- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
ملاحظات بشأن التظاهرات ومسبباتها وتداعياتها
بقلم: أحمد عبد السادة
بعد دمــاء اخوتنا الغالية التي سالت في التظاهرات، وبعد القســوة المفرطة وغير المبررة التي تم التعامل بها مع المتظاهرين السلميين، وبعد وصول أعداد الشهداء والجرحى من المتظاهرين ومنتسبي القوات الأمنية إلى أعداد مؤسفة ومؤلمة، وبعد انزلاق الأمور إلى نهايات مأساوية لم نكن نتمناها وحذرنا منها بسبب حجم التأجيج والتحريض الذي سبق وواكب التظاهرات من قبل قنوات فضائية وصفحات فيسبوكية مشبوهـــة، بعد كل ذلك شعرت بأن الكلام لم يعد مجدياً بل أصبح مدعاةً لتلقي الشتائــم والاتهامات وخاصةً في ظل اختلاط الأمور وسوء الفهم الذي يطال كل ما يقال لتحليل ما حدث، ولكننا بالنهاية لا نملك غير الكلام كجزء من مسؤوليتنا الأخلاقية تجاه ما جرى ويجري من تداعيات، ولهذا أود أن أطرح النقاط التالية:
أولاً: إن كل مسببات ومبررات التظاهر موجودة من فقر وظلــم وفساد مزمن وتمييز طبقي وسوء خدمات وغياب للعدالة الاجتماعية وتجاهل وإهمال لمطالب الناس واستغلال للسلطة وتحويل مؤسسات الدولة إلى إقطاعيات لعوائل أغلب المسؤولين وأقربائهم ومعارفهم وأعضاء أحزابهم وتياراتهم، وهذا أدى بالتأكيد إلى غضب شعبي واسع - وخاصةً في صفوف الشباب العاطلين عن العمل - وقد تم التعبير عن هذا الغضب من خلال التظاهرات.
ثانياً: ساهمت سلسلة الإجراءات الحكومية الاستفزازيـــة وغير المدروسة قبل التظاهرات بزيادة الغضب الشعبي وتحشيد الرأي العام ضد الحكومة ورئيسها وسائر الطبقة السياسية، وتمثلت تلك الإجراءات الحكومية بتهديم منازل الفقراء بحجة التجاوز بدون توفير بديل مناسب لهم للسكن، وإزالة "بسطيات" وعربات الباعة الفقراء من دون توفير عمل لهم، وقمــع اعتصامات حملة الشهادات العليا، فضلاً عن قضية نقل الفريق الركن عبد الوهاب الساعدي التي لم تتم بشكل مدروس يرضي الساعدي ويمنع حدوث ضجة، وهذه الإجراءات الاستفزازيـــة وغيرها هي التي ضاعفت الاحتقان الشعبي ضد الحكومة والطبقة السياسية ودفعت الكثير من الحانقيــن والمتضررين من هذه الإجراءات للانضمام لساحات التظاهر، ولا شك أن هذه الإجراءات الحكومية الاستفزازيـــة هي التي عجلت بالتظاهر ودفعت بعض الجهات "المجهولة" التي دعت للتظاهر إلى تقريب موعد التظاهر ليكون في 1/ 10/ 2019 بدلاً من الموعد المقرر سابقاً وهو 24/ 10/ 2019، وذلك من أجل استثمار حالة الاستياء العام والتذمر الشعبي من الحكومة وإجراءاتها.
ثالثاً: وجود جهات وشخصيات مجهولة وصفحات فيسبوكية مشبوهــــة دعت للتظاهر لا يعني إطلاقاً عدم وجود مبررات للتظاهر ولا يشكك أبداً بأحقية التظاهر، فالمبررات بالنهاية موجودة، وحق التظاهر السلمي مكفول دستورياً، ولكني أشير هنا لأطراف أرادت ركوب الموجة وتحقيق أجندات بعيدة عن مطالب المتظاهرين المحقة والمشروعة.
رابعاً: فشــل رئيس الوزراء عادل عبد المهدي فشـلاً ذريـعاً بالتعامل مع ملف التظاهرات، فبدلاً من احتواء الأزمة وامتصاصها وتخفيف الاحتقان من خلال التعامل بشكل أبوي مع المتظاهرين الفقراء والاستجابة لمطالبهم، عمد إلى استخدام الأسلوب القمــعي ضدهم، وحتى لو افترضنا وجود عدد من المندسيــن ومثيــري الشغــب بين المتظاهرين فقد كان من الممكن تشخيصهم واعتقالهم بهدوء بدلاً من تأزيــم الموقف وإنزال العقوبـــة الجماعية بالمتظاهرين من خلال استخدام الغــازات المسيلــة للدموع والرصــاص الحـي.
