- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
لماذا ترغب روسيا والصين وترمب حل الاتحاد الاوربي
بقلم: د. حازم جري الشمري
لماذا ترغب روسيا والصين وترمب حل الاتحاد الاوربي؟ وهل سيكون فيروس كورونا التحدي الاكبر في تاريخ الاتحاد الاوربي ولا يستطيع الصمود أمامه ؟
أن التوقعات في تفكك الاتحاد الاوربي قديمة، مع كل أزمة تتجدد التوقعات بانهيار الاتحاد الاوربي، وهذه التوقعات لم تؤخذ من صحف صغيرة صفراء او حمراء بل من كبار الصحف في العالم ومراكز البحوث ومفكرين سياسيين كبار من داخل وخارج الاتحاد هذه التوقعات لا تأتي من النخب فقط بل من رجل الشارع العادي داخل الاتحاد، على سبيل المثال: المجلس الاوربي للعلاقات الخارجية قد أجرى استطلاع في 2009 بين مواطني الاتحاد أكثر من 50%منهم توقع تفكك الاتحاد في فترة زمنية ما بين عشرة الى عشرين عام .
سبب التوقعات المتشائمة في انهيار الاتحاد مرتبط ارتباطا وثيقاً بالإحباط من أداء الاتحاد في الازمات والاحباط هذا مصدره مقارنة اداء الاتحاد بأداء الولايات المتحدة على وجه التحديد وهذه المقارنة مقارنة ظالمة أو غير صالحه ، لان الولايات المتحدة دولة فدرالية وأتجاه سياسي مستقر منذ أكثر من 200 عام لديها حكومة موحدة.
فأن الاتحاد الاوربي لم يحقق هذه المكانة بعد خمسين سنة كان يحلم أن يكون الاتحاد الاوربي دولة فدرالية على غرار الولايات المتحدة وبعد مرور 70 سنة ما زال الاتحاد الاوربي لم يحقق هذا الحلم أي انه سعى الى أن يكون دولة فدرالية لا كنه الى وقتنا الحالي هو اتفاقية بين مجموعة من الدول ذات السيادة التي تتعاون في ما بينها في بعض المجالات وتعجز عن الاتفاق في مجالات اخرى .
سوف نأخذ فيروس كورونا كمثال : بسبب الفيروس اصبح هناك ركود أقتصادي في العالم كله وكل دولة تجري حزمة انقاذ لتسعف اقتصادها وقدر بنك الاتحاد الاوربي الاموال التي يجب أن تنعش اقتصاد الاتحاد 21,1 ترليون دولار وهو ما بقي محل خلاف ما بين الاعضاء دول توافق ودول ترفض هذه الحزمة الدول التي توافق هي دول الجنوب المأزومة مثل (ايطاليا ,اسبانيا , اليونان , قبرص ,سيرلانكا ,فلندا , والنمسا ) ويبدو الخلاف هو خلاف اقتصادي بحت ، لان دول الشمال : تقول لماذا ادفع فاتورة دول الجنوب التي لا تريد الانضباط المالي .
الخلاف ما بين دول الجنوب ودول الشمال في الاتحاد الاوربي كان قديما :
فأن دول الجنوب تتهم دول الشمال بانها تريد أن تعيش بأكبر مما تسمح به قدراتها الاقتصادية وتتورط بالديون وتسدد الديون بديون أخرى من أجل توسيع اقتصادها وبالتالي عندما توجد أزمة لدى دول الجنوب وتلجأ الى دول الشمال فيكون جواب دول الشمال .
كيف يمكن مساعدتكم في جميع الازمات ساعدناكم في عام 1990 وفي عام 2008 وفي ايفاء الديون الصينية وساعدناكم في 2009 و2012 أنكم في كل مرة لا تتعلمون الدرس وتكررون نفس الاخطاء سياساتكم المالية منفلته الى هنا يتبين أن هناك اختلاف ثقافي خلف الخلاف الاقتصادي .
