بقلم: محمد شياع السوداني
لم تعد الحاجة الى اجراء إصلاحات جذرية سياسية واقتصادية وحتى اجراء تعديلات دستورية وكذلك القيام بحملة حقيقية لمكافحة الفساد مطلبا للمحتجين والمتظاهرين فحسب، بل تحول ذلك الى هدف للجميع وحديث الناس في كل مكان، هذا الإجماع الذي لا يجرؤ حتى المتضررون منه التجاهر بمخالفته، وفر زخما هائلا للمضي قدما في عملية الإصلاح المنشودة، ومن هنا ينبغي ان يلتفت الجميع لا سيما المحتجون والمحتشدون حاليا في الشوارع والساحات الذين كان لهم فضل إطلاق هذا الحراك المبارك الى التركيز على المفاصل الحيوية التي تحتاج الى الإصلاح والتغيير وعدم الانشغال وتضييع الوقت بالتفاصيل التي ليس من ورائها طائل.
شيئا فشيئا تتبلور خارطة طريق يتحتم متابعتها بدقة ومواصلة العمل على أساسها، نستطيع القول ان الاتجاه اصبح واضحا نحو البدء بإصلاح القوانين المفصلية التي لا يمكن تغيير الواقع والقيام بعملية إصلاح حقيقية وتغييرات جذرية دون اجراء تعديل جذري وأساسي فيها، في مقدمة هذه القوانين اثنان:
الاول: قانون الانتخابات الذي يعد البناء التحتي الذي تشيّد عليه الأبنية الفوقية من الأحزاب السياسية وأوزانها الشعبية ومن ثم البرلمانية ومايترتب على ذلك من استحقاقات سياسية وغير سياسية. ويبدو ان ألاحزاب لدينا اكتسبت خبرة في هذا المجال اكثر من اي مجال آخر وصارت تتقن عملية ادارة الموضوع بما يضمن مصالحها في مختلف الأحوال، وذلك يتم بطرق قانونية ولكن بصياغات مختلفة لا يشخصها الا المتمرسون في هذا المجال ومن هنا تشتد حاجة المحتجين الى مفاوضين و خبراء قانونيين يمكنهم ترجيح صياغة من هذه الصياغات لضمان حصول تغيير او إصلاح، ويمكن أن يتحول ذلك الى مطلب يصر عليه المتظاهرون ويرفضون المساومة عليه، فنحن الآن شئنا ام أبينا تحولت الساحات لدينا والحشود في مختلف محافظات الحراك الى ما يشبه البرلمان الثاني الذي قد يكون أصدق تمثيلا لصوت الأمة من الأول أي مجلس النواب الحالي، وطالما كان هناك محتجون ومتظاهرون سلميون يعتصمون على مقربة من البرلمان وتكاد اصواتهم تسمع داخله لا يستطيع البرلمان الحالي تمرير قوانين بدون الاستماع اليهم والأخذ بنظر الاعتبار ما يقدمونه من رؤى وافكار، فكونوا أيها الشباب على بينة من ذلك ولا تنشغلوا بصغائر الأمور وتتركوا عظائمها فتذهب تضحياتكم العزيزة والغالية دون ثمن يمكن ان يرقى الى مستواها لا سمح الله.
ثانيا: قانون المفوضية العليا للانتخابات او اي هيئة تتولى ادارة العملية الانتخابية والإشراف عليها بغض النظر عن اسمها وعدد أعضائها وغير ذلك، و هذه هي الأخرى على جانب كبير من الأهمية لإنجاز اي عملية انتخابية ذات معنى ومصداقية، لا قيمة لأي انتخابات غير موثوقة ولا وزن لأي اقتراع شعبي مالم يكن بأيدٍ امينة وغير منحازة؛ لذا عليكم ان تفتحوا عيونكم جيدا كي لا نسلم اصوات الشعب وهي اثمن ما تملكه اي أمة إلا بأيدٍ امينة وكفوءة.
ومن حسن الحظ ان القانونين الآن قيد المناقشة في البرلمان الاول او قل في الغرفة الاولى من البرلمان (اي مجلس النواب) وأنتم الغرفة الثانية التي ستكون اكثر فاعلية وتأثيرا وهي ساحاتكم التي تصدح بصوت الشعب وتتحسس آلامه أكثر من غيرها.
بعد إصلاح هذين القانونين نكون قد هيأنا الأدوات اللازمة لإطلاق انتخابات اصدق تعبيرا عن إرادة الشعب ولكن لابد من توفر حكومة قوية لديها قوة مهابة وارادة صادقة في اجراء انتخابات نزيهة، لا مجال لترك الأمور سائبة بيد المليشيات والعصابات الطامحة بغطاء سياسي لممارساتها أضافة الى ما لدى الكثير منهم من مال سياسي وفير من الفساد يمكن أن يُسخر كله لشراء الذمم وكسب أصوات الفقراء المحتاجين للقمة العيش، ولا مجال للتهاون امام عمليات التزوير والتهديد والتحشيد خارج إطار القانون التي زخرت بها الانتخابات السابقة فجاءت بنتائج عرجاء لا يطمئن لها احد وما نعيشه اليوم هو احدى نتائجها.
ان اقالة الحكومة كحلقة اخيرة في هذه السلسلة ستكون شيئا لابد منه لإعادة الاعتبار الى الانتخابات وكل مظاهر الدولة، لقد تدهورت هيبة الدولة وانهارت معها هيبة القانون ولم يعد بإمكان الحكومة الحالية استعادتها، فلابد من تشكيل حكومة جديدة يكون اكبر همها اجراء انتخابات سليمة واعادة الاعتبار الى القانون ومؤسسات الدولة خلال فترة زمنية محددة غير طويلة.
أقرأ ايضاً
- كيف السبيل لانقاذ البلد من خلال توجيهات المرجعية الرشيدة ؟
- ما دلالات الضربة الإسرائيلية لإيران؟
- ما هو الأثر الوضعي في أكل لقمة الحرام؟!