بقلم: حسين فرحان
مايزال البعض يتنكر لتاريخه.. لتراثه.. لانتمائه.. والطامة الكبرى حين يتنكر لدينه ولمقدساته.
تبدي صفحات وجهه وفلتات لسانه ما أضمر، وما هي إلا انفعالات وردود أفعال لاركيزة لها سوى عشق القعود بل الاضطجاع في ثكنة الهمج الرعاع، حيث الفئة الثالثة من الناس.
قد يصعب على هذا البعض أن يتسامى الى مرتبة أعلى تنجيه من ناعق يسوقه وآخر يلقي به في قعر الهاوية، الا أن الرجاء بصلاح الحال غير منقطع، وكم من صاحب غفلة أيقظه التذكير والتنبيه.
نسمع هنا وهناك أنباء وهنبثة وكلام فيه التشفي وإظهار الشماتة والحقد على (العمامة) و (المعمم)، ولماذا العمامة والمعمم تحديدا ؟ ربما سيتضح الجواب بعد بيان بعض التفاصيل وربما لن تنفع المقاربات والتفاصيل لمن يأبى أن تتضح له.
الظاهرة التي نشهدها اليوم هي تلك الهجمة على العمائم وأهلها، والذرائع الى ذلك واهية بل هي أوهن من بيت العنكبوت، وديدن أصحابها تعميم الحكم استنادا للرؤية القاصرة والتركيز على جزئيات تافهة وجعلها هي المحور في قضية الانتقاد والانتقاص وهذا من الجهل المركب الذي امتازوا به.
(العمائم تيجان العرب).. والعرب أمة قديمة وشعب من شعوب الأرض له تاريخه وتراثه، ولطالما افتخر مفتخر بعروبته، فإذا كان انتقاص هؤلاء من العمامة لأنها رمز ديني فما الذي يمنعهم من التباهي بها كونها إرث قومي ؟
فمن مكانتها أن العرب كانوا يعقدون بها ألوية الحرب، وفي ذلك قال الشاعر: (جائت به عبل القوام كأنما.. عمامته فوق الرجال لواء)، وورد أن الأحنف بن قيس سيد بني تميم وفاتح مرو حين عقد لعبس بن طلق اللواء، نزع عمامته من رأسه وعقدها له لواء.
وفي شأن عمامة العرب التي كان يسود بها الرجل قومه ويقضي بينهم قول عمرو بن امريء القيس يخاطب مالك بن العجلان حين رد قضاءه في واقعة الأوس والخزرج:
يا مالِ والسّيّدُ المُعَمَّمُ قَدْ يبطرهُ بعضُ رأيهِ السرفِ
نحنُ بما عندنا وأنتَ بما عِنْدَكَ راضٍ، والرَّأيُ مختلِفُ
وقال آخر: إذا لبسوا عمائمهم لووها على كرم وإن سفروا أناروا
وقال شاعر آخر: إذا المرء أثرى ثم قال لقومه
أنا السيد المفضى إليه المعمم
ولم يعطهم شيئا أبوا أن يسودهم
وهان عليهم رغمه وهو ألوم
وقال الجاحظ في البيان والتبيين: كان أبوأحيحة سعيد بن العاص القرشي إذا اعتم لم يعتم معه أحد لشرفه، لذلك يقول الشاعر:
وكان أبوأحيحة قد علمتم بمكة غير مهتضم ذميم
إذا شد العصابة ذات يوم وقال إليّ المجالس والخصوم
وفي الأمثال ورد ما نصه " أجمل من ذي عمامة "
وقد سئل أبو الأسود الدؤلي عن العمامة فقال: «هي جُنَّة (وقاية) في الحرب، ومكَنَّة (حافظة) من الحرّ ومِدْفأة من القُرّ (البرد) ووقار في النَّديِّ (المجلس) وواقية من الأحداث، وزيادة في القامة، وعادة من عادات العرب». وقد قيل لأحد الأعراب إنك تكثر من لبس العمامة فقال: «إن شيئًا فيه السمع والبصر لجدير أن يُوَقَّى من الحرّ والقُرّ». وهي تضيف مظهرًا جميلًا لمن يرتديها، وقال علي عليه السلام - كما ورد -: «جمال الرجل في عِمَّته وجمال المرأة في خُفِّها».