أولاً - التحديات الداخلية للاتحاد الاوربي :
1- الاختلاف الثقافي :
طوال الوقت دول الاتحاد الاوربي تتهم المانيا والولايات المتحدة تتهمها نفس الاتهام بأنها مجنونه بالادخار والحرص على عدم الانفاق، في الحقيقة أن الالمان جزء من ثقافتهم هو الحرص على الادخار ما يسمى في الهند ثقافة الانفاق ، اي ما معناه تجمع الكثير وتنفق الضروري فقط ، ويعلمون الاطفال في المدارس فيكونون حريصين على الادخار ،فالحكومة حريصة على الادخار في اتباع سياسات نقدية تقشفية :أي انها تجمع الكثير وتنفق القليل سواء من التجارة او من الضرائب ويكون مستعد بشكل دائم للازمات ،فأن الالمان ينظرون الى الادخار نوع من أنواع الحكمة بل يعتبر نوع من الفضيلة أي أن الانسان لا يمكن أن يترك نفسه الى غرائزه ،ويستهلك كما تريد نفسه ، بل يجب أن يكون منضبط في سلوكه تشارك المانيا هذه الثقافة الدول المجاورة لها .
ثقافة دول البحر المتوسط وجنوب اوروبا :
هذه الدول تحرص على تقديم الرفاهية الى شعبها وتريد الاستمتاع بالحياة ولا تريد ان تحرص على التخطيط للمستقبل ، أنها ترفع شعار أنا هنا وعدم التفكير كثيرا بالمستقبل ، نتيجة لهذا الخلاف الثقافي ولد سياسات اقتصادية مختلفة .
دول الجنوب لديها سياسات تسعى فيها لتقليل الضرائب وزيادة الانفاق الاجتماعي على المجتمع ولو بالاستدانة .
ودول الشمال تقر سياسات تقشفية دائماً أي انها تجمع ضرائب اكبر وأنفاق اقل لذلك يوجد صدام ما بين دول الشمال ودول الجنوب ولا يجود حل واقعي فأن دول الشمال لو أعطت المساعدات والقروض الى دول الجنوب ستكون النتيجة أن الاحزاب الشعبويه في دول الشمال سوف ينصب غضبها على حكوماتها فتحرض المجتمع بالقول أن اموال الضرائب التي تجمع منكم تذهب الى دول مستهترة أي تخبرهم أن حكوماتكم تصرف اموالكم على دول لا تريد أن تعمل وبالتالي ستكون هناك احزاب اكثر تكون راغبة في الانفصال عن الاتحاد الاوربي .
وفي حال دول الشمال لم تمد دول الجنوب بالإمدادات والقروض :سوف تقوم الاحزاب الشعبوية في دول الجنوب بتحريض المجتمع ما جدوى انتمائنا للاتحاد الاوربي اذا كان لا يساعدنا في ايام الازمات وفي كلا الحالتين عندما تساعد دول الشمال دول الجنوب أو لم تساعد فأن هناك احزاب تولد وتحرض بالضد من الاتحاد الوربي وهذه التهديد الداخلي .
2- الاحزاب القومية ترفع شعار المانيا أو هولندا أولاً :
وجميع هذه الاحزاب تستهدف الى التخلص من الاتحاد الاوربي فأن الاختلافات داخل الاتحاد الاوربي لا تقتصر على شماله وجنوبه فهناك خلافات بين شرق أوربا وغرب أوربا في عام 2004 توسع الاتحاد اوربي وأراد أن يضم دول كانت واقعة تحت نفوذ الاتحاد السوفيتي السابق مثل (رومانيا ، وبولندا ،والمجر ) هذه الدول لديها ثقافات مختلفة ولذلك تريد أن تتبع سياسات مختلفة لا تسعد دول غرب اوربا ، لذلك هناك خلافات بين الدول الغربية وهذه الدول حول قضايا أخرى كثيرة تتعلق بحقوق الانسان والديمقراطية ومستوى أحترام دولة القانون وتطبيق دولة القانون، فأن دول غرب الاتحاد الاوربي ترى انها مقصرو في هذه المجالات .
