- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
القرية والمدينة في المنظور الإسلامي / 3
حجم النص
بقلم : عبود مزهر الكرخي
كان الاختيار للرسول الأعظم محمد(ص)على يثرب الخارجة عن الدائرة الجغرافية لمكة، رغم وقوعها في دائرة المواصلات الرئيسة لتجارة قريش مع الشام. وكان الاختيار لعدة أسباب منها أنه كان من حكمة الله سبحانه تعالى في اختيار المدينة دارًا للهجرة ومركزًا للدعوة هذا عدا ما أراده الله من إكرام أهلها وأسرار لا يعلمها إلا الله إنها امتازت بتحصن طبيعي حربي، لا تزاحمها في ذلك مدينة قريبة في الجزيرة. ولذلك كان اختيار المينة المنورة هو حكمة آلهية وليس نابعة من فراغ.
والأهم من ذلك أنه كان للأنصار (الأوس والخزرج) دور كبير في جعل يثرب مقرَّاً لدولة الرسول(صلى الله عليه و آله و سلم)، وفي إخراج الإسلام من دار الاضطهاد إلى دار الهجرة. لقد كانت وقفة أولئك النَّفر من الأوس والخزرج بمستوى التاريخ؛ إذ كانوا أنموذجاً في العطاء والتَّضحية ونكران الذَّات، فاستحقُّوا لقب “أنصار الله وأنصار رسول الله” (1)؛ وذلك أنهم التزموا الدين الإسلامي واحتضنوا الرسول(ص) والمهاجرين وجاهدوا في الله حق جهاده
وكان أهل المدينة من الأوس والخزرج أصحاب نخوة وإباء وفروسية وقوة وشكيمة، ألفوا الحرية، ولم يخضعوا لأحد، ولم يدفعوا إلى قبيلة أو حكومة إتاوة أو جباية، يقول ابن خلدون: ولم يزل هذان الحيان قد غلبوا على يثرب، وكان الاعتزاز والمنعة تعرف لهم في ذلك، ويدخل في ملتهم من جاورهم من قبائل مضر.
وكان بنو عدي بن النجار أخواله - صلى الله عليه وسلم -، فأم عبد المطلب بن هاشم إحدى نسائهم، فقد تزوج هاشم بسلمى بنت عمرو أحد بني عدي بن النجار، وولدت لهاشم عبد المطلب، وتركه هاشم عندها، حتى صار غلاماً دون المراهقة، ثم احتمله عمه المطلب، فجاء به إلى مكة، وكانت الأرحام يحسب لها حساب كبير في حياة العرب الاجتماعية، ومنهم أبو أيوب الأنصاري الذي نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في داره في المدينة.
وكان الأوس والخزرج من قحطان، والمهاجرون ومن سبق إلى الإسلام في مكة وما حولها من عدنان، ولما هاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة، وقام الأنصار بنصره، اجتمعت بذلك عدنان وقحطان تحت لواء الإسلام، وكانوا كجسدٍ, واحدِ، وكانت بينهما مفاضلة ومسابقة في الجاهلية، وبذلك لم يجد الشيطان سبيلاً إلى قلوبهم لإثارة الفتنة والتعزي بعزاء الجاهلية، باسم الحمية القحطانية أو العدنانية، فكانت لكل ذلك مدينة يثرب أصلح مكان لهجرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه واتخاذهم لها داراً وقراراً، حتى يقوى الإسلام ويشق طريقه إلى الأمام، ويفتح الجزيرة ثم يفتح العالم المتمدن(2).
ولهذا قال فيهم رسول الله(ص) بعد غزوة حنين في الإشادة بهم حيث يقول النبي الأكرم { ...أوجدتم في نفوسكم يا معشر الأنصار في لُعاعة من الدنيا، تألَّفتُ بها قومًا أسلموا، ووكَلتُكم إلى ما قسَم الله لكم من الإسلام، أفلا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس إلى رحالهم بالشاء والبعير، وتذهبون برسول الله إلى رحالكم؟ فو الذي نفسي بيده، لو أن الناس سلكوا شِعْبًا وسلكت الأنصار شِعبًا، لسلكت شِعْبَ الأنصار، ولولا الهجرة لكنت امْرأً من الأنصار، اللهمَّ ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار }، فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم، وقالوا: رضينا بالله ربًّا، ورسوله قَسْمًا، ثم انصرف وتفرَّقوا(3).
هذا من جهة ومن جهة أخرى ومن الناحية الاقتصاديّة: تعدُّ المدينة غنية بإمكانياتها الزراعية، ما يُمَكِّنها من المقاومة والاحتفاظ بنوع من الحياة في حال تعرضت لضغوط اقتصادية من قبل المشركين وغيرهم.
