بقلم / هشام الفتلاوي
مع ضعف فهم بعض الناس لمفهوم الديمقراطية فهم يقبلونها ويؤيدون التوجه السلطوي بواسطتها كمنهج قيادي للدولة. ومرّد ذلك يعود الى أن الديمقراطية عندهم تعني ما يمثله الغرب من رفاه وتقدم. لذلك فأن الديمقراطية كخيار قيادي شعبي في العراق لايمكن أن يجد منافسا له لدى العراقيين بعد الان رغم فقرهم المعرفي بها. فهي خيارهم الوحيد المقبول الان. ولكن يبقى السؤال: كيف يمكن استخدام المفاهيم الديمقراطية في الوصول الى عقول ونفوس الناس ؟ وماهي الوسائل المتاحة لتحقيق هذا الهدف؟ وهل هنالك أرضية جاهزة لبناء المفاهيم الديمقراطية ؟
الاجابة عن ذلك بسيطة جدا من قبل القوى السياسية التي لها خبرة في العمل السياسي وبالأخص تلك التي عاشت فترات معينة في وسط -غربي ديمقراطي- ولها علاقات مع دول تتبنى الديمقراطية وهذه القوى تعتقد ان الديمقراطية يمكنها أن تكون ذات قيمة سياسية واقتصادية واجتماعية وفكرية على وفق أسس أهمها إتاحة التعددية الحزبية وإطلاق الحريات وإيجاد منظمات غير حكومية (مجتمع مدني)..
الا أن المشكلة لا تكمن هنا في وسائل تأسيس مجتمع ديمقراطي بل بكيفية أستخدام هذه الوسائل ؟ وماهي درجة قبول المجتمع لها ؟وماهي الطرق التي يمكن بها ايصال القناعات بهذه الوسائل الى الناس؟ وفي محصلة ماذكرناه يرجعنا كل هذا الى السؤال الذي بدأنا به هذا البحث وهو:-هل يمتلك المجتمع والفرد العراقي أسس وركائز يمكن استخدامها كنقاط ارتكاز لإقناعه بالطروحات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تريدها القوى بكل اتجاهاتها؟
نقول نعم..ولكن قبل الاسترسال في ماهية هذه الركائز نقول. أنه -وللأسف- نلاحظ وعلى مدار السنيين التي تلت التحرير أو الاحتلال (كما يحلوا تسميته) لم تتمكن كل القوى السياسية من اقناع العراقيين بشكل لافت للنظر بضرورة إقامة الدولة الديمقراطية..فضلا عن أن الطروحات الديمقراطية لم تجد صدى واسعا حتى لدى الطبقة المثقفة من العراقيين..والسبب في ذلك يعود لكون كل القوى السياسية عملت بوتيرة واحدة وسبيل واحد هو خلق مفاهيم جديدة لطروحاتهم السياسية مستمدة من الخبرة غير العراقية..أي محاولة الاستفادة من خبرات الشعوب الاخرى في الديمقراطية والتي تختلف في هيكليتها الاجتماعية عن الشعب العراقي..ولذا لم تفلح في استخدام مايمتلكه الشعب العراقي من خبرات وركائز أساسية لاستغلالها في ايصال هذه المفاهيم الى عقول الناس وبالتالي نفوسهم..
اننا نعتقد ان المجتمع العراقي مجتمع عشائري، وان انتساب الشخص في الاول والاخير هو الى العشيرة ولايمكن التخلص من هذا الانتساب مهما بلغ من مراتب علمية او ثقافية وحتى في أحوال رفضه للنظام العشائري فإننا نرى أنه لايرفض العشيرة بل نظامها فقط.. ومن المفارقات انه بالوقت الذي يكتب فيه المثقف نقدا لاذعا ربما الى النظام العشائري فانه يضع اسم عشيرته صنوا لاسمه في عنوان كتاباته.وهنا نقول أن العشيرة تختلف عن النظام العشائري..وفي هذا يقع خطأ التقيم في معظمه..
أن المجتمع العراقي قائم على العشيرة ولا نجد أحدا من العراقيين(إلا القلة منهم) ممن لايدينون بولائهم (المادي أو المعنوي) الى العشيرة..ولكننا في الوقت نفسه نجد ان الاتجاه الغالب لدى العراقيين هو بالضد من النظام العشائري..وهذا له ما يبرره فالعشائر في العراق وخصوصا خلال السنوات الخمسين الاخيرة قد تخلت كثيرا عن دورها القيادي للناس وبالمقابل تخلى الناس عن الولاء (قياديا) الى قيادات عشائرهم لكون النظام العشائري لم يستطع مواكبة التطور السريع والهائل على جميع أصعدة حياة الفرد والمجتمع ما أدى إلى تخلي الفرد والمجتمع عن النظام العشائري ليتبنى أنظمة اجتماعية وسياسية حديثة طالبا بها حضوره المادي وهذا الكلام يستوعب بحثا منفصلا غير الذي نحن بصدده الان..وأقصد بذلك أسباب ظهور الهوة مابين النظام العشائري والعشيرة..
أقرأ ايضاً
- ماذا بعد لبنان / 2
- كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟ (الحلقة 7) التجربة الكوبية
- مكانة المرأة في التشريع الإسلامي (إرث المرأة أنموذجاً)