- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
فاطمة الزهراء(عليها السلام) النور الرباني المتألق / الجزء الخامس
بقلم عبود مزهر الكرخي
نشأة فاطمة الزهراء(ع) المباركة
كانت فاطمة قد ولدت ونشأت وترعرعت في ظروف متأزمة لنبينا الأكرم محمد(ص) وهي بداية الدعوة المحمدية إلى دين الحق والعبودية وهو الدين الإسلامي وكان كلما تزداد الدعوة في الاتساع كان الأعداء يبالغون في إيذاءه والتنكيل به وتعذيب أصحابه ليصل الأمر إلى مقاطعة كفار قريش للمسلمين وحصارهم في شعب أبي طالب وشاهدت كيف تم إيذاء أبيها في الطائف مهاجر إلى الطائف، مبلِّغ في أهلها دعوة الله، ولم يستجيب له أحد بل حتى رميه بالحجارة وإيذاء جبهته الشريفة ونزول الدم من جبهته وحتى رجليه.
ليصل الأمر ذروته في وأنها شاهدت يوم كانت أمها خديجة (ع) على فراش الموت وتلفظ أنفاسها الأخيرة وهي لا تملك من مال الدنيا شيئاً. نعم لقد لاحظت فداء أمها خديجة للدِّين، وتفانيها في سبيله، ودفاعها عنه بكل ما كانت لديها من القوة والإمكانات. فكانت كآبة وفاة أمها، تمتزج في قلبها ببطولات خديجة.
أما السنوات الثمانية الأولى منها فقد عاشتها في مكة المكرمة، خمسة منها كانت فيها في كنف أبيها رسول الله (ص) وأمها خديجة عليها السلام إلى أن توفيت وللزهراء (ع) خمسة سنوات من عمرها فقضت مع أم المؤمنين سيدتنا ومولاتنا خديجة الكبرى(ع) خمسة سنوات وكانت حياتها في كنف أمها وهي ترافق الدعوة المحمدية وبدايات نشوئها والمضايقات التي تعرض لها النبي حتى تم محاصرته في شعب أبي طالب من قبل كفار قريش وقد ذكر نبينا الأكرم محمد(ص) ظلامته فيقول { ما أوذي نبي بمثل ما أوذيت}.(1) وعندما يقول الرسول الأعظم هذا القول فهو من المؤكد أن أذيته فاقت جميع الأنبياء والمرسلين والبالغ عددهم مئة وأربع وعشرين إلف. وقد تطرقنا في مقالات سابقة عن معنى هذا الحديث في أن أذيته كانت من قبل الكفار وبالأخص الصحابة وفي فاطمة بالذات وفي غصب حقها وكسر ضلعها واسقاط جنينها وهي تعتبر أعظم جريمة في تأريخ الإنسانية ثم لتبقى الظلامة موجودة ممثلة في غصب حقها زوجها ف الوصاية والخلافة وكذلك ما تعرض اولادها من ائمتنا المعصومين والذي كل ذلك كان قد أخبرها أبيها وما يحصل عليها.
وفاة أم المؤمنين خديجة الكبرى(ع)
ولنقف على حادثة مهمة وهي وفاة أم الزهراء خديجة الكبرى(ع) لنعرج على أمر مهم ومن خلاله نشير إلى مسألة مهمة.