ومن الناحية الاجتماعيّة: فكان هناك نزاع قبلي عنيف وطويل بين الأوس والخزرج مما ادى ان تكون مدينة مفككة اجتماعيا ترنو الى وجود رجل يلتفون حوله ليقوم بنزع هذه العصبيات القبلية التي ليس لها حل. وقد كان مجتمع المدينة المنورة مكون من المهاجرون والأنصار واليهود ، أما الأوس والخزرج فهما قبيلتان من أصل واحد، خرجتا من اليمن وأقامتا في المدينة. وبعد مدة قصيرة نشب نزاع بين الأوس والخزرج وبلغ ذروة هذا النزاع أن حالف الأوس يهود بني قريظة ضد الخزرج، وحالف الخزرج يهود بني النضير وقينقاع وقد حدث واقعة عظيمة فيما بين الأوس والخزرج سميت واقعة(بعاث) وكانت قبل هجرة النبي(ص) بخمس سنين وقتل فيها الكير من أشرافهم وكبرائهم، وكالعادة فأن اليهود كان لهم الدور الكبير في تغذية هذا الصراع وبث الفرقة ليتم لليهود السيطرة على المدينة. ولكن نبي الرحمة والإنسانية(ص) عمل على استئصال هذا الخلاف وجعلهم أخوة متحابين، وأمرهم بأن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئاً، وبأن يؤمنوا بالرسول (ص) وبما يوحى إليه.
بناء الدولة الإسلامية
قد عمل الرَّسول(صلى الله عليه و آله و سلم) على إرساء علاقة اجتماعية متوازنة في المدينة، تقوم على كبح نزعتين لدى المهاجرين: أولاهما نزعة التفوُّق القبلي، بوصفهم ينتمون إلى قبيلة قريش، وثانيهما نزعة أسبقية الدُّخول في الإسلام. كما عمل الرسول(صلى الله عليه و آله و سلم) على كبح النزعة الإقليميّة لدى الأنصار ومعها شعور المنقذ للإسلام من محنته الشديدة (4)، فنجح النبي(صلى الله عليه و آله و سلم) في ترسيخ وحدة الأوس والخزرج في إطار الأنصار ووحدة هؤلاء مع المهاجرين في إطار الجماعة الإسلاميّة (5). فكان الأنصار شركاء أساسيين في تكوين الدولة الإسلامية في مختلف المجالات العسكرية والإدارية والاقتصادية، ما جعل هذه الدولة أكثر قدرة على تجاوز الخطر وقهر التحدِّيات المحيطة بها (6) ، (7).
المؤاخاة بين المسلمين
قال ابن إسحاق: “وآخى رسول الله(صلى الله عليه و آله و سلم) بين أصحابه من المهاجرين والأنصار، فقال: تآخوا في الله أخوين أخوين”، ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب(عليه السلام)، فقال: “هذا أخي”، فكان رسول الله(صلى الله عليه و آله و سلم) سيد المرسلين، وإمام المتقين، ورسول رب العالمين، الذي ليس له نظير في العباد، وعلي بن أبي طالب(عليه السلام)، أخوين. وكان حمزة بن عبد المطلب، وزيد بن حارثة مولى رسول الله(صلى الله عليه و آله و سلم)، أخوين. وجعفر بن أبي طالب، ومعاذ بن جبل، أخوين. وأبو بكر، وخارجة بن زيد بن أبي زهير، أخوين. وعمر بن الخطاب، وعتبان بن مالك، أخوين. وأبو عبيدة بن عبد الله بن الجراح، وسعد بن معاذ بن النعمان، أخوين (8). وقد آخى بينهم على الحق والمساواة.
ويقول الأستاذ الشيخ “محمد سعيد رمضان البوطي(9)” وأساس ذلك أن الإسلام.. جاء عالمي النزعة، إنساني المبادئ والقيم، لا يتحيَّز في شرعه ومبادئه لقوم دون قوم، يرسي العدالة العالمية التي يستوي في حكمها العربي والأعجمي، والأبيض والأسود، بل المسلم وغير المسلم. تأمَّل في خطاب الله تعالى في القرآن تجده يتجه إلى الناس جميعاً دون أي تمييز، إن تحدَّث عن العقائد وحقائق الكون وجّه خطابه إلى الناس جميعاً بقوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ } أو {يَا بَنِي آَدَمَ } وإن تحدَّث عن الأحكام والشرائع السلوكية، وجَّه خطابه إلى المؤمنين بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا } ، ولن تجده يخصُّ العرب أو أهل مكَّة، أو المدينة، أو قريشاً، أو أيَّ فئة أو أيَّ قوم من الناس، بأي خطاب يخصهم به دون غيرهم(10).
