بقلم: أياد السماوي
من المفترض أن تبدأ اليوم الحادي عشر من حزيران المفاوضات الثنائية بين العراق والولايات المتحدّة الأمريكية .. ولعلّ أكثر شيء مدعاة للسخرية في هذه المفاوضات هو إطلاق صفة الحوار الاستراتيجي على هذه المفاوضات , كنوع من إضفاء التكافؤ بين الدولتين .. لأن صفة الحوار تطلق عادة على الاطراف المتكافئة .. والأصح هو مصطلح المفاوضات , لأن المفاوضات يمكن أن تجري بين طرفين غير متكافئين , كما هو حال المفوضات الجارية الآن بين أمريكا والعراق .. ولنفترض جدلا أنّ عنصر التكافؤ في هذه المفاوضات متوفر , وأن أموال نفط العراق لا تأتي من حساب صندوق تنمية العراق المفتوح في البنك الفيدرالي الأمريكي , وأن هذه الأموال لا تأتي من أمريكا إلى العراق في طائرة خاصة كلّ أسبوع .. فهل العراق على استعداد لتلبية مطالب الجانب الامريكي ؟
وما هو موقف الحكومة العراقية في حال رفض الإدارة الأمريكية لمطالب العراق من دون أن يخضع وينّفذ تنفيذا كاملا كلّ مطالبها المتعلّقة بإنهاء النفوذ الإيراني في العراق والسيطرة التامة من قبل أمريكا على الحدود العراقية السورية ونزع سلاح جميع الفصائل المسلّحة الخاضعة إلى إيران وإيقاف التبادل التجاري مع إيران ؟
أليست هذه هي مطالب الإدارة الأمريكية من الحكومة العراقية ؟ أم أنّ خلافات العراق مع أمريكا تتعلّق بثقب طبقة الأوزون ويمكن حلّها والتوّصل لاتفاق يضمن سيادة كلّ بلد ويمنع كلّ طرف من التدّخل في شؤون البلد الآخر ؟
ماذا ستفعل الحكومة العراقية لو أنّ الإدارة الأمريكية قد قرّرت الامتناع عن إرسال الطائرات المحملة بالدولار إلى بغداد ؟ وماذا ستفعل إذا رفعت أمريكا الحماية عن الأموال العراقية أو وضعت العراق على جدول العقوبات الاقتصادية الأمريكية ؟ أو رفضت سحب قواتها من العراق ؟
هل تهيأت الحكومة العراقية لمثل هذه الاحتمالات المتوّقعة جدا ؟ وعلى افتراض أن الحكومة الحالية برئاسة رئيس الوزراء السيد مصطفى الكاظمي على استعداد لتلبية كلّ المطالب الأمريكية , فهل ستوافق الكتل السياسية الشيعية على ذلك ؟ ..
الحقيقة أنّ الدخول في أي مفاوضات مع الإدارة الأمريكية الحالية , لا يمكن أن يؤدي إلا إلى الإستسلام الكامل للمطالب الأمريكة .. ومن يعتقد أن هنالك حوارا ستراتيجيا سيجري بين العراق من جانب وبين الولايات المتحدّة الأمريكة من جانب آخر , ليس واهما فحسب بل هو ساذج إلى أبعد حدود السذاجة .. فليس من الصحيح أبدا الدخول في أي مفاوضات سواء كان ذلك مع الإدارة الحالية للرئيس ترامب أو مع أي إدارة قادمة , ما لم يتمّ تهيئة الأرضية والمقدّمات لهذه المفاوضات .. وأول هذه المقدّمات هو تخليص الاقتصاد العراقي من هيمنة الدولار الأمريكي والاستعاضة عنه بعملة أخرى كاليورو أو الين أو أي عملة أخرى , وإيداع أموال نفط العراق في حساب آخر غير الحساب الحالي الموجود في البنك الفيدرالي الأمريكي .. والعمل على سحب السلاح كلّ السلاح غير الخاضع للدولة , وإنهاء سطوة التنظيمات المسلّحة غير الخاضعة إلى القيادة العامة للقوات المسلّحة , وتخليص القرار الوطني العراقي من أي تبعات خارجية .. حينها يمكننا أن ندخل في حوار ستراتيجي مع أمريكا أو غير أمريكا ومن دون أي خضوع أو استسلام أو تبعية.