بقلم: أياد السماوي
زيارة وزير الخارجية الأمريكية بومبيو المفاجئة إلى بغداد مساء أمس ولقاءه رئيس الجمهورية السيد برهم صالح ورئيس الوزراء السيد عادل عبد المهدي , ليس لأجل نقل رسالة من الإدارة الأمريكية إلى القيادة الإيرانية أو التوّسط بينهما في ظل تسارع الأحداث في المنطقة , كما وليس هنالك أيضا أي ترابط بين هذه الزيارة المفاجئة وبين تصريح الرئيس الأمريكي ترامب خلال لقاءه برئيس وزراء ايطاليا في البيت الأبيض باستعداد بلاده للتفاوض مع إيران بدون قيود أو شروط مسبقة فيما لو غيرّت إيران من سلوكها أمام مصلحة شعبها , والحقيقة أن هذا التصريح هو نكتة سخيفة , فما تريده أمريكا من إيران غير ممكن وإيران لا تقبله بالمطلق , وبالرغم من أنّ الكثير من المراقبين والمحللين السياسيين قد استبعدوا نشوب حرب في المنطقة وأنّ الزيارة هي لنقل رسالة من الإدارة الأمريكية بفتح باب المفاوضات مع الجانب الإيراني , إلا أنّ الوقائع على الأرض تعكس واقعا غير هذا لعدّة أسباب:
أولا / أنّ قيام وزير الخارجية الأمريكية بإلغاء لقاءه المتّفق مع المستشارة الألمانية وتوجهه نحو بغداد بهذه السرعة والسرّية لا يمكن أن يكون لأمر غير هام أو لمجرّد نقل رسالة.
ثانيا / لو كان الغرض من الزيارة هو للتوّسط أو لنقل رسالة إلى القيادة الإيرانية بأنّ واشنطن على استعداد للمفاوضات مع إيران بدون قيود أو شروط مسبقة , فهذا لا يستوجب لقاء رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء كل على انفراد , وكان من الممكن أن يكون اللقاء مع أحدهم.
ثالثا / إنّ توّجه حاملة الطائرات لنكولن والقاذفات الأمريكية الستراتيجية بي 52 إلى المنطقة , هي رسالة حرب وليس رسالة سلام وتفاوض , و عادة لا تقوم الولايات المتحدّة بإرسال حاملة الطائرات والقاذفات الستراتيجية بي 52 إلا حين يكون هنالك قرار بالحرب.
رابعا / أنّ التفاوض مع إيران بدون قيود أو شروط مسبقة هو أمر مستحيل ويتنافى مع الرغبة الإسرائيلية لدفع الولايات المتحدّة الأمريكية لشن الحرب على إيران.
خامسا / إنّ ما تطالب به أمريكا ليس بتغيير سلوك إيران بما يخدم مصالح شعبها كما تدّعي الإدارة الأمريكية , بل أنّ ما تريده أمريكا وإسرائيل هو إعلان إيران حالة الاستسلام الكامل للشروط الأمريكية الإسرائيلية.
لهذه الأسباب لا نرى أنّ زيارة الوزير الأمريكي المفاجئة إلى بغداد هي رسالة سلام , بل أنّ الوزير الأمريكي جاء ليهددّ ويحذّر قادة العراق بعواقب وخيمة تنتظر الحكومة العراقية والحشد الشعبي , وليس من المستبعد أن يكون الوزير الأمريكي قد نقل رسالة تهديد صريحة وشديدة إلى القيادة العراقية فيما لو استمرّت الحكومة العراقية بعدم الالتزام بالعقوبات الأمريكية المفروضة على إيران من جانب واحد , وكذلك تحذير الحكومة من محاولة قيام بعض الفصائل باستهداف الجنود الأمريكان في العراق , ومن المؤكد أن الوزير الأمريكي قد أخبر قادة العراق بأنّ أمريكا ستتعامل مع الحشد الشعبي باعتباره قوات إيرانية معادية وليست قوات عراقية رسمية تخضع لأوامر وتوجيهات القائد العام للقوات المسلّحة , وعلى ما يبدو أن الرئيس الأمريكي ترامب وإدارته يسيرون نحو الحرب , والمنطقة بأسرها تقف على حافة بركان , وأجراس الحرب أصبحت تقرع بقوة في المنطقة أكثر من أي وقت مضى , وإمكانات الوقوف على الحياد مع وجود القوات الأمريكية في العراق , أمر صعب للغاية وغير ممكن في حالة نشوب حرب بين أمريكا وإيران , فليس هنالك من ضمانة لوقوف الحشد الشعبي العراقي متفرجا فيما لو هاجمت الطائرات الأمريكية معسكراته واستهدفت قياداته وهذا متوّقع جدا.. فالبركان في طريقه للانفجار , وما زيارة بومبيو إلى بغداد إلا ليقرع أجراس الحرب.