- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
تظاهراتنا .. وبيان "الصمت"- ح1
بقلم: عادل الموسوي
بالأمس وعند الزوال من يوم الجمعة حنّ المنبر وأنّ في الصحن المقدس.. إذ لا بيان لسماحة السيد المرجع..
تصفحت الوجوه بعضها..
عزفت الأقلام عن الكتابة..
إصفرّت الأوراق وبليّت..
خشعت الأصوات للصمت البليغ..
وهمس الجميع فرقاً: لعل الحليم غضبان إسفاً..
عقمت الأفكار ثم ضحكت أتلد وهي عجوز عقيم..
فسطّرت الأقلام تفسيراً كأنه الميزان تشرح فيه سورة "الصمت".
بالأمس لم يجد المولعون ببيانات السيد المرجع ما يتأملون به ويستنبطون منه، وما يتسابقون به من إقتباسات وإشارات.
فجالت بهم الأفكار وربما كتبوا في "الصمت" أكثر مما كتبوا في "البيان".
وقد ساقني الوله الى مراجعة البيانات الأحد عشر الأخيرة التي واكبت الإحتجاجات الحالية منذ إنطلاقها، فرأيت أن أفهرس بعض موضوعاتها بعد تمهيد:
إن خلاصة الواقع العراقي العام بعد الإحتلال الأخير هي مركب من معادلة كثيرة العناصر منها:
تركة ثقيلة ومخلفات للنظام السابق، تدمير وإحتلال ومخططات دولية وحل لمؤسسات الدولة، صراعات دولية وإقليمية، قوى سياسية ومؤتمرات سابقة وبرامج للحكم، الداخل والتركيبة العامة الفكرية والثقافية والسياسية والإجتماعية وتطلاعات وولاءات متعددة، ومستقبل غير معلوم.
ومع المعادلة محور إساس إسمه المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف، ومن الموقع المعنوي لها إتخذت على عاتقها الإرشاد والدعم لتصحيح المسار بهدف الوصول الى "مستقبل ينعم فيه الشعب بالحرية والكرامة ويحضى بالتقدم والإزدهار ويحافظ فيه على قيمه الأصيلة ومصالحه العاليا".
وتقابل ذلك محاور عدة وصراعات نفوذ متعددة لتنفيذ إرادات مختلفة من:
- مخططات دولية لحفظ مصالحها السياسية والإقتصادية والأمن القومي لحلفائها.
- مصالح القوى الإقليمية ومتطلبات حفظ أمنها القومي.
- مخططات العودة بالبلد الى عصر الدكتاتورية المقيتة.
كانت أولى الخطوات -بعد المعالجات الإجمالية للشأن العام والموقف الشرعي- هي التأسيس وإعادة بناء الدولة وإختيار نظام الحكم المناسب لها.
كان محور الخلاف في خيارات إخراج الإحتلال موضوعاً لتدخلات خارجية ساهمت في ما أفرزته المعادلة التي نعيش نتيجتها الآن.
كانت الرؤية في إخراجه قليلة المؤونة فالمرجعية الدينية لم تفت بالجهاد لعدم التكافؤ فكان المنهج في إخراجه إبطال مبررات وجوده، ويتطلب ذلك حتمية وجود حكومة شرعية ودستور ينبثقان من جمعية وطنية.
"لقد سعت المرجعية الدينية منذ سقوط النظام الإستبدادي السابق في أن يحل مكانه نظام يعتمد التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة عبر الرجوع الى صناديق الإقتراع في إنتخابات دورية حرة ونزيهة وذلك إيماناً منها بأنه لا بديل عن سلوك هذا المسار في حكم البلد.."
ودعت الى تشكيل لجنة لمفاتحة القوى السياسية لتشكيل قائمة وطنية وظيفتها مع بقية القوائم بعد إنتخاب الجمعية الوطنية:
-تشكيل لجنة لكتابة الدستور لعرضه على الإستفتاء الشعبي.
-تشكيل الحكومة الإنتقالية للتهيئة للإنتخابات النيابية.
وأبداً.. لم تؤيد المرجعية الدينية اي من القوائم المتنافسة، وما أشيع في إنتخابات الجمعية الوطنية فهو محض إفتراء روجت له الأطراف المستفيدة وأسعدها عليه دعوة اللجنة السداسية لتشكيل القائمة، والركون الى قديم الذكر الحسن المأمول في تلك الأطراف.
لقد كانت مهمة تلك الجمعية مؤقتة ومحددة بما ذكرناه، لذا فقد صرحت المرجعية الدينية في الإنتخابات الأولى لمجلس النواب عن موقفها بأنها تقف على مسافة واحدة من جميع الكتل.
