا ً حُسينيا ً (إن شاء الله) في إحدى أيام عاشوراء, عشية تحرير مدينة الموصل من دنس (الـ.ـدواعـ.ـش) فقال الخطيب بطريقته الشعبية العراقية المعهودة:
ـ گلناله سيدنا: گتلوا أبنائنا وإخوتنا وآبائنا ترويعا ًوتهجيرا ًوخطفا ًوقتلا ًوتمثيلا ًعلى الهوية
ـ گالنه: لا.. فوّتوا الفرصة عليهم وأي ردة فعل منكم مقابلة هو هدفهم فلا تمنحوهم الفرصة
ـ گلناله سيدنا: اعتدوا على الروضة العلوية بالتفجير واستهدفوا أحد رموز العراق الدينية والوطنية
ـ گالنه: احنه على ثقة بأن الشعب العراقي سيقف صفا ً واحدا ًدون تحقيق مآرب الأعداء
ـ گلناله سيدنا: نسفوا وفجّروا مراقد أئمّتنا بسامراء
گالنه: المجرمون التكفيريون يريدون فتنة طائفية شاملة في العراق وأدعوكم أن تراعوا أقصى درجات الإنضباط, وأن لا يبدر منكم قول أو فعل يسيء الى إخواننا (السنة) الذين هم براء من تلك الجريمة النكراء ولا يرضون بها أبدا ً
ـ گلناله سيد: رجعوا ونسفوا مأذنتي الروضة العسكرية
ـ گالنه: اصبروا وعليكم بضبط النفس وأن تتجنبوا القيام بأي عمل انتقامي يستهدف الأبرياء والأماكن المقدسة لهم
گلناله: تسببوا بفاجعة قتل المئات من أتباع أهل البيت (عليهم السلام) على جسر الأئمة في الكاظمية
ـ گالنه: أدعو (العراقيين) مو بس الشيعة ـ جميعا ًإلى وحدة الكلمة ورصّ الصفوف وتفويت الفرصة على مثيري الفتنة
ـ گلناله مولاي: (داعـ.ـش) غزت الموصل وزحفت للرمادي وكربلاء وو..
ـ هنا صرخ الخطيب وقال بصوت عالٍ: هنانه أطلق السيد الفتوى.. (أخذ نفس) وگال: عرفتوا هسه الفتوى (السيستانية).. ما چانت لأبناء الشيعة إلتقتلوا. ولا لأجل الطائفة الشيعية المهضومة. ولا لأجل مراقد أئمّة الشيعة إليتفجّرت.. بل چانت مولانه الفتوى ضد مَن غزا وقتل وهجّر واستباح أهل (السنّة) والمحافظات السنيّة!
لماذا؟. سأل الخطيب وأجاب: لأن الخطر هنانه كان ضد (العراق ـ الوطن), و(العراق والوطن) هُمّا أمانة بأعناق المرجعية العليا وأعناقنا جيلا ً بعد جيل, ليش؟ لأنه ليست مِلكنا ولا ملك لإحد, بل ملك الإمام الحجة (عج) ويجب الحفاظ عليه حتى لو كلف ذلك النفس.
تيقنت حينها بأن (العراق ـ الوطن) أكبر وأعظم وأسمى وأقدس مما نتصور ونتوهم. كيف لا وهو (أرض) ومقر وقاعدة (القائد) المُقدس (عج) أرواحنا لتراب مقدمه الفداء, الذي سيملأها (عدلا ً وقسطا ً كما ملئت جورا ً وظلما ً)(6). إنطلاقا ًمن العراق لنشر الهدى ودين الحق في كافة أصقاع الجهات الأربع (قال مُوسى لقومهِ استعينوا بالله واصبِروا إنّ الأرضَ لله يُورثها مَن يشاء مِن عبادهِ والعاقبةُ للمتقين).
ـ إنتهى.
ــــــــــــ
ـ(1) ميزان الحكمة لمحمدي الريشهري ج2 ص127
ـ(2) فتوى الدفاع المقدسة ـ خطبة جمعة كربلاء في 13/6/2014م:
https://alkafeel.net/inspiredfriday/index.php?id=164
ـ(3) سورة الأعراف آية 128
ـ(4) تفسير الأمثل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي
ـ(5) بحار الأنوار للمجلسي ج 21 ص 107
ـ(6) غيبة الشيخ الطوسي
أقرأ ايضاً
- أهمية التعداد العام لمن هم داخل وخارج العراق
- التكتيكات الإيرانيّة تُربِك منظومة الدفاعات الصهيو-أميركيّة
- ضرائب مقترحة تقلق العراقيين والتخوف من سرقة قرن أخرى