- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
مفردة العشق تقتحم قدسية في الأدب الحسيني الجزء الأول
حسن كاظم الفتال
المعشوقية وتناوليتها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
كثيرا ما يرد في قصائد الشعراء أو على ألسنتهم مفردة العشق. ويريد من إتيانها الشاعر التعبير عن أسمى معاني الحب للمعصوم الذي كتب بحقه قصيدته.
قبل أن آتي ببعض التفاصيل أود أن أبين تعريف مفردة العشق.
العشق في اللغة: بكسر العين وسكون الشين مصدر عَشَقَ، وهو فرط الحب إذا تجاوز حدود العقل ()
والحُبْ: هو ميل النفس إلى المحبوب مع العقل، فإذا تجاوز العقل فهو العشق()، وقيل العِشْق من العَشَقَة وهو نبات اللبلاب الذي يلتوي على الشجرة ويلزمها فهو محيط بها من أصلها إلى فرعها
والعرفاء يعتبرون العشق على أنه شكل مفرط من أشكال المحبة. وفي الوقت الذي ينظر فيه إلى الحب على أنه أسمى عاطفة يتحلى بها الإنسان، فقد اعتبر العشق أنه عبارة عن حالة مرضية تحدث نتيجة للمغالاة الشديدة في الحب، مما يعكس ذلك آثارا سلبية على شخصية العاشق تتظاهر باضطرابات جسمية، فضلا على الاضطرابات السلوكية والتي كثيرا ما تدفع الشخص المصاب لأن يرتكب تصرفات غير عقلانية.
وقد اعتبر الأطباء العشق على أنه مرض من الأمراض العصبية أو النفسية كالصرع والصداع وغير ذلك وقال بعضهم أن المرض الذي لا يرجى شفاؤه وأشار إلى ذلك أحد الشعراء في قوله:
وضع الآسي بصدري كفه قال مالي حيلة في ذا الهوى.
والآسي هنا يعني الطبيب وقد يئس من علاج هذا المرض.. ولعل أول الأطباء المتكلمين في هذا المرض الذي هو العشق الطبيب اليوناني أبقراط الملقب بابي الطب. حيث قال وهو يصف هذا المرض: العشق طمع يتولد في القلب وتجتمع فيه مواد من الحس. فكلما قوي ازداد صاحبه في الاهتياج واللجاج وشدة القلق وكثرة السهر. وعند ذلك يكون احتراق الدم واستحالته إلى السوداء، ومن طغيان السوداء وفساد الفكر يكون الفَدامة ونقصان العقل، ورجاء ما لم يكن وتمني ما لم يتمن حتى يؤدي ذلك إلى الجنون.
العشق ليس الحب
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
قال أبو هلال العسكري الفرق بين العشق والمحبة: أن العشق شدة الشهوة لنيل المراد من المعشوق إذا كان إنسانا والعزم على مواقعته عند التمكن منه، ولو كان العشق مفارقا للشهوة لجاز أن يكون العاشق خاليا من أن يشتهي النيل ممن يعشقه، إلا أنه شهوة مخصوصة لا تفارق موضعها وهي شهوة الرجل للنيل ممن يعشقه، ولا تسمى شهوته لشرب الخمر وأكل الطيب عشقا، والعشق أيضا هو الشهوة التي إذا أفرطت وامتنع نيل ما يتعلق بها قتلت صاحبها ولا يقتل من الشهوات غيرها ألا ترى أن أحدا لم يمت من شهوة الخمر والطعام والطيب ولا من محبة داره أو ماله ومات خلق كثير من شهوة الخلوة مع المعشوق والنيل منه().
وعند الحكماء، العشق: هو الإفراط في الحب، وعرفه ابن سينا بأنه مرض وسواسي يجلبه الإنسان إلى نفسه بتسليط فكرته على استحسان بعض الصور والشمائل التي تكون له()، ثم أعانته على ذلك شهوته
وقال بعض الحكماء: العشق طمع يحدث في القلب قهراً، وكلما قوي، زاد صاحبه قلقاً وضجراً فيلتهب به الصدر، فيحترق الدم، فيصير مع الصفراء سوداء، وطغيانه يفسد الفكر ويؤدي للجنون فربما مات وقتل نفسه
وعند الأطباء،العشق: ضَرْبٌ من الماليخوليا والجنون والأمراض السوداوية.
قال جالينوس: العشق من فعل النفس، وهي كامنة في الدّماغ والقلب والكبد، وفي الدّماغ ثلاث مَساكن، التخيلُ في مُقدَّمِهِ، والفِكْرُ في وَسَطِهِ،والذِّكْرُ في آخرِهِ، فلا يكون أحدٌ عاشقاً حتّى إذا فارق معشوقه، لم َيخْلُ من تَخَيُّلِهِ وفِكْرِهِ و ذِكْرِهِ، فَيَمْتَنعُ من الطعام والشراب، باشتغال قلبهِ وكبدهِ، ومن النّوم باشتغال الدّماغ بالتخيّل والذّكر والفِكر للمعشوق، فتكون جميع مساكن النفس قد اشتغلَتْ به، ومتى لم يكن كذلك لم يكن عاشقاً، فإن أُلْهِيَ العاشق خَلَتْ هذه المساكن و رجع الإعتدال ـ().
وعن أرسطو: إنه عمى الحس عن إدراك عيوب المحبوب، وهو من الأمراض المعروفة من أنواع الماليخوليا الذي هو تشويش الظنون والفكر إلى الفساد والخوف
العشق يميت القلب
ـــــــــــــــــــــــــ
وفي علل الشرائع والأمالي عن المفضل بن عمرو قال: سألت أبا عبد الله جعفر الصادق صلوات الله عليه عن العشق فقال صلوات الله عليه: (قلوب خلت من ذكر الله فأذاقها الله حب غيره)
وعن أمير المؤمنين صلوات الله عليه أنه قال: (من عشق شيئا أعشى بصره وأمرض قلبه فهو ينظر بعين غير صحيحة، ويسمع بأذن غير سميعة، قد خرقت الشهوات عقله، وأماتت الدنيا قلبه،وولهت عليها نفسه، فهو عبد لها ولمن في يديه شيء منها)()
وفي شرح نهج البلاغة لأبن أبي الحديد في الحكم المنسوبة لأمير المؤمنين صلوات الله عليه قال: (العشق مرض ليس فيه أجر ولا عوض)
وعنه صلوات الله عليه أنه قال: الهجران عقوبة العشق.
إلى اللقاء في الجزء الثاني
حسن كاظم الفتال
أقرأ ايضاً
- ماذا بعد لبنان / الجزء الأخير
- مراقبة المكالمات في الأجهزة النقالة بين حماية الأمن الشخصي والضرورة الإجرائية - الجزء الأول
- البكاء على الحسين / الجزء الأخير