سالم مشكور
أغلب مصائبنا تأتي من قلة الوعي عند الكثيرين، وانعدامه عند البعض، وهو من أكبر آفات مجتمعنا وسبب أغلب مآسيه. غياب الوعي له أسبابه، واستمراره له أسباب بشرية عمدية وراءها أصحاب مصالح قد تكون شخصية أو فئوية. ففي غياب الوعي يمكن للذئاب البشرية تحقيق مصالحها الدنيئة بسهولة، وبتأييد شعبي كبير. وبحلول الجهل يكون الجمهور المستهدف هو من يقدم نفسه قرباناٍ في لعبة المصالح وصراع القوى. في ظل قلة الوعي أو انعدامه ترى الحشود تتجمع دفاعاً عن فاسد، وهي ترفع شعارات مكافحة الفساد. وفي ظل الجهل يصطف الناس طوابير لانتخاب فاسدين وقتلة ثم يأتي خصوم هؤلاء من الفاسدين أيضا ليدفعوهم الى مظاهرات تتخللها عمليات تدمير وتعطيل لحياة الناس وشعارات ضد من انتخبوهم هم بأنفسهم. في ظل الجهل يمكن تلقين الجمهور بعبارات ورفع شعارات لا يفقهون معناها أو ما وراءها، لكنهم مستعدون للموت في سبيلها. وفي ظل الجهل وغياب الوعي، يتجمهر الجهّال لكسر حظر التجوال الصحي معلنين انتصارهم على أنفسهم وداعين الوباء الى الفتك بهم.
في عراقنا المنكوب بجهله وغياب وعي قطاعات واسعة من أهله، وتسلّط فاسديه، عانينا غياب الوعي بفعل دكتاتورية دامت عشرات السنين، وعندما زال الدكتاتور، جاء كثير ممن لا يحقق مصالحه الشخصية والحزبية الّا في ظل الجهل، فكان الاستثمار في التجهيل بدل الاستثمار في بناء الوعي. لا يقتصر ذلك على السياسيين دون غيرهم، هناك جهات سياسية وحتى دينية لا تستطيع العمل في ظل الوعي، لأنه لا يأتي بالاتباع الطيّعين ممن يمكن تحريكهم بسهولة، أو لان وعيهم سيدفعهم الى طرح أكثر من سؤال وتشكيك بما يدعون اليه.
إذا كان من يستثمر غياب الوعي من أجل مصالح مادية ونفوذ وسلطة يضحي بحياة المجتمع وأمنه واستقراره ودماء أبنائه ودفع الناس الى المهالك الصحية والاجتماعية والأمنية ليتربع هو في النهاية على مقعد السلطة أو المال، فما بالك بجهات تريد استثمار الجهل بهدف قتل الجمهور ذاته الذي يصفق بغباء لشعاراتها الرنّانة.
ما الذي يريده من يدفع الناس الى كسر الحظر الذي فرض أساساً من أجل حماية الناس من وباء عالمي شلّ الحياة في كل مكان، وفتك بمجتمعات طالما عرفت بنظامها الصحي المتطور وتقنياتها الطبية الرائدة؟ لو كان هناك وعي لسأل هذا الجمهور المنتحر: ألم تتغلب الصين – وهي مصدر الوباء- عليه بالحجر الصحي لأسابيع؟.
هناك من يريد ابادتنا، وحاضنة مشروعه مجتمع قليل الوعي، وبعضه فاقد له أساساً.
المسؤول الأول هو من لم يعمل على بناء الانسان، بدءاً من وعيه، منذ ٢٠٠٣.