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر :
1 ـ بيضون، إبراهيم، كتاب الأنصار والرسول(صلى الله عليه و آله و سلم)، م. س، ص: 8.
2 ـ مأخوذ من مقال بعنوان(لماذا اختيرت المدينة كعاصمة للدولة الإسلامية ؟ لم نحصل عليه التصنيف: السيرة النبوية تاريخ النشر: 27 شوال 1428(8 / 11/ 007). منشور في موقع مداد.
3 ـ الراوي: أبو سعيد الخدري، المحدث: الألباني، المصدر: فقه السيرة، الصفحة أو الرقم (395).
4 ـ كتاب بيضون، إبراهيم، الأنصار والرسول (ص)، م. س، ص: 30.
5 ـ م. ن، ص: 9
6 ـ م. ن، ص: 38.
7 ـ مأخوذ من بحث باسم_( هجرة الرسول(صلى الله عليه و آله و سلم) وبناء الدَّولة والمجتمع الإسلاميِّين قراءة تحليليَّة نقديَّة في شبهات المستشرقين).الباحث : الشيخ علي ناصر. اسم المجلة : مجلة المنهاج. العدد : 54. السنة : السنة الرابعة عشر صيف 1430هجـ 2009 م. تاريخ إضافة البحث : 20 / 12 / 2015. منشور في المركز الاسلامي للدراسات الاستراتيجية. باب الكلام والعقيدة » دراسات وبحوث. والشيخ علي ناصر باحث في التاريخ والفقه الإسلامي، من لبنان.
8 ـ الحميري، المعافري، عبد الملك بن هشام بن أيوب، السيرة النبوية، م. س، ص: 256.
9 ـ أستاذ العقيدة للدراسات العليا في كلية الشريعة - جامعة دمشق، وعالم ومفكر وكاتب إسلامي شهير.
10 ـ "الإسلام والعولمة الثقافية"، مجلة المقتطف الثقافي، تصدر عن المركز الإستشاري للدراسات والتوثيق، العدد229، بيروت، 2 تموز 2003م، ص: 27.
كان الاختيار للرسول الأعظم محمد(ص)على يثرب الخارجة عن الدائرة الجغرافية لمكة، رغم وقوعها في دائرة المواصلات الرئيسة لتجارة قريش مع الشام. وكان الاختيار لعدة أسباب منها أنه كان من حكمة الله سبحانه تعالى في اختيار المدينة دارًا للهجرة ومركزًا للدعوة هذا عدا ما أراده الله من إكرام أهلها وأسرار لا يعلمها إلا الله إنها امتازت بتحصن طبيعي حربي، لا تزاحمها في ذلك مدينة قريبة في الجزيرة. ولذلك كان اختيار المينة المنورة هو حكمة آلهية وليس نابعة من فراغ.
والأهم من ذلك أنه كان للأنصار (الأوس والخزرج) دور كبير في جعل يثرب مقرَّاً لدولة الرسول(صلى الله عليه و آله و سلم)، وفي إخراج الإسلام من دار الاضطهاد إلى دار الهجرة. لقد كانت وقفة أولئك النَّفر من الأوس والخزرج بمستوى التاريخ؛ إذ كانوا أنموذجاً في العطاء والتَّضحية ونكران الذَّات، فاستحقُّوا لقب “أنصار الله وأنصار رسول الله” (1)؛ وذلك أنهم التزموا الدين الإسلامي واحتضنوا الرسول(ص) والمهاجرين وجاهدوا في الله حق جهاده
وكان أهل المدينة من الأوس والخزرج أصحاب نخوة وإباء وفروسية وقوة وشكيمة، ألفوا الحرية، ولم يخضعوا لأحد، ولم يدفعوا إلى قبيلة أو حكومة إتاوة أو جباية، يقول ابن خلدون: ولم يزل هذان الحيان قد غلبوا على يثرب، وكان الاعتزاز والمنعة تعرف لهم في ذلك، ويدخل في ملتهم من جاورهم من قبائل مضر.
وكان بنو عدي بن النجار أخواله - صلى الله عليه وسلم -، فأم عبد المطلب بن هاشم إحدى نسائهم، فقد تزوج هاشم بسلمى بنت عمرو أحد بني عدي بن النجار، وولدت لهاشم عبد المطلب، وتركه هاشم عندها، حتى صار غلاماً دون المراهقة، ثم احتمله عمه المطلب، فجاء به إلى مكة، وكانت الأرحام يحسب لها حساب كبير في حياة العرب الاجتماعية، ومنهم أبو أيوب الأنصاري الذي نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في داره في المدينة.
