بقلم:حميد مهدي النجار
بين فترة وأخرى تطفوا على السطح ظاهرة الهجرة الى كربلاء ومايتركه ذلك من أجواء متشنجه تصل إلى حد الشتائم والنبز ومادون ذلك بكثير..
في البدء لابد من تثبيت حقيقة ان كربلاء بلد هجرة من الطراز الأول حالها حال المدن الدينية أو العاصمه أوالمدن التي فيها موانيء او منافذ حدودية أو المدن السياحية.
هناك مصطلح آخر يقسم المدن إلى مدن طاردة ومدن جاذبه لأسباب كثيره وكربلاء مدينه جاذبه منذ تأسست ولكن بعد التغيير أصبحت الهجرة الى كربلاء مشكلة كبيره ذلك أن من غير المنطقي ان تكون زيادة السكان بهذا الحجم المهول بحيث تضاعف في عشر سنوات عديد سكانها من 700 الف إلى حدود المليوني نسمه وهذا رقم ونسبه غير منطقية.
والحقيقة الثانية اننا جميعا جئنا إليها لائذين بها او متشرفين بمراقدها المقدسة، والفرق اننا جئنا بالتتابع إليها فلعلك سكنتها وعائلتك قبل 100 عام واخر قبل 150 عام وهكذا..
الغريب ان كربلاء رغم أهميتها الدينية كانت في ذيل القائمة في عدد النفوس في العهود الملكية العهد الجمهوري فهي تأتي قبل مدينة السماوة في عدد السكان ولو عرفت ان السماوة عبارة عن بادية لتوضح لك حجم سكانها.
كانت وعلى مدى أجيال تسكن مركز المدينة اغلبيه اجنبيه
من أصحاب الصنائع والمهن كالخبازون والنجارون والحدادون....، وهذا مااشار اليه صدام ذات مرة في معرض امتعاضه عندما قال (انني ذهب في شبابي إلى كربلاء فوجدت البائع والمشتري من غير العراقيين) من فرس وهنود وباكستانيين وترك وغيرها من من الاقليات التي تنتمي لشعوب وامم مختلفه يجمعها حب الحسين ع، فيما العشائر العربية كانت تسكن على أطرافها حيث البساتين العامرة التي تحيطها من شرقها وشمالها.
بدأت الهجرة غير المنظمه الى كربلاء في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي من الجنوب بسبب الوضع الاقتصادي المتردي وشحة المياه، حيث سكن الكثير منهم مناطق جنوب غرب كربلاء الصحراوية، فكان ان تأسس اول حي تجاوز كحي (التنك) الذي تحول اسمه إلى حي(البعث) لاحقا وهذا الاسم يكشف لنا كيف ان هذه الأحياء التي نشأت تم تجييرها سياسيا وهو ماحدث لاحقا ايضا بعد 2004 عندما استغل الإسلام السياسي هؤلاء الناس الفقراء والمعدمين.
هناك مشكلة اسمها (مسقط الرأس).. فعندما يكون مسقط راسك في مدينه أخرى ستظل تعاني من مشكله نفسية تشعر من خلالها بضعف جذورك في المدينة التي اخترتها سكنا لك كما أن الآخرين سينظرون إليك كغريب.
هناك مصطلح معروف في علم الاجتماع يدعى (كونفورميه) أي (كره الغريب)، فمالم تندمج في البيئة التي انت فيها وتتطبع بطبعها وتتكلم باللهجة التي تشيع فيها فأنك ستعاني من مشكله انتماء..! غير ان أبنائك سوف يتجاوز ن هذا إلى حد بعيد لان مسقط الراس يعطيهم الحق في الشعور بالانتماء بسبب هذا الجذر الذي غرس في هذه الأرض.
كثيرا ما أشاهد بعض الأصدقاء من أصول مصرية مثلا فانتبه إلى عراقيته وكربلائيته واندكاكه في بيئته وتماهيه فيها دون أي شعور بالنقص بل لعلك لو قلت له انت مصري ءيعتبر ذلك قذفا وإهانة وهكذا باقي الناس من اصول مختلفه.
هناك مشكله جوهرية تعمق الفجوة بين أبناء المدينة والمهاجرين إليها تتمثل بالقيم والعادات والتقاليد التي ينقلها المهاجر إلى بيئته الجديده دون أن يحاول (ولعله يجد صعوبة في ذلك) الذوبان فيها فتفضحه لهجته ولباسه وطريقة تعامله مع الكثير من الأمور، وهذا يجعل البون شاسعا والفجوه عميقة فثمة ترييف للمدينه غير مستساغ يلقي بضلاله السلبيه..
في البدء عندما كانت الهجرة الى كربلاء طبيعية كانت كربلاء قادرة على دمج هؤلاء فيها بسهوله، بل وتجعلهم يتحدثون بهذا المنطق منطق (ابن ولايه) ولهذا كانت تضيع معظم الهويات في هوية كربلاء، بيد ان الهجرات الأخيرة الكبيره والمتتابعه وبسبب بعد ساكنبها عن قلب كربلاء ومست اهم الاقتصادي المتردي تحولت هذه الأحياء التي بلغ عددها 60 حيا إلى مستوطنات مستقله بذاتها لها قيم وأعراف خاصة بها لاتحمل من المدينة اي شيء غير اسمها. وهذا هو من يجعل ثنائية الغريب وابن ولاية فاعلة وتُستنهض مع كل أزمة في المجالس والبيوتات وعلى مواقع التواصل.
هامش: بعضهم ينظر للمهاجرين بعنصرية واستعلاء مرفوضين وهو يتناسى ان اهم رموز كربلاء المعاصرين هم من المهاجرين إليها وليست كربلاء مسقط رأس معظمهم، مثل حمزة الزغير الكربلائي وكاظم منظور الكربلائي والشيخ عبد الزهرة الكربلائي والشيخ هادي الكربلائي وعشرات الأسماء من المبدعين من شعراء وادباء ورجال دين وشخصيات عامة
هامش ثاني: المعيار في ابن الولاية او (الكربلائي) او البغدادي او البصراوي او... ليس الأصل والفصل بل في احترام خصوصية المكان من أعراف وتقاليد وقييم وليس اي شيء آخر.
أقرأ ايضاً
- دجاجات غاندي وملايين نوابنا
- قراءة في كتاب مديرية التسجيل العقاري في ذي قار لمؤلفه ابن خلدون .
- الحاكم النزيه في مقدمة ابن خلدون