- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
هو الذي يبيع الماء على السقائين
حسن كاظم الفتال
كثيرا ما تحدونا الدعوات التي تردنا لحضور المحافل أو الندوات أو الأماسي الأدبية أو المؤتمرات وما أوسع مداها ونطاقها هذه الأيام.
إن ما ييسر سوقنا لحضور هذه التجمعات التأمل بأننا سنتزود بما يضيف لمكتسباتنا من معلومات إن وجدت وما يغني الذائقة الجمعية وذلك ما يولد عندنا الحرص أو الشوق للحضور.
ولكن سرعان ما يخيب آمالنا مشهد أصبح مألوفا لدى الكثير منا. وهو وجود شخص يشغل منصبا أو يحمل عنوانا وظيفيا ينطبق عليه مصطلح (مسؤول)مع تباين الدرجات الوظيفية أو الإدارية إذ هو مدير دائرة أو مؤسسة أو منظمة أو غيرها.
وما أن يطلب عريف الحفل من هذا المسؤول بالتكرم علينا والتفضل بالوقوف خلف المنصة حتى يستقيم الحضور بجلستهم وكلٌ يفغر فاهُ ويوسع مدى مسامعه ويتهيأ لإلتقاط ما سيريق علينا من درر الكلام التي يفتقر لها بعض الدارسين
ينهض هذا السيد المسؤول وهو يرتدي بدلة أنيقة تضفي عليه شياكة تتفوق على معظم الحاضرين يتقدم بكل ثقة وبتأنٍ كبير يرافقه شخص معين ليقف إلى جنبه ليعدل له ربطة عنقه إن مالت إلى اليسار أو اليمين قليلا أو ليضع عباءته على كتفيه بشكل متوازن أو ليناوله قدح الماء ساعة يحس بأنه شعر بالعطش. فيبدأ المسؤول ليحشو بسرده أسماعنا بما يجول في خاطره من عبارات بعيدة كل البعد على مضمون ما جئنا من أجله ويظن أنه يلقننا خير الكلام ويتعذر علينا أحيانا فهم عباراته أو تحديد إنتسابها إلى أي صنف تنتمي من أصناف العلم والمعرفة أهو علمي أو ديني أو لغوي أو جغرافي أو تاريخي. إذ أنها تفتقر للتجانس فيما بينها أحيانا.
لتجري مجرى القول أو المثل الشائع: (وحده بالشام ووحده بحلب).
إن عدم الرضا على إهدار بعضٍ من وقتك وإجبارك على أن تستمع ما يكاد أن يخرم مسامعك وما يسبب لك الإنزعاج لا يمنحك الحق لأن تعترض على المسؤول أو تقول له أفٍ أو توبخ أو تعاتب من دعاه أو من خوله ليتحدث. فما عليك إلا أن تتكئ على مساند الكرسي الذي خصص لجلوسك عليه وتنتظر الفرج وهو قادمٌ لا ريب. وبعد أن يتعبك التململ ويوجع فكَيَّك التثاؤب ويستغرق ذلك منك وقتاً ضائعا لا باس به وبينما تحاول أن تداري تذمرك أو امتعاضك يأتيك الفرج إذ أنه قد ختم حديثه والحمد لله. ولكن وقبل أن تتنفس الصُعداء يفاجئك بعض الجالسين إما بعاصفة من التصفيق أو بانطلاق الصوت بالصلاة على محمد وآل محمد إذا كان محل الإحتفال له سمة دينية وتتوحد الأصوات بانطلاق مفردة (أحسنت..أحسنت) أو (طيب الله أنفاسك)
وهذا ما جعله يظن بأنه أفاض علينا بما يستحق التزود منه وتحدث دون أي تردد أو ووجل غير أبهٍ بوجود من تكتظ بهم القاعة من العلماء والأساتذة وأصحاب الإختصاص من هم ليسوا فقط أحق منه بالتحدث بل يفترض أن يتحدثوا وهو يمكث جالسا صامتا ليستمع لأحسن الحديث فحسب.
هذا المشهد المؤسف لعله أصبح مألوفا عند بعض ملتقياتنا. وتوسع مدى إنتشاره. وإن تبدو أسباب انتشاره كثير إنما أبرزها الإطراء والمديح والثناء على معظم المسؤولين بغير وجه حق والسعي لتحويل سيئاتهم إلى حسنات وعدم ذكر أخطائهم ومواجهتهم أو تذكيرهم وذلك يتم ببالغ المراءات والممارات والمداهنة.
وهو أمر معيب ولابد أن يعالج وتستلزم معالجته تضافر الجهود وتعاضد جهات متعددة في إيقاف ديمومته أو السكوت عن الترويج له إذ أنه يخلف تداعيات وإنعكاسات تضر بكينونة المجتمع إجتماعيا وثقافيا وما يتعلق به وتترتب عليه تبعات وتداعيات.مما يتحتم معالجته ويقع ذلك على عاتق جهات كثيرة في مقدمتها المؤسسات وأخص الثقافية منها من تلك التي يتسم مديروها بالحكمة والفطنة والكياسة.لكي لا تخيب آمالنا تلك التراكمات وتلازمنا كثيرا وتخلق لنا بيئة غير صحية.