وكان الأوس والخزرج من قحطان، والمهاجرون ومن سبق إلى الإسلام في مكة وما حولها من عدنان، ولما هاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة، وقام الأنصار بنصره، اجتمعت بذلك عدنان وقحطان تحت لواء الإسلام، وكانوا كجسدٍ, واحدِ، وكانت بينهما مفاضلة ومسابقة في الجاهلية، وبذلك لم يجد الشيطان سبيلاً إلى قلوبهم لإثارة الفتنة والتعزي بعزاء الجاهلية، باسم الحمية القحطانية أو العدنانية، فكانت لكل ذلك مدينة يثرب أصلح مكان لهجرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه واتخاذهم لها داراً وقراراً، حتى يقوى الإسلام ويشق طريقه إلى الأمام، ويفتح الجزيرة ثم يفتح العالم المتمدن(2).
ولهذا قال فيهم رسول الله(ص) بعد غزوة حنين في الإشادة بهم حيث يقول النبي الأكرم { ...أوجدتم في نفوسكم يا معشر الأنصار في لُعاعة من الدنيا، تألَّفتُ بها قومًا أسلموا، ووكَلتُكم إلى ما قسَم الله لكم من الإسلام، أفلا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس إلى رحالهم بالشاء والبعير، وتذهبون برسول الله إلى رحالكم؟ فو الذي نفسي بيده، لو أن الناس سلكوا شِعْبًا وسلكت الأنصار شِعبًا، لسلكت شِعْبَ الأنصار، ولولا الهجرة لكنت امْرأً من الأنصار، اللهمَّ ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار }، فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم، وقالوا: رضينا بالله ربًّا، ورسوله قَسْمًا، ثم انصرف وتفرَّقوا(3).
هذا من جهة ومن جهة أخرى ومن الناحية الاقتصاديّة: تعدُّ المدينة غنية بإمكانياتها الزراعية، ما يُمَكِّنها من المقاومة والاحتفاظ بنوع من الحياة في حال تعرضت لضغوط اقتصادية من قبل المشركين وغيرهم.
ومن الناحية الاجتماعيّة: فكان هناك نزاع قبلي عنيف وطويل بين الأوس والخزرج مما ادى ان تكون مدينة مفككة اجتماعيا ترنو الى وجود رجل يلتفون حوله ليقوم بنزع هذه العصبيات القبلية التي ليس لها حل. وقد كان مجتمع المدينة المنورة مكون من المهاجرون والأنصار واليهود ، أما الأوس والخزرج فهما قبيلتان من أصل واحد، خرجتا من اليمن وأقامتا في المدينة. وبعد مدة قصيرة نشب نزاع بين الأوس والخزرج وبلغ ذروة هذا النزاع أن حالف الأوس يهود بني قريظة ضد الخزرج، وحالف الخزرج يهود بني النضير وقينقاع وقد حدث واقعة عظيمة فيما بين الأوس والخزرج سميت واقعة(بعاث) وكانت قبل هجرة النبي(ص) بخمس سنين وقتل فيها الكير من أشرافهم وكبرائهم، وكالعادة فأن اليهود كان لهم الدور الكبير في تغذية هذا الصراع وبث الفرقة ليتم لليهود السيطرة على المدينة. ولكن نبي الرحمة والإنسانية(ص) عمل على استئصال هذا الخلاف وجعلهم أخوة متحابين، وأمرهم بأن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئاً، وبأن يؤمنوا بالرسول (ص) وبما يوحى إليه.
بناء الدولة الإسلامية
قد عمل الرَّسول(صلى الله عليه و آله و سلم) على إرساء علاقة اجتماعية متوازنة في المدينة، تقوم على كبح نزعتين لدى المهاجرين: أولاهما نزعة التفوُّق القبلي، بوصفهم ينتمون إلى قبيلة قريش، وثانيهما نزعة أسبقية الدُّخول في الإسلام. كما عمل الرسول(صلى الله عليه و آله و سلم) على كبح النزعة الإقليميّة لدى الأنصار ومعها شعور المنقذ للإسلام من محنته الشديدة (4)، فنجح النبي(صلى الله عليه و آله و سلم) في ترسيخ وحدة الأوس والخزرج في إطار الأنصار ووحدة هؤلاء مع المهاجرين في إطار الجماعة الإسلاميّة (5). فكان الأنصار شركاء أساسيين في تكوين الدولة الإسلامية في مختلف المجالات العسكرية والإدارية والاقتصادية، ما جعل هذه الدولة أكثر قدرة على تجاوز الخطر وقهر التحدِّيات المحيطة بها (6) ، (7).
