- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
عن تأثير تذبذب أسعار بيع النفط على عجز الموازنة العامة للدولة
بقلم: د. عماد عبد اللطيف سالم
كنتُ من بين الذينَ كتبوا مُحذِّرينَ الحكومة (والدولة العراقية عموماً) من النتائج الكارثيّة لتدهور(أو تذبذب) أسعار النفط على الإقتصاد.
غير أنّ هذا لا يعني استخدام البيانات الإقتصادية بما يُوافِقُ المزاج السياسي للكاتب ، أو لغرض الإستعراض المعرفي الفَجّ ، أو إنتهاج اسلوب التهويل ، وإثارة الفَزَع ، وأنعدام اليقين ، لكسب المزيد من اهتمام الناس العاديّين ، الذين أصبحوا خائفينَ على "أرزاقهم" الشحيحة من أيّ شيء ، وكُلّ شيء.
على من يُريدُ طرحَ موضوع أسعار النفط ، وتأثير انخفاضها على تفاقم عجز الموازنة العامة للدولة ، وأن ينقلَ ذلك للآخرين (ببساطةٍ وأمانة) ، أنْ يُفَرِّقَ ما بينَ السعر اليومي المُعلَن لبيع برميل النفط ، وبين معدل السعر السنوي الذي تمّ بيع برميل النفط بموجبهِ فعلاً.
السعر اليومي المُعلَن للنفط في السوق العالمية (وما يهمّنا هنا هو سعر مزيج خام برنت) يمنحنا مؤشِّراً لرصد المتغيّرات ذات الصلة بالسوق النفطيّة ، والتحسّب لتداعياتها المُحتَمَلة.
غير أنّ هذا السعر"اليومي" لا يمكنُ الإستنادُ اليه (لوحده) في تحديد حجم الزيادة (أو النقصان) في عجز الموازنة العامة للدولة.
ومن البديهيّاتِ التي لا تحتاجُ إلى خبرات اقتصادية"خارقة" ، وبات يعرفها أكثر الناس ، إنّ عجز الموازنة العامة للدولة يرتبطُ (أساساً) بحجم النفقات العامّة من جهة ، وبمعدّل السعر السنوي الذي نبيعُ به "نفطنا" ، من جهة اخرى.
لذا لا يَصِحُّ ان يخرجَ علينا أحدهم "شاهِراً سيفه" ، ويُحذِّرنا من عجزٍ "هائلٍ" في الموازنة العامة لعام 2020 ، لا لشيء ، إلاّ لأنّ سعر خام برنت بلغ يوم 8-3 -2020 ، 41.535 دولار للبرميل.
الصحيح (أو الأكثر دقّة) هو أن نعرفَ السعر التقديري لبيع برميل النفط في موازنة عام 2020، ونعرف حجم المعدّل السنوي "الفعلي" للصادرات النفطية ، ومعدّل السعر السنوي "الفعلي" الذي تمّ به بيع برميل النفط خلال العام 2020 بأسرِه ، ونقارن ذلك بحجم العجز "التقديري" ( الفرق بين الإيرادات الكليّة والنفقات الكليّة في الموازنة العامة للدولة) .. قبل إطلاق رصاص الكارثة القادمة في وجه العراقيّين.
مثال : تمّ اعتماد سعر قدرهُ 56 دولار للبرميل ، لبيع النفط العراقي في الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2019.
فإذا كان "المعدّل السنوي" لسعر بيع برميل النفط العراقي في عام 2019 بأسره هو 60 دولار للبرميل ، فإنّ هذا يعني أنّ العجز"التقديري" للموازنة العامة للدولة لعام 2019 قد انخفض بمقدار 4 مليار دولار (4.800 ترليون دينار) ، مع بقاء النفقات ، وبقيّة الإيرادات كما هي دون تغيير. والعكس صحيحٌ أيضاً .
وهذا يعني أنّ كلّ انخفاض مقداره دولار واحد في سعر بيع برميل النفط في السوق العالمية ، سيُخفّض الإيرادات النفطية العراقيّة "الفعليّة" ، كمعدّل سنوي ، بمقدار مليار دولار سنويّاً، مع بقاء معدّل حجم الصادرات النفطيّة ثابتاً دون زيادة او نقصان (يتمّ الإحتساب على اساس حجم صادرات قدره 3.5 مليون برميل يوميّاً × 360 يوم = 1.260 مليار دولار).
وهذا يعني أنّهُ لو تمّ احتساب "تقدير" سعر بيع برميل النفط في الموازنة العامة لعام 2020 بـ 50 دولار للبرميل ، وكان حجم العجز "التقديري" فيها 30 مليار دولار(36 ترليون دينار) ، وحدث إنْ انخفضت أسعار النفط من 50 دولار للبرميل (كمعدّل سنوي) ، إلى 40 دولار للبرميل ، فإنّ الإنخفاض في حجم العائدات النفطية سيكون بحدود 10 مليار دولار (10.2 ترليون دينار) ، وسيزداد العجز في الموازنة العامة للعام المذكور إلى 40 مليار دولار (48 ترليون دينار) ، مع بقاء بقية العوامل الأخرى (كحجم النفقات ، والإيرادات غير النفطية على حالها).
وبموجب بيانات وزارة النفط العراقية فإنّ "المعدّل "اليومي الكُلّي للصادرات النفطية لشهر كانون الثاني/ يناير 2020 ، كان 3.300 مليون برميل يوميّاً ، و"معدّل" سعر البيع كان 60.452 دولار للبرميل .
أمّا في شهر شباط /فبراير/2020 ، فقد بلغ "معدّل" سعر البيع 60.139 دولار للبرميل.
(راجع الرابط) .. ولاحِظ أنّ وزارة النفط هنا تتحدّث عن "معدّل" سعر بيع البرميل للشهر كُلّه ، وبالتالي لا يصُحّ ان نقول انّ العراق قد باع نفطه في شهر شباط استناداً لسعر برميل النفط في يومٍ واحدٍ منه (كأن يكون 50 دولار للبرميل في يوم 28 -2 – 2020 ) .. وهذا ينطبق على "معدّل" سعر البيع السنوي ، للعام كُلّه.
والآن .. سأقومُ بإزعاجكم قليلاً .
هل هناك إحتمال في أن تنخفِض اسعار النفط عن معدلاّتها الحاليّة في السوق العالمية ؟
- الجواب هو .. نعم.
ماذا سنفعل على المدى القريب ؟
- الجواب هو .. لا شيء.
ماذا استفاد العراق والعراقيّون عندما كان سعر بيع النفط لا يقلّ عن 100 دولار للبرميل ؟
- الجواب هو .. لا شيء.
أقرأ ايضاً
- ضمانات عقد بيع المباني قيد الإنشاء
- الآن وقد وقفنا على حدود الوطن !!
- الآثار المترتبة على العنف الاسري