وكانت ألوان عمائم العرب بحسب أحوالهم الاجتماعية وأذواقهم، وقد سُئِل بعضهم عن الثِّياب وألوانها فقال: «الأصفر أشكل، والأحمر أجمل، والخضرة أقبل والسَّواد أهول والبياض أفضل» وقد «اختصَّت العرب بأربع: العمائم تيجانها، والدروع حيطانها، والسيوف سيجانها، والشِّعر ديوانها».
قد تبين أن العمامة إرث عربي فإذا كنتم لاترون فيها من القداسة الدينية ما يزعكم عن التعرض لها (فارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم عربا كما تزعمون).
أما قضية قداستها - لمن آمن بسنة النبي صلى الله عليه وآله وهدي أهل بيته عليهم السلام - فهي بلا شك ينبغي أن تكون محل اعتبار واهتمام،.. قال رسول الله صلى الله عليه وآله (العمائم تيجان العرب فإذا وضعوا العمائم وضع الله عزهم)،وقوله صلى الله عليه وآله: (إعتموا تزدادوا حلما)،وقوله صلى الله عليه وآله ركعتان بعمامة أفضل من أربعة بغير عمامة)، وقال الإمام الباقر عليه السلام: (كانت على الملائكة العمائم البيض المرسلة يوم بدر)، وأن لبسها من مظان إجابة الدعاء، ففي المأثور عن الصادق عليه السلام إنّي لأعجب ممَّن يأخذ في حاجة وهو معتمّ تحت حنكه، كيف لا تقضى حاجته)، وقد بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم غدير خمّ إلى عليّ (عليه السلام) فعمَّمه، وأسدل العمامة بين كتفيه، وقال: هكذا أيدني ربي يوم حنين بالملائكة معمَّمين، وقد أسدلوا العمائم، وذلك حجز بين المسلمين وبين المشركين...)
إتضح إن للعمامة تاريخها ومنزلتها وقدسيتها
وإن ظاهرة التهجم على المقدسات الاسلامية وبالخصوص (العمامة) تندرج ضمن خطة محكمة وضعتها الدوائر المخابراتية المعادية للاسلام عموما ووضعتها يد السلفية الوهابية ضمن منهاجها المشؤوم لطمس معالم الدين الحنيف وإفراغه من مضامينه وجعله دينا شكليا يلائم توجهات السلفية ولسا
ئل أن يسأل: لماذا تخلى مايسمى بعلماء الوهابية عن (العمامة) مع ورود مايثبت أن النبي صلى الله عليه وآله والصحابة وأئمة المذاهب كانوا يلبسون العمائم ؟ فأين التمسك بالسنة وأين اتباع السلف في هذه القضية ؟ لماذا الاصرار على الثوب القصير والسواك دون العمامة ؟ أنها مفارقة مضحكة.. أما أصحاب نظريات التحرر والانفتاح!! فقد كان الأجدر بهم أن يشاهدوا بأعينهم آلاف المعممين على السواتر يصدون هجمة الدواعش فيستشهد من يستشهد منهم ليصنع النصر لوطن يعيش فيه الجميع، لكن على مايبدو أن مرض الحقد والجهل قد تفشى وأن آثار الانغماس في الافكار المستوردة من الصهاينة والسلفية قد فعلت فعلها ولم تبق لهم سوى الثرثرة الفارغة ولا لوم على من فقد الحياء.
أقرأ ايضاً
- الرزق الحلال... آثاره بركاته خيراته
- التأهيل اللاحق لمدمني المخدرات
- ضمانات عقد بيع المباني قيد الإنشاء