وخلاصة المعادلة بين الصراعات الدولية والإقليمية لتقاسم النفوذ وبين القوى السياسية لتقاسم السلطة والمغانم، كانت التوافقات والمحاصصة وغض النظر عن فساد البعض من البعض الآخر، مع برامج عملية لترسيخ هذه الحالة من سن قوانين تضمن السيطرة والبقاء في السلطة ومنها قانون الإنتخابات المجحف والمفوضية "غير المستقلة"، وأساليب ملتوية لحصد الأصوات والﻹتفاف عليها من: أنظمة الإنتخاب، والدفع بإتجاه الإصطفافات الطائفية بعد العمليات الإرهابية والطائفية، مع تعكز على رموز وشعارات دينية.
سنّت القوانين التي تمنح المسؤولين وفئات معينة إمتيازات غير عادلة..
وتم تقسيم الوزارات وتشكيلاتها ومشاريعها لتمويل نشاط الأحزاب..
ومن جهة أخرى فإن القوى الدولية والإقليمية لها منافسة أيضاً في مجال الإقتصاد والمشاريع غير فرض النفوذ والتحكم بالقرار السياسي..
ومن سوء الإدارة وفشلها، الى التفجيرات والعمليات الإرهابية الى الحرب الأخيرة ضد الإرهاب..
وتداعيات الإقتراض من البنك الدولي..
وجميع ذلك كان على حساب الشعب ومقدراته، فوصلت معاناة الشعب ومأساته حداً لا يطاق.
لم يكن جميع ذلك نتيجة لتلك المعادلة بل إن تلك النتيجة أريدت لها تلك المعادلة بتهيئة عناصرها لهذا الشعب، لتكون صفحة أخرى من صفحات التآمر عليه،
إكمالاً لمخططات دولية لإتمام الصفقة المعروفة.
ومخططات أخرى خبيثة للرجوع عصر الدكتاتورية المقيتة..
وهي الأخطار التي تهدد مستقبل البلد وطمس هويته الثقافية والتي من أهم ركائزها الدين الإسلامي الحنيف.
ما تقدم كان خلاصة تقريبية لما نشهد نتيجته اليوم من وضع قلق وخطير ووجه آخر للمشهد لم تتبين ملامحه الكاملة بعد، والتفصيل نستعرضه في ما يلي من فقرات بيانات المرجعية الدينية المبلغة بخطب الجمعة التي واكبت الإحتجاجات الأخيرة وبعض آخر من البيانات المتعلقة بالموضوع:
أولا- البيانات التي تعرضت لمواقف المرجعية الدينية:
الموقف من الأوضاع العامة:
المرجعية الدينية حين تستعرض في بياناتها ما آلت اليه الأمور لابد ان يكون ذلك تعبيراً عن رفضها لذلك الواقع المأساوي الذي يمر به البلد وهو ما لم تتمناه وتهدف إليه من "مستقبل ينعم فيه الشعب بالحرية والكرامة..".
ومما بينته المرجعية الدينية من الواقع الذي يشهده البلد ويعاني منه الشعب:
- ما جاء في خطبة الجمعة 2018/7/27 التي واكبت تظاهرات البصرة العام الماضي:
"يعلم الجميع ما آلت اليه أوضاع البلد وما تعاني منه هذه الأيام من مشاكل متنوعة وأزمات متشابكة، وكانت المرجعية الدينية تقدر منذ فترة غير قصيرة ما يمكن أن تؤول اليه الأمور فيما إذا لم يتم إتخاذ خطوات حقيقية وجادة في سبيل الإصلاح ومكافحة الفساد وتحقيق العدالة الإجتماعية، ومن هنا قامت على مر السنوات الماضية بما يمليه عليها موقعها المعنوي من نصح المسؤولين والمواطنين من تفادي الوصول الى الحالة المأساوية الراهنة".
- "لم تجري الأمور كما تمنتها المرجعية الدينية وسعت اليها، وإستمرت معاناة معظم المواطنين بل إزدادت بسبب نقص الخدمات وإستشراء البطالة وتراجع القطاعين الزراعي والصناعي بصورة غير مسبوقة، وكل ذلك نتيجة طبيعية لإستشراء الفساد المالي والإداري في مختلف مرافق الدولة ومؤسساتها والإبتعاد عن الضوابط المهنية في تسييرها وادارتها".
- بينت في خطبة الجمعة 2019/6/14 ذكرى فتوى الدفاع المقدس، أن لاخطوات عملية للحكومة في تنفيذ التوجيهات والنصائح حيث بينت أنه:
- "لايزال التكالب على المناصب والمواقع يمنعان من إستكمال التشكيلة الوزارية..".
