بقلم: حسن رفعت الموسوي
تستخدم الأنظمة نفس أساليب القمع والاستبداد للحفاظ على بقائها في السلطة رغم فشلها الواضح بإدارة الدولةِ و لا شك أن الأنظمة الأخرى تدرس الأحداث، وتتعلم منها وكثيراً ما تغير من أساليبها لتجاوز الأسباب التي تسببت في سقوط أنظمة مماثلة، أو أجبرتها على التفاعل إيجابياً على غير رغبتها مع مطالب الشعب.
و في المقابل فإن الشعوب تواصل المطالبة بحقوقها متجاهلة القمع الذي تستخدمه الأنظمة، وبعض الشعوب تجاوزت كل الخطوط الحمراء التي حاولت الأنظمة لسنوات فرضها. لا شك إن تجربة 16 عاماً قد وضعت النظام في مأزق كبير، ولا شك إن هذا النظام لم ولن يستطيع أن يقدم ما يقنع الشعب بأن التجربة تستحق الدعم. يمكن القول بانها المرة الأولى التي، يتحرّك الشعبُ العراقي بصفته شعباً، وليس مجموعة طوائف وجماعات وأحزاب.
ومن قلائل المرات التي، يعي هذا الشعب أنه لن ينجو ويجد الخلاص إلا بإسقاط الثُلة الفاسدة، هؤلاء الذين صادروا إرادته وتاجروا بلقمته واذاقوا الشعب مُر ما يمتلكون، بوقاحةٍ وجلافةٍ ما بعدها وقاحة. لقد اكتفى العراقيين من الاستخفاف بعقولهم، ومن تخويفهم وتهديدهم وإذلالهم، واختطاف لقمة عيشهم وامتهان كراماتهم. لقد طفح الكيل وقالوا كفى، ردّدها الكبير والصغير.
لقد اجتمعوا في الساحات وكأنهم يعيدون اكتشاف ذواتهم للمرّة الأولى، يتناظرون، ويتخاطبون ويتصافحون ويتعرّفون على بعضهم البعض وقد خرجوا على سُلطة احزابهم و ارتباطاتهم التنظيمية بها، وهتفوا ضد طغمةٍ فاسدةٍ، قاتلة، عفنة منحرفة تراوغ وتهادن وتحتقر وترفع الإصبع وتهدّد بالسلاح كُل من يقف بطريق كسبها للثروات اللا مشروعة.
الحراك الذي ظهر ويعبر عن أوضاع المفقرين و ليكون اصطفاف شعباً ضد من ينهبه، وهو أكثر ما يقلق السياسيين الفاسدين، حيث أن الحراك تجاوز سلطتهم وتحكّمهم وتلاعبهم بوضع الشارع و السيطرة عليه عن طريق اجنداتهم. صرخ المحتجون في يوميات الاحتجاج، و أوضحت خطاباتهم قدر الوجع والأزمة الشاملة، والمستندة إلى حقائق التفاوت والصراع الطبقي.
كلنا موجوعون، نحن المهمشين والعاطلين من العمل، والعاملين بأجر، والمواطنين الذين يعانون نقص خدمات التعليم والصحة وخراب البنية التحتية.. الخ من احتياجات الشعب. الغطاء السياسي طيلة الحكومات السابقة جعل النهب سلوكاً محمياً وسهلاً ما دامت الغنيمة توزع على الجميع بالتساوي، مال ونفوذ وسلطة ومناصب، وفي جو الغنيمة والإفلات من العقاب وتسطيح الأمور وسوء الإدارة وغياب الإنجاز وإستسهال الشعب، غابت المراجعات، وأي نظام سياسي يفتقد للمراجعات ولا يتوقف عند الإخفاقات لتصحيحها سيجد نفسه في لحظة إنتشائه بمواجهة أزمته الوجودية الكبرى، سيجد نفسه وطبقته وسحته في عنق الزجاجة.
ختاماً يمكن القول إنها انتفاضةُ وعيٍ سياسيّ مستجدّ، واسع الرؤية، متعدّد الزوايا، أنتجه واقعٌ اجتماعي واقتصاد منهار.
لقد وصل صوتكم واهتز عرش الفسادين.
حفظ الله الـعـراق ارضاً وشعباً.
أقرأ ايضاً
- في الدستور العراقي.. النفط ملك الشعب و راتب و قطعة أرض لكل عراقي
- كارثة في الاقتصاد العراقي.. ملاحظات حول الموازنة العامة الاتحادية – الجزء الثالث
- قيمة الرأي العام العراقي.. (أسئلة شجاعة)