بقلم: حنان الزيرجاوي
اجتاحني خوف ورعب وهلع... شبح الموت قد لاح في أفقي، كدتُ أفقد صوابي عندما رن الهاتف لإخباري بأنهم قادمون بسيارة الإسعاف لاصطحابي معهم إلى الحجر الصحي، بعد أن شكّوا بإصابتي بأعراض فيروس كورونا الذي راح يتفشى سريعًا في جميع انحاء العالم كالنار في الهشيم، حتى تلك الدول المتطورة التي تمتلك التكنولوجيا في مجال الطب لم ينفعها علمها مقابل ذلك الفيروس الذي لا يرى بالعين المجردة لنتجنبه، عند استعدادي للذهاب رمقت عيناي الأشياء من حولي... يمينًا ويسارًا، كادت روحي أن تخرج بالزفرات، كأن سلطان الموت يطرق ناقوسه في رأسي.
أأترك أولادي؟
من لهم وهم لا يزالون صغارًا؟
زوجي ورفيق عمري أأُفارقه هكذا فجأة دون سابق إنذار؟
هل لي بعودة أخرى يا ترى؟!
سأتركهم خوفًا عليهم، أخذت حدقتا عينَي تدوران في ما بينهم بنظرة المغشي عليه في سكرات الموت، رغم أنني سمعت أنّ أُناساً أُصيبوا بهذا الوباء، لكن لم يدركهم الأجل، يا لها من حيرة فليست لي القدرة على تحمل تركهم ولا البقاء معهم.
ودعتهم عن بعد فلم استطع عناق فلذة كبدي، غادرت بيتي والدموع تسابق خطواتي.
سارت بي سيارة الإسعاف، بدى لي طريقًا طويلًا دونما نهاية نحو الحجر الصحي، ليتم إدخالي في غرفة ليس فيها أحد سواي، سأكون مصدر رعب للأطباء والممرضين وللناس جميعًا.
هنا تجسدت لي أعمالي كأنها شريط يمر أمام عيني وقلبي وفكري، كل ما عملت طوال حياتي تمثل بمخيلتي في شريط طويل للصور والأحداث، بخيرها وشرها، صدقها وكذبها، عصيانها وتقواها، والدموع تتناثر كأنها حمم بركان قد تفجر من قلب محترق، كدت أموت قبل الموت، وكأنني اليوم أدركت حقيقة أنّ الإنسان لا بد أن يأتي عليه يوم ويرحل، ليس معلوماً أهو اليوم أو غدًا أو بعده، لكنه حتمًا سيغادر وترجع الأمانة لخالقها، ويترك الأهل والأحباب رغماً عنه وبدون توديع، ويسكن قبرًا مظلمًا، بعدما يهيلون عليه التراب ويغادرون.
الوحدة هناك والوحشة أكبر بكثير من هذا الحجر الصحي الذي يعالجنا فيه أطباء وكوادر صحية، هناك الشداد الغلاظ... زجر وعقاب إن لم نكن قد تهيأْنا، وبقينا في غفلتنا ولا مبالاتنا، وإن كان عندنا ضعف في جهاز المناعة، مما يجعلنا عرضة للإصابة بالفيروس، ويبقى فقط الرعب في أنفسنا في وقت لا ينفع فيه الندم، إن لم نتخذ سريعًا وقبل فوات الأوان الإجراءات الاحترازية، لتقوية جهازنا المناعي... المتمثل بالرجوع إلى فطرتنا النقية وأخلاقنا التي أمرنا الله تعالى بأتباعها لنقاوم وباء المعاصي والذنوب التي ستردينا صرعى في نار جهنم.