- "ﻻ يزال الفساد المستشري في مؤسسات الدولة لم يقابل بخطوات عملية واضحة للحد منه ومحاسبة المتورطين به.. ".
- "لاتزال البيروقراطية الإدارية وقلة فرص العمل والنقص الحاد في الخدمات الأساسية تتسبب في معاناة المواطنين وتنغص عليهم حياتهم.. ".
- "لاتزال القوانين التي منحت إمتيازات مجحفة لفئات معينة على حساب سائر الشعب سارية المفعول ولم يتم تعديلها".
أما ما واكب التظاهرات الحالية التي نشهدها اليوم فقد:
- بينت "إنه بالرغم من مضي مدة غير قصيرة على بدء الإحتجاجات الشعبية المطالبة بالإصلاح، والدماء الزكية التي سالت من مئات الشهداء وآلاف الجرحى والمصابين في هذا الطريق المشرِّف، إلا إنه لم يتحقق إلى اليوم على أرض الواقع من مطالب المحتجين ما يستحق الإهتمام به، ولا سيما في مجال ملاحقة كبار الفاسدين وإسترجاع الأموال المنهوبة منهم وإلغاء الإمتيازات المجحفة الممنوحة لفئات معينة على حساب سائر الشعب والإبتعاد عن المحاصصة والمحسوبيات في تولي الدرجات الخاصة ونحوها، وهذا مما يثير الشكوك في مدى قدرة أو جدية القوى السياسية الحاكمة في تنفيذ مطالب المتظاهرين حتى في حدودها الدنيا، وهو ليس في صالح بناء الثقة بتحقق شيء من الإصلاح الحقيقي على أيديهم".
- وأوضحت "إن المواطنين لم يخرجوا الى المظاهرات المطالبة بالإصلاح بهذه الصورة غير المسبوقة ولم يستمروا عليها طوال هذه المدة بكل ما تطلب ذلك من ثمن فادح وتضحيات جسيمة، إلا لأنهم لم يجدوا غيرها طريقاً للخلاص من الفساد المتفاقم يوماً بعد يوم، والخراب المستشري على جميع الأصعدة..".
-وكشفت إن ذلك كان "بتوافق القوى الحاكمة ـ من مختلف المكونات ـ على جعل الوطن مغانم يتقاسمونها فيما بينهم وتغاضي بعضهم عن فساد البعض الآخر، حتى بلغ الأمر حدوداُ لا تطاق، وأصبح من المتعذر على نسبة كبيرة من المواطنين الحصول على أدنى مستلزمات العيش الكريم بالرغم من الموارد المالية الوافية للبلد".
الموقف من القوى السياسية:
- لم تكن المرجعية الدينية راضية عن الأوضاع المأساوية التي يشهدها البلد، والتي سببها إنحراف القوى السياسية عن المسار الصحيح للحكم، لذا أغلقت الباب عن إستقبالهم، ووضعت شروطاً لإنهاء القطيعة معهم، وفي بقاء الباب موصداً دلالة على عدم توفر الشروط وعدم رضا المرجعية عنهم، ثم نصحت لهم، ثم أنذرتهم ومنحتهم فرص كثيرة، ثم فرصة فريدة، لكن تلك القوى زهدت تلك الفرص، فكان لا مناص من تغيير كل تلك الوجوه التي لم تجلب الخير للبلد، وكان ذلك بخطوات متتالية منها:
-طلب الإسراع في إقرار قانون منصف لا يلتف على أصوات الناخبين ويمنح الفرصة لتغيير الوجوه.
- دعت الى إستقالة الحكومة.
- دعت الى اجراء إنتخابات مبكرة.
- دعت النخب الفكرية والكفاءات الوطنية لتنظيم صفوفها وكتابة برامجها الإنتخابية إستعداداً للإنتخابات المقبلة.
وقد عبرت عن جميع تلك المواقف ببياناتها المستمرة المبلغة بخطب الجمعة، ومنها:
- "لقد نصحت المرجعية الدينية مراراً وتكراراً كبار المسؤولين في الحكومة وزعماء القوى السياسية بأن يعوا حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم وينبذوا الخلافات المصطنعة التي ليس ورائها إلا المصالح الشخصية والفئوية، ويجمعوا كلمتهم على إدارة البلد بما يحقق الرفاه والتقدم لأبناء شعبهم، ويراعوا العدالة في منح الرواتب والمزايا والمخصصات ويعملوا للإصلاح فيمتنعوا عن حماية الفاسدين من أحزابهم وأصحابهم ".
