بقلم: حسين فرحان
للرفيق وللرفيقة - على حد سواء - ذاكرة غير ذاكرة الذين قضوا مايكفي من أعمارهم وهم يتحاشون زلة اللسان التي تنصت اليها جدران الرفاق فقد عهدوا أن لهذه الجدران آذان كآذان الخفافيش ترصد ارتداد صدى الاصوات لتدونها في تقريرها الحزبي.
فالرفاق في ذلك الزمان كانوا من افضل الطبقات حالا، فهم على أقل تقدير تنعموا بالأمان مادام اللون الزيتوني يستر عوراتهم ومادام منهاج البعث يزين أدراج مكتباتهم ومادامت صورة القائد الضرورة تتوسط غرف نومهم وأناشيد البعث يشدو بها صغارهم.
نعم هي ذاكرة لم تحمل هم وطن احتلته العائلة العوجاء ولاهم شعب أوصدت بوجهه ابواب الحياة وفتحت له كوة صغيرة تزدحم حولها الانوف لتستنشق مايبقيها على قيد الحياة مكرهة مرغمة مضطرة تمني نفسها بزوال هذا الملك العضوض لدولة العفالقة.
ذاكرة الرفيق كتبت تفاصيلها بالقلم الجاف الأحمر والأخضر والأزرق الذي كان من مكملات البدلة الزيتونية كما هو حال (البوت) الأحمر اللامع الذي كان يركل كل القيم والمباديء ولايعترف بكرامة الانسان فيستوي بذلك مع (بوت) من نوع آخر يقبع في جمجمة الرفيق قد تم حشوه بوصايا القائد وشعارات البعث والقومية الزائفة.
ذاكرة الرفيق مخططة كما هي ورقة التقرير متسلسلة منمقة تعتمد الحروف الأبجدية بمهنية عالية تراعي أن يعتقل الناس ويتم اعدامهم بترتيب أبجدي وهذا يمثل منتهى العدالة اذ لايليق بالرفيق أن يعدم الناس وقد قدمت محكمة الثورة أهل الميم على أهل الجيم.
ذاكرة الرفيق ليست بذاكرة ورقية تحترق بأحتراق المقرات الحزبية، ولاهي ذاكرة الكترونية تزول بكبسة زر في لوحة التحكم والكتابة، انها ذاكرة ماتزال تعيش أجواء الوقوف في نهايات الأزقة تلتقط الهاربين من بطش الحروب العبثية وما تزال تنتعش بذكريات القفز على البيوت الآمنة لاجبار رجل كهل على أن يكون عبدا صاغرا في صفوف الجيش الشعبي، وما تزال تبتسم لأنها أنزلت ذات يوم راية حسينة من على سطح دار تعشق عاشوراء، او تتشفى لأنها قلبت قدور الطبخ الكبيرة على الرصيف امتثالا للمزاج الاموي الذي ولد خائفا من اسم الحسين، ومات بحسرته لان هذا الاسم لم يزل يقض مضاجع الطغاة.
شخصية الرفيق انتهازية منذ نشأتها ونفعية منذ ولادتها وخاوية على عروشها لايعطيها قيمتها الا اللون الزيتوني والفكر المستعار ولايعلق في ذاكرتها إلا عبث البعث الذي اندثرت قواعده ولم يخلف الا ذكريات ينتشي الرفاق بتذكر تفاصيلها.
كل شيء تغير وماعاد هنالك فرقة أو شعبة وماعاد هناك اجتماع وتقرير وما عاد هناك خوف أو حذر ممن كانوا يتجنبون آذان الجدران.. كل شيء تغير فأصبحت كل القضايا التي كان البعث يقاتل من أجل القضاء عليها هي الظاهرة المرئية البارزة.. وهي التي باتت تمارس وجودها بشكل طبيعي يفرضه الواقع العراقي، وعلى الجميع أن يعترف به إلا ذاكرة الرفاق الذين مازالت جماجمهم تحتضنها فهي رافضة لهذا الواقع ولا يمكنها أن تصدق حدوثه وبهذا الحجم الذي جعلهم دون الجرذان قيمة فهم يمارسون مشاعر النكسة والحسرة منذ أن هوى صنم العوجة معلقا بحبل المشنقة.. فالحنين الزيتوني اللون يدفعهم إلى الأفصاح عن حزنهم بطريقة مكشوفة مضحكة تستعين بقنوات فضائية مأجورة ومواقع الكترونية ممولة لنشر الأكاذيب التي تستهدف المقدسات والرموز وتستعين بالمهرجين الذين يقيمون في عواصم بعض الدول وتستغل امتعاض الشعب من الأداء السيء للحكومات المتعاقبة بعد سقوط النظام، لا لأجل العودة ولكن لغرض التشفي والانتقام لتلك الهيبة الوهمية الكاذبة التي كانت ترافقهم أينما حطوا رحالهم والثأر لمكملات الشخصية الناقصة المتذبذبة التي كانت تنسب وبشكل كبير لمفردات العهر والرذيلة والأجرام التي هي من دواعي بقاء العفالقة والتكارتة في ذلك الزمان.. ومازالت تحتفظ بها ذاكرة الرفيق الزيتونية فتجعله يمارس هذا الخبث والمكر المكشوف في ركوب كل موجة تأتي جاهزة من أعداء هذا الشعب فيركبها (حضرة جناب الرفيق) لعل اجتماعا حزبيا ينتظره على أنقاض فرقة حزبية لاتوجد الا في مخيلته.