- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
اعادة الثقة بالعملية السياسية
عباس الصباغ
كانت النسبة المتواضعة لنتائج الانتخابات البرلمانية الاخيرة اصدق مؤشر على تدني ثقة الشارع العراقي بالعملية السياسية المتعثرة وهي التي اعطاها صوته عبر صناديق الاقتراع ، وهذه النسبة دلت على تصويت حقيقي بالرفض لها كونها احبطت آماله في تحقيق عيش كريم وسعيد ، وقد أصابت المرجعية الرشيدة كبد الحقيقة حين اشترطت بان تحظى اية حكومة عراقية مقبلة برضا وثقة الشارع العراقي كشرط لتمرير اية كابينة وزارية وعدم الاكتفاء بقبولها برلمانيا ، وكما وصفت المرجعية مرحلة بعد الحراك الاحتجاجي بانها لن تكون مشابهة لما قبلها ، ومن اجلى مصاديق عدم التشابه ـ كما يُفترض ـ هو ان العملية السياسية القادمة لايكفي فقط أنها ستفرزها صناديق الاقتراع في الانتخابات التي باتت المطلب الستراتيجي والملحّ للشارع العراقي، والتي يجب ان تكون نزيهة وخالية من الشوائب والاخطاء التي شابت الانتخابات السابقة بنسخها المتعددة ، وانما يجب أن تكون ناتجة عن اقتناع شعبي وجماهيري (وليس حزبيا ) لها، لذا يتعيّن على اية حكومة مقبلة ومهما كان شكلها وطبيعتها الدستورية في حال توليها زمام الامور ان تقوم اولا بإعادة ثقة الشارع بالعملية السياسية ، وذلك من خلال اعادة ترميم العقد الاجتماعي العراقي الذي تعرّض للتشويه المستمر منذ تأسيس الدولة العراقية المعاصرة (1921) ولحد الان ومن ضمن آليات اعادة الثقة تأهيلُ العملية السياسية من جديد وعلى اسس دولتية صحيحة بعيدة عن منهج المحاصصة والتوافق التشاركي وهو ماسبّب الخراب الشمولي باستشراء الفساد المالي والاداري في جميع مفاصل الدولة العراقية الفتية، ليكون ذلك احد مخرجات الحراك الاحتجاجي السلمي ومن ثمار تضحيات شهدائه .
لم يحظَ المشهد السيوسولوجي / السياسي العراقي وطيلة عمر الدولة العراقية الحديثة بتفعيل حقيقي وفاعل لمقاربات العقد الاجتماعي الذي هو الآليات التي تنظِّم حياة الناس داخل المجتمع والدولة وتقنِّن علاقة الأفراد مع الدولة وفق أسس دولتية ومجتمعية صحيحة لاتخلُّ بأي طرف من أطراف تلك العلاقة وكما معمول به في الدول المدنية ، ومن يستقرئ تاريخ العراق المعاصر يرى ان هنالك خللا كبيرا جدا في طبيعة العلاقة بين طرفي العقد الاجتماعي العراقي استغرق ذلك فترة اغلب عمر الدولة العراقية المعاصرة التي تأسست لأكثر من مرة على اسس دولتية / حكوماتية خاطئة ، وطوال هذه العقود ـ قبل وبعد التغيير النيساني ـ لم تكن الثقة متبادلة بين السلطات على كافة اشكالها وبين الشارع العراقي بكافة الوان طيفه، ولا ابالغ ان قلت إنه بل لم تكن هنالك ثقة متبادلة بينهما اساسا ، فقد كانت هنالك فجوة كبيرة بينهما، وهما طرفا العقد الاجتماعي الذي يقنّن اطراف العلاقة حسب اواصر المواطنية الصادقة، بدليل ان تلك السلطات كانت تتعامل مع الشارع العراقي تعاملا بوليسيا قائما على الحديد والنار وايلاء المؤسسات الامنية والاستخبارية الاولوية على بقية القطاعات فضلا عن تكميم الافواه ومصادرة حرية التعبير ، والمؤسف له ان يستمر عدم الثقة بين الطرفين (المجتمع الاهلي والمجتمع السياسي) حتى بعد التغيير النيساني وتأسيس اول عملية سياسية منتخبة انتخابا ديموقراطيا حرا ، فقد تدنت مناسيب انعدام الثقة اكثر من قبل ، بسبب اخطاء التأسيس الدولتي الاخير الذي تسبّب في استشراء الفساد الشمولي في كافة مفاصل الدولة العراقية وانحدار مريع في مستوى الفقر والخدمات لعموم المواطنين، وهو ما ادى الى الاحباط وانعدام ثقة الشارع العراقي نهائيا بعمليته السياسية ما ادى الى الاحتقان الجماهيري الذي تمخض عنه الحراك الاحتجاجي التشريني المستمر الى الان ، لذا على اية كابينة وزارية مقبلة تتشكل وفق النتائج التي ستتولد عنها مخرجات هذا الحراك ،ان تضع ضمن اولويات برنامجها الحكومي اعادة ثقة الشارع العراقي بالعملية السياسية ، وان تطرح في هذا السياق برنامجا حكوميا قابلا للتحقيق بحسب خطة زمنية معينة يضعها خبراء تكنوقراط مختصون ، لتحظى تلك العملية بمشروعية ومقبولية مفقودة من زمان بعيد ، وليس عن طريق وعود شعاراتية رومانسية او مخملية تتبخر مع الزمن ، او تلك التي تبقى حبرا على ورق كالبرامج الحكومية السابقة والتي كانت تستفتح ديباجاتها بعبارات السين والسوف دون تحقيق نتائج ملموسة تذكر.
ان اعادة ثقة الشارع العراقي بالعملية السياسية تعطي تلك العملية قيمتها السياسية وجدواها ومقبوليتها ومشروعيتها ايضا لدى رجل الشارع البسيط ، ولكي لاتتكرر الاسباب التي ادت الى حدوث الانفجار التشريني مرة اخرى .
أقرأ ايضاً
- العراقيون يفقدون الثقة في الديمقراطية
- ثورة الحسين (ع) في كربلاء.. ابعادها الدينية والسياسية والانسانية والاعلامية والقيادة والتضحية والفداء والخلود
- التداعيات السياسية بعد قرار المحكمة الاتحادية