بقلم: حسين فرحان
البعض.. يستغرق في التصورات، يكتفي بمعلوماته القديمة، يعتز - الى أبعد الحدود - بفهمه الاول لقضايا دست له دسا في مناهج الدراسة البالية أو الاعلام المنقرض.
شكل سقوط الصنم في ٢٠٠٣ صدمة شديدة الوقع لهؤلاء (البعض) فدخلوا في صراع جديد لتغيير المفاهيم التي شابوا عليها أو تصحيحها أو الاحتفاظ بها وادعاء خلافها وفقا لما تمليه عليهم المرحلة.
بعض من هذا البعض اجتاز الاختبار التغييري ونجح في ازالة الشوائب والترسبات الفكرية مع بقاء جزء منها في الذاكرة تظهر بين فترة وأخرى على شكل (شطحات) غير محمودة العواقب والبعض الآخر فشل فشلا ذريعا في تقويم سلوكه وإدراك ما تبقى له من أيام في هذه الدنيا من حيث جهله بسوء العاقبة أو حسنها.
إنها أجيال عاشت المد الشيوعي والآخر القومي، تأثرت بالافكار المستوردة.. عاشت العلمانية بأبشع صورها، وسط تغييب ممنهج للدين ولعلماء الدين وللمرجعيات الدينية على وجه التحديد..
أجيال عاشت وهي تقتات على الحفلات الاذاعية والتلفزيونية الساهرة وتقضي الساعات الطوال في ترف مليء بالتحلل بحجة التحضر فالتحضر - بهذا الشكل - كان تحضرا طارئا مستوردا هبت رياحه على المنطقة بأسرها مع انتشار وسائل الاعلام ومركزية بثها، فأسلام الدولة إسلام أموي بامتياز لاترى فيه تلاوة القرآن الا في افتتاح البث دقائق معدودات وخطبة جمعة حكومية وبعض الافلام الدينية التي كانت تتناغم مع التوجهات المذهبية للمحيط العربي وتم زجها في الاعلام العراقي دون مراعاة لثقافة الأغلبية فيه والتي كانت معزولة عزلة تامة عن (مرجعياتها.. ثقافتها.. كتبها.. تراثها.. شعائرها)، لتنشأ أجيال من المغيبين عن تراثهم تحت أشراف بعثي يهدف الى طمس الهوية الاسلامية بشكل عام والهوية الشيعية بشكل خاص حتى أعدت المشانق لكل من روج للفكر الشيعي أو حاز كتابا شيعيا أو همس همسا باسم عالم أو مرجع أو أحيا شعيرة من الشعائر.
عسكرة المجتمع كانت من العوامل المساعدة على التأسيس لفكرة الطاعة العمياء للقيادة البعثية وسحب البساط من تحت أقدام أصحاب الولاءات الأخرى.. فالاشبال.. والطلائع والفتوة والجيش الشعبي ومرورا بالتوجيه السياسي في وحدات الجيش النظامي والحرس الجمهوري وغيرها وقضاء أوقات طويلة في حشو الأدمغة بمفاهيم بعثية وقومية خالصة كان لها الأثر الكبير في الابتعاد عن الثقافة الدينية والمذهبية.
البعض انغمس الى حد النخاع في هذا المستنقع المظلم والبعض لم يدخر وسعا في سبيل المرور به مرور الكرام دون الوقوع في مهالكه فحفظ نفسه وعياله وبقي في دائرة الحق رغم التضييق والتنكيل والهتك والجهر بالعداء من قبل جلاوزة تلك الانظمة المستبدة.
