- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
في قصيدة النثر العربية ... سؤال الهوية
د.علي حسين يوسف
تولد الأجناس الأدبية وتختفي تبعا لإشترطات ذاتية محضة وأخرى موضوعية ويبدو أن هذا المبدأ لا يقتصر على زمان ثقافي معين مثلما لا يقتصر على جنس أدبي بعينه.
وقصيدة النثر لا تشذ عن هذه القاعدة فبوصفها جنسا أدبيا فرض نفسه بشكل واضح في السنوات الأخيرة لابد أن تخضع لتلك الاشتراطات وبالتالي يصبح البحث عن المبررات التي أوجدت قصيدة النثر وغذتها بالاستمرارية سؤالا عن شرعية هذه القصيدة ولابد أن يتساوق هذا السؤال مع القضية المنطقية التي ترى ضرورة ارتكاز الأشياء جميعا على شروط موضوعية وذاتية تتحكم في وجودها وديمومتها ورغم كثرة المعارضين لقصيدة النثر والشاكين في شرعية وجودها الأدبي يمكن القول أن هذا النوع من الأدب لم يكتسب وجوده لو لا توافر تلك الاشتراطات التي تمثل تطورا طبيعيا للشعر واستجابة لمتغيرات الزمن فلم يكن هناك أي بدّ من مسايرة اليومي وابراز العرضي وإشهار المسكوت عنه في زمن لم تعد المعالجات الكلاسيكية ولا الرومانسية قادرة على الكشف عن مخبئات تلك الهوامش لذلك كان ميلاد قصيدة النثر بعد مخاض عسير ابتدأ من احتفاء الشاعر بجماليات اللغة لينتهي إلى الاهتمام بانطباعاته الحدسية ليصوغها في تداولية لم تكن معهودة من ذي قبل في المعالجات الكلاسيكية للواقع الاجتماعي أو في المعالجات الرومانسية لعلاقات المجتمع الرأسمالي ولا في معالجات السوريالية المحكومة بمخلفات الحرب العالمية الثانية وبذلك كانت محاولات بودلير وملارميه ورامبو واليوت وباوند وطاغور وغيرهم استجابة طبيعية محكومة بزمانها وظروفها وفي واقعنا العربي يمكن تحديد البدايات المبكرة لميلاد قصيدة النثر مع بزوغ النهضة العربية الحديثة فكانت كتابات نقولا فياض وخليل مطران وجبران خليل جبران وامين الريحاني لكننا مع مجلة شعر ومحاولات محمد الماغوط وأنسي الحاج وأدونيس ويوسف الخال يمكن أن نلمس تأسيسا واضحا لقصيدة النثر العربية متأثرة بالنموذج الفرنسي لا سيما تنظيرات سوزان برنار في كتابها قصيدة النثر رغم أن تلك النماذج ـ إذا استثنينا كتابات أدونيس ـ لم تكن بمستوى ذائقة القارئ العربي وبذلك ظلت معزولة بعيدا عن متناول المتلقي العربي ويبدو أن هذا النفس المغترب ظل مسيطرا على قصيدة النثر حتى السبعينات , يقول الأستاذ عبد العزيز موافي: (وهكذا بدأ النموذج الجديد في الصعود من الهامش الى المتن.... وفي نفس اللحظة بدأ التجريب الحداثي مصحوبا بالتجديد الذي بدا بدوره جزءا حيويا من منظومة التغيير الشامل في الذاكرة الشعرية فالتجريد يعني غياب المضامين وبمعنى آخر غياب الواقع ومن خلال الحدس الصوفي أو الميتافيزيقي بدأ الشعراء في خلق عوالم أ خرى ما ورائية ليس فيها من الواقع إلا مجرد واقع لغوي... كلمات تتمرد على الدلالة واشكال تتمرد على مضامينها) ص21 ومع صعود الأصوات المعارضة بدأ كتاب قصيدة النثر بالتخفيف من حدة التجريد اللغوي مع الاحتفاظ بما ذكرته سوزان برنار من ضرورة الايجاز أو الكثافة والتوهج أو الاشراق واللازمانية والأهم من ذلك ارتباط الشاعر باللغة وحدها وانسلاخه من أي ترسبات أيديولوجية أو توجهه كليا إلى الاهتمام بالمحايثة اللفظية والابتعاد عن التصوير البصري واتباع آليات كثيرة في الصنعة الكتابية مثل السردية والتداعي والتكرار والفراغات والتنقيط والتناصات الواعية مع علوم الطبيعة والرياضيات ,لكن هذا كله ــ في رأي البعض ــ جعل من قصيدة النثر خيمة مفتوحة قد يكون الدخول إليها دون صعوبات في حين يرى آخرون أن قصيدة النثر أصبحت في أحيان كثيرة لا تمتلك هوية محددة فبالكاد يميزها القارئ عن الأجناس الأخرى كالقصة القصيرة أو الخاطرة أو الكتابة العادية على الرغم من أن اغلب كتاب قصيدة النثر يعتبرون كتاب سوزان برنار (قصيدة النثر) إنجيلا لهم لكنهم لم يأخذوا بنظر الاعتبار قولها: (وتفترض قصيدة النثر ــ وهو ما سبق أن قلناه ـ إرادة واعية للانتظام في قصيدة لابد أن تكون كلا عضويا مستقلا فيما يسمح بتمييزها عن النثر الشعري..).
أقرأ ايضاً
- الرزق الحلال... آثاره بركاته خيراته
- قل فتمنوا الموت إن كنتم صادقين... رعب اليهود مثالاً
- البيجر...والغرب الكافر