نبيل طامي محسن
تعودنا منذ بداية الحياة الدراسية سواء عندما كنّا طلبة أو عندما اصبحنا في السلك التدريسي، أن نرى في أغلب التدريسيين الشخصية التي تأبى الخروج عن النص، بل السير وفق المنهج الدراسي المعدّ مسبقا من قبل مختصين في مجال وضع المناهج، وبمنتهى الالتزام بما فيه من كلمات و أفكار، باتت تشكل جموداً وانكماشا لدى الطالب والذي اصبح أسيراً لنصّ المنهج، دون ان يعمل على تحريك ما بداخله من طاقات للبحث عما هو جديد.
وهذا الامر قد نرى من يخالفه من بعض التدريسيين، لكن هؤلاء يمثلون الندرة من بين الكثير ممن ساروا على هذا المنوال، وفي المقابل نجد ان الطالب تقولب وفق ما يطرحه التدريسي؛ سواءً كان في المدارس الابتدائية، او في المدارس الثانوية، أو حتى في الدراسات الجامعية وفق ما أعد له من منهج، و أضحى الطالب لا يبحث عن المعلومة، ولا يكون تواقاً لها بقدر ما يكون تركيزه على مادة الامتحان المعدّة من المنهج التدريسي، ويكون همّه الاول والاخير هو النجاح، ومن ثم نسيان المادة التي قرأها و ركّز عليها لحين انتهاء الامتحانات.
أما وظيفة التدريسي حين ذاك تكون وظيفة الملقّن الذي اعتدنا أن نراه لدى الكتاتيب في السابق، فهو عمله -ومع كل سنة دراسية- يقتصر على طرح المادة المنهجية المُلزم بإيصالها للطالب وبطريقة تشبه طريقة تشغيل مسجل الصوت الذي يبث ذات الشريط المسجل.
وفي ظل الثورة الالكترونية وتقنية الاتصال التي نعيشها في الوقت الحالي، اصبح من غير اللائق ان يبقى التدريسي مرهوناً بالنصّ المنهجي خلال الدرس، بل عليه ان يكون ملماً بالمعلومات الكافية التي تحصّنه خلال وقوفه أمام الطلبة، وحينها يكون مستعداً للإجابة عن أي سؤال يطرحه الطلبة، وإلا سيكون مادة تندّر وسخرية من قبلهم، وهذا الامر، إن لم يكن أمامه وبعلمه فسيكون في غيابه.
إن موضوعة الدرس للطلبة أضحت بين مفترق طرق؛ بين ان نسقط في وحل التخلف وفقدان العلمية والتفوق لدى الطلبة، ونجعل منهم مجرد آلة تحفظ على ظهر الغيب ما يطرح امامه، وبين أن نعلو بهم وبما يحصلون عليه من معلومات مفيدة لا تنتهي مع انتهاء الامتحانات النهائية، وتكون مصدر ابتكار وتطوير لقابلياتهم وكفاءاتهم.
و أمام التدريسيين في كافة المراحل العديد من الطرق للخروج من هذا المأزق، منها؛ مطالعة التدريسي للدرس المُراد شرحه للطلبة من كافة حيثياته، والحصول على معلومات من خارج المنهج الدراسي، وكذلك إعطاء المجال للطلبة للتعبير عن رأيهم، دون تزمت أو تعصّب، حتى لو كان الرأي مخالفاً لما يقول التدريسي، وحينها سيكسب ثقة الطالب ويوصل المعلومة الصحيحة له، ومن ذلك يكون الاستاذ قد ابتعد عن النرجسية التي يتفاخر من خلالها بالاحتفاظ بالمعلومة دون طرحها على الطلبة إلا بعد ان يظهر شخصيته المتعالية على الطلبة ويظهر نفسه على انه صاحب الفضل الاول في إيصال المعلومة الصحيحة لهم، وحينها لن تكون المعلومة سوى نوع من الفرض على الطالب ولا تكون ذات نفع بالنسبة له.
والجانب الآخر الذي يجب ان يؤخذ على محمل الجد من قبل التدريسي في المراحل كافة هو تطبيق الطرق الحديثة في التدريس، واستخدام الوسائل التكنولوجية في مادة الدرس، فهذه الاجهزة اصبحت واقع حال ولا مفر منها، وعلينا ان نعمل قدر الامكان على توجيهها طلباً للفائدة للطلبة والشباب، بدلاً من ان تكون جانب لهو وترفيه واستخدام خاطئ، وحتى مواقع التواصل الاجتماعي من الممكن ان تتحول الى مواقع بحث ودراسة ونقاش وتواصل بين الاستاذ وطلبته، وفي ذلك منفعة للجميع.
وحقيقة الامر؛ ان التدريسي لا يتحمل المسؤولية وحده في هذا الجانب، فالمسؤولون عن وضع المناهج الدراسية، وعن متابعة العملية التربوية، يتحملون عبئا كبيرا ايضا في هذا الجانب، فهم مطالبون بوضع المناهج المرنة والقابلة للتطوير، بدلاً من المناهج الجامدة غير المجدية، وغير النافعة للطلبة، وعلى هؤلاء أيضاً أن تكون لديهم خطط ترتبط بالجانب الامتحاني وبالجانب التدريسي عبر اقامة الدورات التطويرية للكوادر التدريسية، و إعطاء فسحة من الوقت يستطيع من خلالها المدرس ان يطرح الافكار المفيدة للطبة بدلاً من ان يكون همهم الاول والاخير؛ الامتحان، والخروج منه بنجاح فقط.
ولم يبق لنا سوى القول: إن أبناءنا أمانة في أعناقنا، وقضية تربيتهم وتعليمهم بالشكل الصحيح عبر ايصال المعلومة النافعة لهم، على قاعدة المنهج الاسلامي الرصين، وهو الهدف الاسمى، من الواجب ان تؤخذ بالحسبان.
أقرأ ايضاً
- الآثار المترتبة على العنف الاسري
- فازت إسرائيل بقتل حسن نصر الله وأنتصرت الطائفية عند العرب
- التعويض عن التوقيف.. خطوة نحو تطور التشريع الإجرائي