ثانياً - التحديات الخارجية:
وهناك تحديات من دول مثل روسيا والصين والولايات المتحدة في زمن ترمب
التحدي الروسي : يعتقد الروس أن وجود الاتحاد الاوربي وذراعة العسكري الناتو هو موجه بالأساس الى احتواء ومحاصرة روسيا الاتحادية وبالتالي طوال الوقت تحاول روسيا أختراق هذا الاتحاد واضعافه وتعتقد في اضعافه تعزيز للامن القومي الروسي
التحدي الصيني :
تعتبر الصين الاتحاد الاوربي منافس لها على المستوى الاقتصادي ، فتحاول اضعافه وخلخلته والنفاذ اليه بجميع الوسائل المتاحة ،وترغب الصين أن يكون الاتحاد الاوربي دول مفتوحه لمتوجاتها غير مقيدة وأن قيود قوانين الاتحاد تعرقل وصول السلع بشكل مفتوح.
التحدي الامريكي :
كان الاتحاد الاوربي وما زال يرتكز ويشعر بالامان بسبب الدعم الامريكي المستمر وهذا الدعم يمتد تاريخه الى ما بعد الحرب العالمية الثانية ، لكن الان اصبح محل شك خصوصاً في عهد الرئيس ترمب فأنه لا يخفي أنه يرغب في تفكك الاتحاد الاوربي ،وشجع بريطانيا على الخروج من الاتحاد الاوربي .
اهم الاسباب :
1- أنه يرى أن الامتيازات الاقتصادية سوف تكون اكبر للولايات المتحدة أن تعاملت وتفاوضت مع كل دولة من دول الاتحاد منفرة .
2- يعتقد الرئيس الامريكي ترمب أن الاتحاد الاوربي كيان أقتصادي ضخم لكنه لا ينفق على الدفاع عن نفسه ويعتمد في ذلك على الولايات المتحدة الامريكية .فأنه يقول لهم دائماً من غير الممكن تريدون حمايتكم بشكل دائم من الولايات المتحدة الامريكية وتنعمون بالأمان من دون ان تنفقون شيء.
3- أن الرئيس ترمب يعادي فكرة العولمة وبالنسبة للاتحاد الاوربي اكبر نموذج للعولمة في العالم فيعتقد الكثير في تفكك الاتحاد تنتهي فكرة العولمة ، لانه يعتقد أن العولمة لم تأتي بالكثير من الفائدة للشعب الامريكي في السنوات الاخيرة ، ويعتقد أن بسببها تحركت اموال امريكية كبيرة الى الصين ونزوح رؤساء أموال امريكية الى الصين ، وفي المقابل أن الصين والهند أغرقت الولايات المتحدة في بضائعهم وحرمت الكثير من العمال من عملهم لتوقف الكثير من المعامل .
اما التحدي الكبير الذي يواجه الاتحاد الاوربي عودة على بدء
تحدي فيروس كورونا :
أن الاتحاد الاوربي يواجه تحديات كبيره جداً في ما ذكرناه وجاء فيروس كورونا ليكون تحدي أكبر فهل من الممكن لهذا الفايروس أن يفكك بالاتحاد الاوربي ؟
أذا زال الفايروس سريعا لاي سبب من الاسباب في هذه الحالة يستطيع الاتحاد الاوربي تجاوز هذه الازمة مثل ما تجاوز قبلها الازمة المالية وغيرها .
ولكن أذا تفاقم الفايروس وطال امده وأخذ أشكال متطرفة مثل أنهيار الاقتصاد الايطالي وهي رجل أوربا المريض فستكون تكلفة خسائر أيطاليا كبيرة جداً لايستطيع الاتحاد تحمل هذه التبعات لان الدول ستكون جميعها متضررة وغير جاهزة .
هذه بعض التحديات التي تواجه الاتحاد الاوربي وسوف تكون لنا مقالات أخرى حول التحديات الاخرى.
أقرأ ايضاً
- الرزق الحلال... آثاره بركاته خيراته
- كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟ (الحلقة 7) التجربة الكوبية
- لماذا ترتفع درجات الحرارة في العراق؟