المؤاخاة بين المسلمين
قال ابن إسحاق: “وآخى رسول الله(صلى الله عليه و آله و سلم) بين أصحابه من المهاجرين والأنصار، فقال: تآخوا في الله أخوين أخوين”، ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب(عليه السلام)، فقال: “هذا أخي”، فكان رسول الله(صلى الله عليه و آله و سلم) سيد المرسلين، وإمام المتقين، ورسول رب العالمين، الذي ليس له نظير في العباد، وعلي بن أبي طالب(عليه السلام)، أخوين. وكان حمزة بن عبد المطلب، وزيد بن حارثة مولى رسول الله(صلى الله عليه و آله و سلم)، أخوين. وجعفر بن أبي طالب، ومعاذ بن جبل، أخوين. وأبو بكر، وخارجة بن زيد بن أبي زهير، أخوين. وعمر بن الخطاب، وعتبان بن مالك، أخوين. وأبو عبيدة بن عبد الله بن الجراح، وسعد بن معاذ بن النعمان، أخوين (8). وقد آخى بينهم على الحق والمساواة.
ويقول الأستاذ الشيخ “محمد سعيد رمضان البوطي(9)” وأساس ذلك أن الإسلام.. جاء عالمي النزعة، إنساني المبادئ والقيم، لا يتحيَّز في شرعه ومبادئه لقوم دون قوم، يرسي العدالة العالمية التي يستوي في حكمها العربي والأعجمي، والأبيض والأسود، بل المسلم وغير المسلم. تأمَّل في خطاب الله تعالى في القرآن تجده يتجه إلى الناس جميعاً دون أي تمييز، إن تحدَّث عن العقائد وحقائق الكون وجّه خطابه إلى الناس جميعاً بقوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ } أو {يَا بَنِي آَدَمَ } وإن تحدَّث عن الأحكام والشرائع السلوكية، وجَّه خطابه إلى المؤمنين بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا } ، ولن تجده يخصُّ العرب أو أهل مكَّة، أو المدينة، أو قريشاً، أو أيَّ فئة أو أيَّ قوم من الناس، بأي خطاب يخصهم به دون غيرهم(10).
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر :
1 ـ بيضون، إبراهيم، كتاب الأنصار والرسول(صلى الله عليه و آله و سلم)، م. س، ص: 8.
2 ـ مأخوذ من مقال بعنوان(لماذا اختيرت المدينة كعاصمة للدولة الإسلامية ؟ لم نحصل عليه التصنيف: السيرة النبوية تاريخ النشر: 27 شوال 1428(8 / 11/ 007). منشور في موقع مداد.
3 ـ الراوي: أبو سعيد الخدري، المحدث: الألباني، المصدر: فقه السيرة، الصفحة أو الرقم (395).
4 ـ كتاب بيضون، إبراهيم، الأنصار والرسول (ص)، م. س، ص: 30.
5 ـ م. ن، ص: 9
6 ـ م. ن، ص: 38.
7 ـ مأخوذ من بحث باسم_( هجرة الرسول(صلى الله عليه و آله و سلم) وبناء الدَّولة والمجتمع الإسلاميِّين قراءة تحليليَّة نقديَّة في شبهات المستشرقين).الباحث : الشيخ علي ناصر. اسم المجلة : مجلة المنهاج. العدد : 54. السنة : السنة الرابعة عشر صيف 1430هجـ 2009 م. تاريخ إضافة البحث : 20 / 12 / 2015. منشور في المركز الاسلامي للدراسات الاستراتيجية. باب الكلام والعقيدة » دراسات وبحوث. والشيخ علي ناصر باحث في التاريخ والفقه الإسلامي، من لبنان.
8 ـ الحميري، المعافري، عبد الملك بن هشام بن أيوب، السيرة النبوية، م. س، ص: 256.
9 ـ أستاذ العقيدة للدراسات العليا في كلية الشريعة - جامعة دمشق، وعالم ومفكر وكاتب إسلامي شهير.
10 ـ "الإسلام والعولمة الثقافية"، مجلة المقتطف الثقافي، تصدر عن المركز الإستشاري للدراسات والتوثيق، العدد229، بيروت، 2 تموز 2003م، ص: 27.
أقرأ ايضاً
- ماذا بعد لبنان / الجزء الأخير
- ماذا بعد لبنان / 2
- مكانة المرأة في التشريع الإسلامي (إرث المرأة أنموذجاً)