بقلم: مازن الزيدي
بتاريخ 31 آب 2018 نشرت وكالة رويترز تقريرا تحدثت فيه عن "صواريخ باليستية" قامت ايران بتسليمها الى الحشد الشعبي.
لم تكتف الوكالة الدولية بنقل الخبر عن 3 مصادر في "المخابرات العراقية"، بل انها حددت الاماكن التي تم تحويلها الى ثكنات لصواريخ تستهدف تحديدا كلا من اسرائيل والسعودية، مؤكدة بالاستناد على مصادرها، نشر هذه الصواريخ في جنوب وغرب العاصمة بغداد.
كان واضحاً ان التقرير يمهّد لما بعده من تداعيات. انه ببساطة كان بمثابة كرة ثلج يراد لها ان تتدحرج لتصيب هدفها الذي هو تهيئة الارضية لاستهداف مقرات وثكنات الحشد الشعبي، كقوة عسكرية عراقية صاعدة، بذريعة انها عبارة عن قواعد للصواريخ الايرانية.
وقتها لم يكن متوقعاً ان يصدر رئيس الوزراء آنذاك، المعروف بمواقفه السلبية جدا من الحشد ودوره العسكري في حرب التحرير، تكذيباً او تحذيراً من تداعيات هكذا تقارير تترتب بفعلها نتائج خطيرة وكارثية على الامن القومي العراقي.
ومع ان تقرير رويترز عن "قصة الصواريخ" استمد معلوماته من مصادر داخل جهاز المخابرات العراقي، لكن العبادي التزم الصمت مفضلاً الانشغال بنتائج ما بعد الانتخابات، وحرب التسقيط التي شنها ضد خصومه في البصرة، وتبرعه المجاني للالتزام بالعقوبات الاميركية ضد ايران.
لا جهاز المخابرات، ولا لجنة الامن البرلمانية، ولا اية جهة امنية اخرى اهتمت بخطورة هكذا تسريب او نسبته الى جهة امنية محلية. تماماً وكأن القصة تدور في جزر الواق واق.
وحتى المتهم الاول بهذا التسريب الخطير، وهو جهاز المخابرات، اكتفى بتوضيحات غامضة تثبت الخرق ولا تنفيه. وهذا ما دفعنا للتحذير من مخاطر السكوت عن ملاحقة هكذا تقارير تحمل في طياتها مبررات وذرائع لتعريض البلاد الى حرب وشيكة.
الان وبعد مرور قرابة العام على نشر "قصة الصواريخ"، تتكشف امام العراقيين اهداف نشر مثل هكذا تسريبات، والاثمان الباهظة للسكوت على اشتراك عناصر امن عراقيين في توفير المسوغات امام "الضربات الغامضة" التي تعرضت لها معسكرات الحشد في معسكر الصقر، وقبلها في معسكري الشهداء في آمرلي، والشهيد ابو منتظر المحمداوي في العظيم.
وبمراجعة بسيطة لنحو 20 ضربة مجهولة المصدر منذ 2016 الى 2019، نكتشف وجود تواطؤ داخلي مع هذه الضربات. اول اطراف هذا التواطؤ هي عناصر امنية، بعضها برتب عالية احياناً، تقوم بتسريب الاحداثيات الى "العدو المجهول".
اما ثاني اطراف هذا التواطؤ، فهي بيانات قيادة العمليات المشتركة التي تصدر بعد كل حادث. وتحرص هذه البيانات في الغالب على التقليل من اهمية تلك الضربات / الخروقات، ونسبتها الى سوء التخزين أو درجات الحرارة، رغم ان بعض الضربات حدثت في اوقات الشتاء!
ومنذ اول ضربة "مجهولة الفاعل" حتى التفجير الاخير في معسكر الصقر، لا أحد يعلم حجم الخسائر التي تكبدها العراق. لكن المؤكد ان تلك الخسائر كانت كبيرة وخطيرة، لأنها كشفت ولاول مرة حجم انكشاف المجال الجوي العراقي الذي بات مسرحاً مفتوحاً امام طرف اقليمي، على الاغلب انه اسرائيل، لشن هجمات خاطفة سرّية، تدمّر الهدف ولا تفضح الفاعل. في سيناريو يذكّر بضرب مفاعل تموز النووي عام 1981.
اليوم بعد كل هذه الخسائر التي خلفتها "الضربات الغامضة"، يسارع القائد العام للقوات المسلحة بمنع اي طيران للتحالف الاميركي في المجال العراقي من دون اذن مسبق. وجاء الاجراء بعدما ثبت لدى عبدالمهدي، بحكم معطيات لم تكشف للرأي العام حتى الان، تواطؤ التحالف الدولي مع "المسيّرات" التي تنفذ ضرباتها في اوقات محدّدة عادة ما تكون فيها شبكة الرادارات العراقية خارج التغطية!
لقد جاء توجيه رئيس الوزراء القائد العام بحظر الطيران الاجنبي في السماء العراقية متأخرا، لكنه كان مطلوباً وفي وقته المناسب.
إلاّ ان ذلك لايكفي من دون اتخاذ خطوة اخرى اشد إلحاحاً تتمثل بملاحقة عناصر الأمن، سواء في المخابرات التي سربت قصة الصواريخ قبل عام، او بعض ضباط الجيش الذين تحوم حولهم شبهات التخابر، ومعاقبة كل من يثبت تسريبه احداثيات عسكرية لطرف اجنبي، بأشد العقوبات، والاسراع بعزل مزدوجي الجنسية من هؤلاء.