خامساً: رغم معرفة الحكومة بموعد التظاهرات وأماكنها وتوقيتاتها، إلا أن الحكومة لم تتخذ الإجراءات الأمنية والاحترازية الكافية لحماية أمن المتظاهرين السلميين وللحفاظ على سلمية التظاهر ولتأمين أمكنة التظاهر، فقد كان من المفترض أن تقوم الأجهزة الأمنية في بغداد مثلاً بغلق الطرق الفرعية المؤدية لساحة التحرير ووضع نقاط تفتيش دقيقة في ثلاثة أماكن رئيسية محددة للوصول إلى ساحة التحرير وهي التقاطع القريب من طريق محمد القاسم قرب مستشفى الجملة العصبية، وساحة الخلاني وساحة الفردوس لتفتيش المتظاهرين القادمين لساحة التحرير وحمايتهم من تسلل "مندسين" بينهم قد يحملون زجاجات حارقــة "مولوتــوف" أو أدوات جارحــة وحارقــة أو أسلحـــة لإثارة الشغــب وافتعال التصــادم مع القوات الأمنية.
سادساً: رغم أن الطابع العام للتظاهرات هو طابع مطلبي محق ومشروع، إلا أن قيام البعض بمحاولة تحريف مجرى التظاهرات باتجاه شعارات سياسية ذات بعد إقليمي أو الدعوة لإسقــاط الدولة برمتها وليس إسقــاط الحكومة فقط، هو أمر يضع احتمالاً بوجود "اختراق" للتظاهرات ووجود أصابع خارجية تهدف إلى تشويـــه التظاهرات وتغيير مساراتها المطلبية السلمية صوب مسارات تدميريـــة قد تؤدي إلى انهيــار الدولة وانفلات الوضع الأمني واندلاع حـــرب أهليــة أو (حـــرب شيعية/شيعية) بحكم أن أغلب المتظاهرين في بغداد وذي قار وميسان والنجف والديوانية وبابل وواسط هم من الشيعة.
سابعاً: سبق التظاهرات ورافقها تحشيد إعلامي تصاعدي باتجاه التحريــض وتأجيج الأوضاع من قبل قنوات فضائية وصفحات فيسبوكية مسمومـــة ومن قبل بعض المرتزقـــة العراقيين المقيمين خارج العراق مثل غيث التميمي وستيفن نبيل وأحمد البشير وأنور الحمداني وسهير القيسي وحسين تقريباً وغيرهم وبعض الشخصيات البعثية المعاديــة للعراق والعملية السياسية، وهذا الأمر يؤكد وجود حملة منظمة لتأجيــج الأمور والذهاب بها إلى سيناريوهات مدمـــرة، لأن هؤلاء المرتزقـــة والأعــداء لا تهمهم دمــاء الشباب المتظاهرين الأبرياء، وإنما تهمهم فقط الدولارات التي يقبضونها مقابل التحريـــض والتأجيــج.
ثامناً: قيام الحسابات والصفحات الممولة أمريكياً وسعودياً في الفيس بوك وتويتر بترويج هاشتاك (العراق_ينتفض) يؤكد وقوف أمريكا والسعودية ومرتزقتهـــم في داخل العراق وخارجه خلف التحريـــض وتأجيــج الأوضاع ودفع العراقيين إلى محرقـــة الإقتتـــال الأهلي.
تاسعاً: حاولت بعض الجهات السياسية ركوب موجة التظاهرات في حين أنها كانت وما زالت جزءاً من منظومة الخــراب والفســاد والمحاصصة التي فتكــت بالدولة العراقية وأهــدرت ثرواتها وخنقــت فرصها بالتقدم طوال 16 سنة، وقد كانت المرجعية دقيقة حين حملت جميع الجهات المسؤولية - ومن ضمنها السلطة القضائية -، وحين أشارت إلى أن ما يحدث هو نتيجة تراكم أخطــاء السنوات السابقة. وهنا لا بد من القول بأن الحكومات السابقة والحكومة الحالية هي التي منحت المندسين والمحرضين والمتربصين الفرص لتحقيق أجنداتهم لأنها لم تحقق مطالب الشعب البسيطة.
عاشراً: كل ما تقدم يسعى لإيضاح الصورة الكاملة للمشهد ولا يعني أبداً عدم أحقية الفقراء بالتظاهر والمطالبة بحقوقهم، فأنا بالنهاية أصطف مع دمــاء أخوتي وأهلي المتظاهرين الفقراء ومع مطالبهم المشروعة ضد الفســاد والظلــم، وأرفض تسييس واستغلال مطالبهم ودمائهــم الطاهرة في بورصة تصفيــة الحسابات السياسية ومغانم الجيــوش الإلكترونية، وأطالب بمحاسبـــة ومحاكمـــة كل من أمر بإطـلاق الرصـــاص الحـي ضد المتظاهرين، كما أقف مع المطالبين بإقالة عادل عبد المهدي لأنه أثبت بأنه غير مؤهل لمنصب رئيس الوزراء، وقد أكدنا في مقالات سابقة بأنه لا يصلح أبداً لمنصب رئيس الوزراء حتى قبل استلامه لهذا المنصب!!
أقرأ ايضاً
- الفراغ التشريعي بشأن قوانين تملك العرب والأجانب للأموال المنقولة في العراق
- نصيحتي الى الحكومة العراقية ومجلس النواب بشأن أنبوب النفط الى العقبة ثم مصر
- ملاحظات نقدية على الاستراتيجية الوطنية للتربية والتعليم في العراق 2022-2031