- وأنذرت من بيدهم السلطة بأنهم إذا كانوا "يظنون أن بإمكانهم التهرب من إستحقاقات الإصلاح الحقيقي بالتسويف والمماطلة فإنهم واهمون، إذ لن يكون ما بعد هذه الإحتجاجات كما كان قبلها في كل الأحوال، فليتنبهوا الى ذلك".
- وأنذرت من "إنّ أمام القوى السياسية الممسكة بزمام السلطة فرصة فريدة للإستجابة لمطالب المواطنين وفق خارطة طريق يتفق عليها، تنفّذ في مدة زمنية محددة، فتضع حدّاً لحقبة طويلة من الفساد والمحاصصة المقيتة وغياب العدالة الاجتماعية، ولا يجوز مزيد المماطلة والتسويف في هذا المجال، لما فيه من مخاطر كبيرة تحيط بالبلاد".
- أوضحت "إن الحكومة إنما تستمد شرعيتها ـ في غير النظم الإستبدادية وما ماثلها ـ من الشعب، وليس هناك من يمنحها الشرعية غيره، وتتمثل إرادة الشعب في نتيجة الإقتراع السري العام إذا أجري بصورة عادلة ونزيهة، ومن هنا فإن من الأهمية بمكان الإسراع في إقرار قانون منصف للإنتخابات يعيد ثقة المواطنين بالعملية الإنتخابية ولا يتحيز للأحزاب والتيارات السياسية، ويمنح فرصة حقيقية لتغيير القوى التي حكمت البلد خلال السنوات الماضية اذا أراد الشعب تغييرها وإستبدالها بوجوه جديدة، إن إقرار قانون لا يمنح مثل هذه الفرصة للناخبين لن يكون مقبولاً ولا جدوى منه، كما يتعين إقرار قانون جديد للمفوضية التي يعهد اليها بالإشراف على إجراء الإنتخابات، بحيث يوثق بحيادها ومهنيتها وتحظى بالمصداقية والقبول الشعبي".
- دعت الى إستقالة الحكومة وإن ذلك كان "بالنظر الى الظروف العصيبة التي يمر بها البلد، وما بدا من عجز واضح في تعامل الجهات المعنية مع مستجدات الشهرين الأخيرين بما يحفظ الحقوق ويحقن الدماء فان مجلس النواب الذي إنبثقت منه الحكومة الراهنة مدعوّ الى أن يعيد النظر في خياراته بهذا الشأن ويتصرف بما تمليه مصلحة العراق والمحافظة على دماء أبنائه، وتفادي إنزلاقه الى دوامة العنف والفوضى والخراب، كما أنه مدعوّ الى الإسراع في إقرار حزمة التشريعات الإنتخابية بما يكون مرضياً للشعب تمهيداً لإجراء إنتخابات حرة ونزيهة تعبر نتائجها بصدق عن إرادة الشعب العراقي، فإن التسويف والمماطلة في سلوك هذا المسار ـ الذي هو المدخل المناسب لتجاوز الازمة الراهنة بطريقة سلمية وحضارية تحت سقف الدستور ـ سيكلف البلاد ثمناً باهضاً وسيندم عليه الجميع".
- وجهت بحل للخروج من الأزمة، حيث قدمت لذلك ب"إن الشعب هو مصدر السلطات ومنه تستمد شرعيتها ـ كما ينص عليه الدستور ـ وعلى ذلك فإنّ أقرب الطرق وأسلمها للخروج من الأزمة الراهنة وتفادي الذهاب الى المجهول أو الفوضى أو الإقتتال الداخلي ـ لا سمح الله ـ هو الرجوع الى الشعب بإجراء إنتخابات مبكرة، بعد تشريع قانون منصف لها، وتشكيل مفوضية مستقلة لإجرائها، ووضع آلية مراقبة فاعلة على جميع مراحل عملها تسمح بإستعادة الثقة بالعملية الإنتخابية".
- لقد قررت بما لا رجعة فيه تغيير تلك الوجوه ل"يأتي الدور للنخب الفكرية والكفاءات الوطنية الراغبة في العمل السياسي لتنظم صفوفها وتعد برامجها للنهوض بالبلد وحلّ مشاكله المتفاقمة في إطار خطط عملية مدروسة.. وما لديهم من برامج قابلة للتطبيق للعبور بالبلد الى مستقبل أفضل..".
يتبع في الحلقة الثانية: "الموقف من الإحتجاجات السلمية".
أقرأ ايضاً
- الرزق الحلال... آثاره بركاته خيراته
- نتائج التسريبات.. في الفضائيات قبل التحقيقات!
- القرآن وأوعية القلوب.. الشباب أنموذجاً