عباس الصباغ
غدت الحاجة ماسة اكثر من اي وقت مضى الى اقرار وتفعيل قانون يحدّ من ظاهرة استفحال الجرائم المعلوماتية فضلا عن تقنينها واخراجها من شرنقة الفوضى الاعلامية الخلاقة التي ضربت المشهد العراقي من كافة نواحيه بعد التغيير النيساني المزلزل، ان وضع ضوابط قانونية لاستعمال وسائل التواصل الاجتماعي السوشيال ميديا سيعكس الوجه الحضاري للبلد وعدم ترك الامر على عواهنه دون قيود فهذه القيود ليست تكميما للأفواه او لجما للحريات او تأسيسا لعصر ديكتاتوري مشابه للعصر الديكتاتوري الشمولي السابق والمنقرض، بل هي خارطة طريق لتوضيح ماهية حرية التعبير وفق اصوله المعتمدة عالميا وفي الدول المتطورة والتي قطعت اشواطا طولة في ترسيخ جذور الديمقراطية فالكثير من الدول الديمقراطية في العالم الحر وضعت ضوابط قانونية ودستورية تكيّفت معها شعوبها ولم يعترض عليها احد من كونها ضد حرية التعبير او كبتا للحريات في مجتمعات حرة، بل ان هذه الضوابط من صلب مبادئ الدولة المدنية التي تديرها حكومات رشيدة ومجتمعات متحضرة وواعية، وما احرانا نحن كشعوب شرق اوسطية وعالم ثالثية ان نحذو حذو تلك الشعوب التي لاتقيم الدنيا ولا تقعدها لمجرد تشريع قانون ينظم حياتنا كما يحصل عدنا في العراق.
فوضى السوشيال ميديا في العراق هي جزء لايتجزأ من الفوضى الاعلامية / المجتمعية الخلاقة او مايمكن ان نسميه بالـ (فوضى لوجيا) المقننة لتدمير التراصّ المجتمعي العراقي وتشتيت اللُحمة الوطنية العراقية فالأمر مشترك بين واقعين الاول اعلامي والثاني مجتمعي والفوضى الخلاقة ضربت الاثنين معا فهي فوضى مزدوجة مثلما ضربت باقي مناحي الحياة والسبب الثاني في استفحال وتغوّل تلك الفوضى هو عدم الجدية النيابية ـ الحكومية في تشريع قانون لتجريم المعلوماتية وهذا القانون إن قُدّر له وان رأى النور فانه سيحتاج الى قوة تنفيذية لتطبيقه، كما سيحتاج الى وعي مجتمعي كامل بضرورة تطبيق قانون يخدم البلد ويظهر وجهه المشرق، وهذا القانون في حال تطبيقه سيصطدم بمعوقات كثيرة منها العشائرية والطائفية وحتى الاعلامية غير المهنية والتي لاتفهم من الاعلام سوى الفوضى التي تترجمها على انها حرية التعبير فهذه الاوساط الشاذة عندها حرية التعبير او التعبير نفسه هو ان يكون الانسان فوضويا في كل شيء وبحجة ان الدكتاتوريات السابقة قد حرمتنا من هذه النعمة لذا يجب استغلال المناخ (الديمقراطي) الذي مهّد له الدستور الدائم بالمادة 36/ وهو دستور كُتب على عجالة ومازال مليئا بالمطبات والالغام ويحتاج الى مشوار قانوني طويل من التعديلات فالفوضى ليست ديمقراطية بل هي تخلف عن الركب الحضاري العالمي والركون في اسفل مستويات التخلف في هامش متون العالم الثالث .
وسائل السوشيل ميديا في العراق لم تكن في اغلب الاحيان عبارة عن وسائل للتواصل الاجتماعي كما هو معروف عنها عالميا وانما كانت عبارة للفوضى التواصلية التخريبية بل كانت وسائل للخراب الاجتماعي / الاعلامي بالمعنى الدقيق لها.
لم يسلم هذا القانون (تجريم المعلوماتية) من خلال عرضه في اروقة البرلمان وفي مناقشته الاولى من المناكفات الحزبية والكتلوية فالبعض ايّد اقراره لانه قانون يضع خارطة طريق صحيحة لاستعمال وسائل الميديا بينما البعض الاخر عده خرقا لحقوق الانسان التي نصت عليها جميع الوثائق الدولية فضلا عن كفالة الدستور العراقي الدائم لحرية التعبير (المادة (36):- تكفل الدولة، بما لا يخل بالنظام العام والآداب:اولاً:ـ حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل. ثانياً:ـ حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر ) التي عدت في نظر الكثير من المشرعين القانونيين مادة فضفاضة وهلامية وبحاجة الى تعديل قانوني مناسب لها، ما ادى الى تشابك المفاهيم المتعلقة بحرية الانسان وحرية التعبير لان البعض لم يفهم بعض فقرات هذه المادة فهما صحيحا وراح ينشر معلوماته المضللة وعلى هواه مستغلا هامش الحرية التي منحها الدستور وعدم وجود روادع قانونية ضابطة او ملزمة تنهاه عن افعال قد يجرّمها القانون في دول اخرى، وعدم وجود ضوابط عرفية تمنع من حدوث تلك الخروقات التي تجسدت بالفوضى الاعلامية الخلاقة التي ضربت المشهد السيوسولوجي العراقي من جهة والمشهد الاعلامي العراقي من جهة اخرى وامام البرلمان فرصة اخرى لإرجاع الوجه المشرق للعراق باقرار قانون تجريم المعلوماتية ولايخاف من اجل مصلحة العراق لومة لائم.