سالم مشكور
لدى استضافته، نهاية العام الفائت، في منتدى الدكتور بحر العلوم الشهري، قال السفير البريطاني جملة لم يتوقف عندها أحد من الحضور. قال إن العام ٢٠١٨ هو عام اكتمال العملية السياسية في العراق.
في العام ٢٠١٨ انتهت الحرب على داعش، تبعها وبشكل مفاجئ دخول للعملية السياسية لأطراف كانت في خانة الداعمين لداعش أو المحاربين للعملية السياسية، تزامن مع انفتاح سياسي واقتصادي إقليمي على العراق، خصوصا من أطراف كانت متهمة بدعم العمل المسلح ضد العملية السياسية منذ العام ٢٠٠٣. كان واضحاً أنها معادلة إقليمية جديدة بدأت معالمها بعيد وصول الرئيس الأميركي ترامب الى البيت الأبيض، وتبدل مفاجئ في الموقف الأميركي، من سكوتٍ مطبقٍ على أدوار سلبية لأطراف إقليمية حليفة لواشنطن في العراق، الى ايعاز بالانفتاح الكامل على العراق سياسياً واقتصادياً. أحد كتّاب المحافظين الجدد مايكل روبن لم يدع مجالا للتكهن والتحليل لمعرفة الدوافع فتحدث حينها في ندوة في واشنطن قائلا: "سنبلغ حلفاءنا الخليجيين بأن ينفتحوا على شيعة العراق وأن لا يبقوا مقتصرين على علاقات مع السنّة والكرد، من أجل مواجهة النفوذ الإيراني". بعدها توالت التلميحات والتصريحات بشأن محاصرة إيران في العراق كجزء من حصار أميركي شامل عليها. لم يكن الامر جديداً علينا كعراقيين، فالعراق ساحة صراع إقليمي ودولي منذ ٢٠٠٣، خصوصاً بين واشنطن وطهران، لكن الجديد هو التصعيد الكبير، ومطالبة العراق أن يكون طرفاً فيه. هنا يكمن حرج العراق وأزمته: لا مصلحة لنا في معاداة إيران، ولا مصلحة ولا قدرة لنا على معاداة أميركا. مصلحتنا في علاقات متوازنة مع الطرفين، وفي توافق ولو ضمني بينهما.
وكما أن حلفاء واشنطن انفتحوا على جانب من الساحة الشيعية العراقية فان إيران انفتحت على جانب الساحة السنية، بوجوهها الجديدة القادمة من موقع المعارضة العلنية والتي تتحدث عن صفحة الماضي والعمل معاً في إطار وطني، الى جانب بعض الوجوه القديمة، فبتنا أمام خارطة سياسية جديدة معيار الاصطفاف فيها سياسي (وفق محوري الصراع الخارجي في العراق) بعد أن كان طائفياً منذ ٢٠٠٣.
إذا كانت هذه الخارطة الجديدة تجسّد اكتمال العملية السياسية في العراق، وفق السفير البريطاني، فإن العراق بات ساحة تشاركية (وليست تصادمية) في المصالح والنفوذ بين القوى الخارجية، وتبعاً لها القوى الداخلية، يبقى أن نحقق نحن مصالحنا، أمنياً واقتصادياً، وهنا تكمن مهمة السلطة ومقدرتها على ضمان مصالحنا.