- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
كربلاء ملاذ الراجين الطمأنينة
حجم النص
حسن كاظم الفتال
كربلاء. تسمية لا تَليق إلا على البقعة التي عرف الخلقَ عليها خيرُ خلق الله سيدُ الكائنات محمدٌ صلى الله عليه وآله حين وصفها بأنها بقعةٌ من بقاع الجنة.. تسميةٌ خصها بها القدس اختزلت الجلال والكمال والبهاء والكبرياء والزهو والمهابة والتبجيل. تسمية لم تنسب ولم تطلق على بقعة سواها .تسمية يرقى لها القدس وبها يحتمي . ليست مجردَ تسميةٍ تكونها حروف وحسب إنما هي أشبه بكينونة جسد حي أو روح أو قلب مفعم بالحياة تتهجد نبضاته بالقدس والهيبة والسؤدد . خُلِقَت قبل كل التواريخ وستظل بعد كل التواريخ لا تاريخ يحدها ولا مدى يسعها . لعل اللهَ جل وعلا خبأ هذا الاسم دهورا ما وراء عالَم الغيب حتى يحينَ أوان إطلاقه . وفي عالم الذر عالم الأرواح أذن للمطلقين الأسماءَ والتسميات على المسميات أن يزينوا قاموس الأسماء ويجللوه ويقدسوه حين يهبوا هذه التسمية لتلك البقعة المقتطعة من بقاع الجنة .فتزين القاموس وتشرف بتسمية كربلاء المقدسة . لاشك إن كل المخلوقات تشتاق أشد الإشتياق للجنة لعطرها ونسيمها وابتهاجها و..و. إلا كربلاءَ المقدسة فإن الجنة هي التي تشتاق إلى كربلاء المقدسة ولعطرها ونسميها وبهائها ولبهجتها لأنها مقتطعة من أجزائها . بين فينة أخرى تتنزل الملائكة محملةً أجنحتُها برحيق الجنة فتخلطُه بتراب كربلاء المقدسة ليمتزجَ بها لتتنسم الملائكة من رحيق كربلاء وتتطيب ثم تعرج إلى السماء يفوح منها عطر الجنة. كربلاء المقدسة هبة سماوية أزلية أُبتدعت لتنساب إلى النفوس بانسياب رقراق وتتفاعل مع المحسوس والملموس .لا تدركها إلا البصائر الحية الحادة والألباب المتقدة بنور العقيدة . حين حبا الله كربلاء هذه الجلالة والإنفرادية والواحدية والتفاضلية والتمايزية بين الموجودات تيقنت بأنها ليست مجردَ بقعةِ أرضٍ بين البقاع أو أسمٍ يُخطُ على خريطة ويشغل حيزا معينا . وليس هذا التفاضل والتمايز إلا إيحاءٌ يلوح بأن ثمة مرتبة ستحرزها وتشهق بها على ذرى التفرد دون أن تشاركها بقعة سواها لا بالشرق ولا بالغرب . وازداد اشتياقها لتتعرف على سر حقيقة مضمون وفحوى الإيحاء حتى أصبحت مأوىً أو مقاما توسدته فلذة كبد ابنة سيد الكون محمد صلى الله عليه وآله فأدركت كربلاء المقدسة سر هذا التفاضل لقد حط إبنُ سيد الأكوان رحله عليها ليشرفها حين يطأ اخمصُ قدمِه الشريفِ حباتِ ترابِها فيلثم الثرى أخمص قدمه فتتزكي وتتنسم منه العبق . وما أن لامست جسده الشريف حتى انهرت الصم الصياخيد بالنعمات والكرامات وغادر الأجاج فراتها وصار شرابه عذبا سائغا. وصارت كربلاء المقدسة ملاذا آمنا لكل القلوب المفعمة بالود والولاء والموسومة بظاهر منطوق الآية الكريمة (قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ) ـ الشورى / 23 وحين تشتهي الرياح عند هبوبها أن يتعطر نسيمها حتى تذري الطيب على كل آفاق الدنيا وتعطرَ الأجواء تحدو بذارياتها صوب كربلاء المقدسة فتحمل على انطواءات تموجات هبوبها عبقا حسينيا محمدي الإمتداد تتعفر به وتتماوج وتمتد لتنثره على البقاع فتوشمها فتتقي به جدب السنين العجاف وينمو بالبقاع خصب البركات والرخاء والترف العقائدي كربلاء مستقر التزكية والتنقية والتنزيه والتطهير والتخلص من التوجسات والوسوسات وساعة تُجِبلُ الفطرة السليمة الألباب والضمائر والأفئدة والبصائر لأن تتجرد من كل التوجسات والوسوسات تحثها إلى إقامة صلاة تتقي بها شر الهواجس والوسوسات فتصوب الألباب والضمائر والأفئدة وجهتها شطر كربلاء المقدسة وتتخذها محرابا تؤدي فيه صلاتها وترجو بقنوتها أن تنزع من كوامنها كل زيغ وتنسلخ من كل غواية وأهواءٍ . مثلما كان الأنبياء والرسل والأوصياء قديما حين يكاد أن يستعظمَ الهم والغم في صدورهم وتضيق . لا يسامرها الإنشراح والإنفراج والأنس إلا حين يصوبون شهقات صدورهم شطر مشرق كربلاء المقدسة . كربلاء المقدسة بلدة آمنة يشرح نسيمها الصدور وتطمئن فيها القلوب حين تفد إليها وتلوذ بحصنها وتتحصن بالألفة وتنبذ الفُرقة . كربلاء المقدسة مستقر الشرف ومستودع الكرامات حليفتها العظمة والقيم والمبادئ السامية . ارتمى على ثراها السؤدد والشموخ والعزة والعظمة والرفعة والكرم وانحنت وسجدت على أديمها كل العوالي والسامقات واختلطت حبات رمل أديمها بعبق القدس ومسك الجلالة إذن أكرموا كربلاء المقدسة وقروها حين تطئون ثراها أكرموها بتوقيرها إنزعوا عندها كل زيغ وميل وتجردوا من كل شيء إلا من حبها وإكرامها. ولا يذهبن بتوقيركم لها السهو والغفلة والنسيان إنها مدينة سبط رسول الله صلى لله عليه وآله سيدِ الشهداء الإمام الحسين صلوات الله عليه .