- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
هل العراق بحاجة الى مدينة صناعية مشتركة مع الاردن ؟
بقلم: علي الشرع
منذ ان اعتلى عادل عبد المهدي سدة الحكم وصار يُنادى عليه برئيس الوزراء حتى اخذ يطلق بالوناته الاختبارية، بدأه بإزالة الصبات ثم تبعه بمجلس مكافحة الفساد، وهذه البالونات داخلية فاذا انفجر احداها او كلها فأنً صداها يبقى في الداخل ومن الممكن لملمت اجزاءه (وطمطمت اثاره كما كان يفعل النظام الجائر البائد).
اما اخر بالون اطلقه السيد عادل فهو قضية الغاء وتخفيض الضرائب الجمركية على عدد كبير من السلع الاردنية مع انشاء مدينة صناعية بين البلدين.
والملاحظ على بالونات السيد عبد المهدي انه يطلقها من دون التطرق الى تفاصيلها ليحتدم بعدها الجدل بين المحللين والكتل السياسية من رافض ومؤيد لها، وهذه هي الطريقة المتبعة لحد الان، ولعل مقصد الرجل من فعل ذلك هو عدم التسرع في التنفيذ، ولكي يمنح فرصة في استقبال مختلف الآراء ثم يحدد مدى وحدود طيران البالون، وقد حدث هذا مع بالون المجلس الاعلى لمكافحة الفساد الذي حدد له مهمة فارغة ولا مبرر لها وهي التنسيق بين الجهات الرقابية الموجودة بعد ان وصلته سهام النقد الرافضة له التي قد تسبب في انفجار سريع لهذا البالون. ولكن مع ذلك لا توجد تكلفة جرّاء انفجاره ان انفجر.
اما انشاء مدينة صناعية مع الاردن واعفاء منتجاتها من الضرائب فهذا بالون من نوع اخر، فأن العراق سيتحمل تكاليف نتيجة انفجار بالون المنطقة الصناعية المزمع انشاؤها، وستفوت على العراق عائدات ضريبية وهو بحاجة لها. ولكن تخفيض او الغاء الضرائب قد يوجد له ما يبرره حيث انه يمكن النظر الى هذا الموضوع من عدة جوانب:
ان كان تخفيض الضرائب يساوي تخفيض تكاليف النقل التي يتحملها العراق في حال اذا حوّل العراق جزء من سلعه المستوردة من اوروبا والدول العربية من موانئ البصرة البعيدة الى الاردن القريبة، فالعراق لن يخسر شيء، بل سيكون له فضل يطوّق عنق الاردن التي ستستفيد من مرور البضائع الى العراق عن طريقها.
الجانب الثاني: هو تنشيط الاعمال التجارية، وتشغيل قوة العمل العاطلة في محافظة الانبار التي ستكون ممراً لنقل البضائع والمسافرين من والى العراق بعد ان تأثرت بسبب تواجد الارهاب في المحافظة.
واعتقد ان هذا هو السبب الاساس الذي دفع الحكومة لهذا التخفيض حيث انه بذلك سيقدم دعماً لأبناء الانبار من دون ان يرافق ذلك اي تكلفة مالية تتحملها الحكومة. وهو هدف جيد ومقبول ولا غبار عليه.
ولكن هناك ضرر يرافق هذا الاعفاء والتخفيض يقف وراء تأجيج حالة رفض هذا القرار وهو فيما اذا كانت السلع الاردنية المصدرة من الاردن ستحول دون قيام صناعة عراقية نستغني فيها عن الاستيراد او تؤدي الى طرد السلعة المنتجة محلياً من المنافسة. وحدوث هذا الضرر المحتمل يعتمد على امرين اثنين:
الاول هما جودة السلعة المنتجة في البلدين التي تُرجّح كفة جودة المنتج الاردني في الوقت الحاضر، فهل يُعقل ان ذلك العصير في العلب الكارتونية الصغيرة الذي ينتجه القطاع الخاص العراقي المعروض في السوق يمكن ان يثبت في أي منافسة مع العصير المستورد وهو بهذه الرداءة والغش.
والثاني مقدار ما تشكله اجور العمال في بند تكاليف انتاج السلعة، فاذا كان اجر العامل العراقي ادنى من نظيره الاردني فلا خوف على المنتج المحلي اما في حالة العكس، فأنه لابد الحكومة من اعادة النظر بقرارها.
واعتقد ان اجر العامل الأردني هو اقل من اجر العامل العراقي، ولذا لن تتمكن السلع المنتجة محلياً من منافسة السلع الأردنية حتى في الاجل الطويل.
ولكن في الاجل الطويل أيضا سيطرد انتاج البتروكيمياويات العراقي كمواد الغسيل وغيرها المنتج الأردني؛ لأن المواد الخام متوفرة محلياً على عكس الأردنية الامر الذي قد يقود الى فشل مشروع المدينة الصناعية المشتركة.
وتبقى مسألة المدينة الصناعية المشتركة فأن انشاء مثل هكذا مدن مشتركة يطرح سؤالا مهماً هو مَن يُعين مَن في ظل تقارب المستوى التكنلوجي لكلا البلدين؟ ولو ان اننا انشئنا مدينة صناعية مع تركيا التي تتقدمنا في تطورها التكنلوجي وتتفوق علينا في عدد سكانها (حجم سوق اكبر لتصريف البضائع) لكان الامر مبرراً.
ولكن الجميع يعي ان هرولة الأردن نحو العراق لم يكن اعتباطياً بل جاء لأسباب عديدة منها ضيق السوق الأردني الذي سيسهل عليه تصريف بضاعته على بلد قريب جغرافياً، وما يعنيه ذلك من تقليل تكلفة نقل السلعة ورخص ثمنها في ظل عدم وجود منافسة او عدم قدرة او موت الصناعة في العراق وحاجتها الى فترة ليست بالقصيرة للنهوض.
ولهذا السبب دون غيره لم تنشا الأردن هذه المنطقة مع السعودية التي تمتلك بضاعة ذات جودة عالية ولا مصر التي لن تسمح بمنافسة احد لسلعها.
ولو علمنا عدد المدن الصناعية المنتشرة في الأردن لقلنا ان هذا البلد مقبل على طفرة صناعية سريعة وكبيرة، وقد يحدث هذا اذا تم حلب العراق وبقي العراق مستورداً لا منتجاً في ظل اندفاع أصحاب رؤوس الأموال العراقيين نحو الربح السريع من خلال التجارة.
ونخشى عدة أمور سلبية من تشييد هذه المدينة الصناعية المشتركة منها: ان تصبح هذه المدينة ممراً للضغط على مزاد العملة وتهريب العملة الاجنبية، ولربما لغسيل الأموال.
والامر الاخر ان تنفق الحكومة اموالها ثم تترك هذه المدينة كغيرها من المشاريع الستة الاف المتلكئة تسفي عليها رياح الصحراء. فتكون خسارة مالية وصدمة نفسية.