وما تزال آثار تلك الأيام السوداء عالقة في رؤوس المتأثرين بها ويمكن لنا أن نراها في سلوكهم وفي كلماتهم وحتى في منشوراتهم التي يعبرون بها عن تلك الشخصية الهجينة ذات التركيبة الغريبة التي لاتمت الى واقعنا الاسلامي بصلة، فالالتزام الديني مرهون بالمزاج والعقائد مفككة تجمع بين الاضداد والمتناقضات متأثرة بفلم (الرسالة) الذي انتج في السبعينات وهو يروي لنا تاريخ الرسالة الاسلامية من وجهة نظر واحدة ينتفع بها من يعتقد بما جاء فيه من كيفية نزول الوحي ومن هو أول من أسلم ومن الذي صاحب النبي صلى الله عليه وآله في هجرته ويروي مفهوم الخلافة بحسب رؤيته هو، ومن هم الاصحاب وغيرها من المفاهيم التي لايعتقد بها اتباع مذهب اهل البيت عليهم السلام، لكنها اقحمت في فكر الكثيرين منهم مع وجود منهج التغييب والعزلة عن الثقافة الأم.
مما يؤسف له - رغم أنه متوقع - مانراه اليوم من آثار لهذه المؤامرة الدنيئة التي أسسها البعث، حيث التخبط الواضح في فهم الأسس والمرتكزات العقائدية فنرى: خلط عجيب بين الاستماع للقرآن والاستماع للغناء.. حنين للزمن المخمور الجميل.. عدم اكتراث بقضية الإمامة ولا إشكال لديهم إن اعتقدوا بنظرية الخلافة كما في (فلم الرسالة) أوفي ثقافة الزمن الجميل!!.
عدم فهم وإدراك لقضية التقليد والمرجعية الدينية والعمل بما تشتهيه الانفس لان المهم (النية) بحسب ادعائهم، لذلك ترى عدم الورع في توجيه سهام الحقد على المراجع والتقليد.
كذلك عدم الاعتراف بقضية التولي والتبري فلافرق لديهم بين خال المؤمنين وعلي عليه السلام، وكثيرا ما وقع لنا نزاع وجدال مع بعضهم لأنه (ورع جدا) عند ذكر من ظلم آل محمد باللعن والبراءة، كذلك نرى تلك المنشورات البائسة في صفحاتهم وهي لاتتورع عن نشر صلاة بتراء أو حديث لابن تيمية أو ابن عبد الوهاب او ابن القيم وعندما تخبره بفساد معتقد هؤلاء يتشنج ويتبجح بقوله: (أنا آخذ الحكمة من اي شخص) وطبعا هذا من باب (المهم النية)..
ولايهم إن كان ترويجا للمد السلفي او المد الالحادي او غيره، والادهى والامر من ذلك أن هذه المومياءات تشاركك مناسباتك الدينية فترى منشورا فيه تعزية بوفاة إمام معصوم يسبقه منشور يتضمن مقولة لابن عثيمين أو مقطعا يتحدث فيه العريفي عن التقوى والزهد يتلوه مقطع من أغنية قديمة للمطرب الراحل...!!.
ماتزال هذه النماذج المتخبطة المتحيرة تصدر أصواتا مزعجة تستمد طاقتها من زمنها الجميل المليء بوصايا القائد وأغاني ام كلثوم واناشيد البعث وذكريات الرفاق في الزقاق وسهرات كتابة التقارير والتنعم بمكرمة (الريس) وليالي تفوح منها رائحة التحلل فلم نجد لها عذرا في عثراتها سوى أنها لم تكن تمتلك حصانة فكرية أو توفيقا يحولان بينها وبين المنهج المشؤوم لحزب الاجرام والرذيلة، ومع وجود هؤلاء لم يخل ذلك الزمان من قابض على دينه كالجمرة ادخر نفسه وصانها لزمن أشرقت فيه شمس الحق فنفض الغبار عن ثوبه وانطلق مهرولا يعلن اعتقاده ويجهر بانتمائه لدينه ومذهبه ومرجعيته وشعائره فهذه المهمات لديه لا النية فحسب.
أقرأ ايضاً
- كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟ (الحلقة 7) التجربة الكوبية
- مكانة المرأة في التشريع الإسلامي (إرث المرأة أنموذجاً)
- الرسول الاعظم(صل الله عليه وآله وسلم) ما بين الاستشهاد والولادة / 2