" فقد ذاقت مرارة فقدان الأم، فقد روى القطب الراوندي عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال:
«إن خديجة لما توفيت جعلت فاطمة تلوذ برسول الله (ص) وتدور حوله وتسأله: يا أبتاه أين أمي؟ فجعل النبي (ص) لا يجيبها، فجعلت تدور وتسأله: يا أبتاه أين أمي؟ ورسول الله لا يدري ما يقول، فنزل جبرائيل (ع) فقال: إن ربك يأمرك أن تقرأ على فاطمة السلام وتقول لها: إن أمك في بيت من قصب كعابه من ذهب، وعمده ياقوت أحمر، بين آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران، فقالت فاطمة: إن الله هو السلام ومنه السلام وإليه السلام»".(2)
إن هذا النداء الرباني عن طريق جبرائيل (ع)، وجواب الزهراء (ع) لذلك النداء يوقعان ذوي الألباب في الحيرة، فأن يؤمر رسول الله (ص) بإبلاغ السلام من الله للزهراء (ع) وهي في تلك العمر يدل على جلالة غير عادية، وأن المقام الرفيع للزهراء (ع) كان ثابتا لها من دون أي تأثير للعمر في ذلك، فإن حقيقتها النورانية هي التي تجعلها موضعا لذلك النداء ولا تكون الصورة البشرية مانعا من ذلك، كما لم تكن مانعا فيما وقع من النبي عيسى (ع) حين تكلم في المهد وقال: { إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا }".(3)
وأن ترد الزهراء (ع) بذلك الرد المملوء معرفة وتسليما، فذات الله سبحانه وصفاته سالمة عن النقص والعيب، وأفعاله سليمة عن الشر بل هي الخير، فما من سلامة في الوجود إلا وهو مبدؤها وإليه منتهاها.
وهذا يدلل على علو مقام الزهراء ومنزلتها عن رب السماوات العلى وأنها قد اختصت برعاية الله سبحانه وتعالى ولتعطي على حجة دامغة على أن الزهراء(ع) آية من السماء أنزلها الله لعباده لتكون رحمة للعالمين.
" التحقت خديجة سلام الله عليها بالرفيق الأعلى وفاطمة صلوات الله عليها في الخامسة من عمرها، فكانت فاطمة بنت أسد وبقية أخواتها وجماعة من نساء بني هاشم يتعاهدن فاطمة، ولازمنها ملازمة الظل، وما زال رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوصيهن بها ويأمرهن بتسليتها من فراق أمها، إلا أن فاطمة كانت مشغول عنهن ; لأنها لا تأنس بأحد سوى أبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فكانت تلوذ به وتنتهل من عذب معينه مكارم الأخلاق ومحاسن الصفات النبوية وتتأدب بها، وكانت لها مراقبات ومواظبات خاصة في صيام الأيام وقيام الليالي بما يعجز عنه الغير، فأقبلت على العبادات والطاعات، وأقدمت عليها إقداما أحجم عنه نساء زمانها، مع أنها كانت في تلك السن الصغيرة، فكانت تصبر على المشاق الصعبة وتتحمل ما يخرج عن العادات البشرية ويحير العقول الإنسانية، فوجد فيها النساء خير قدوة بعد أمها خديجة « كالمرآة المجلوة يحاذي بها شطر الحق "(6).
"أجل: لقد قضت من قبل آلاف الدهور في كنف الحق مشغولة بالتقديس والتسبيح، وأظهرت العبودية في عالم غيب الغيوب بأطوار عديدة، فلما نزلت إلى عالم الشهود واستقرت في دار الخمود كفلها النبي الخاتم (صلى الله عليه وآله)، وزاملها الولي الأعظم، وخدمها روح القدس والملائكة الكرام، ومن كانت كذلك حق لها أن تأتي في صغرها بما يعجز عنه كبار العباد، وذلك لأن قواها العاقلة وملكاتها الإلهية تختلف عن قوى الآخرين، وتختلف عن ملكات الرجال والنساء من العالمين.
لقد كفل زكريا مريم ورأى منها - قبل البلوغ - خوارق العادات، وكانت تنمي - كفاطمة الزهراء - خلافا للعادة المرسومة بين النسوان، كما نص على ذلك كتب الأخبار والتفاسير، ولكن يبقى ثمة فرق بينهما حيث الشرف الذاتي النفساني لفاطمة على مريم، وفضل الذات المقدسة النبوية على زكريا، وشرف مكة المكرمة على بيت المقدس.
فتربية فاطمة وكفالتها وقابليتها شيء آخر يختلف تماما عن حالات مريم والنساء الأخريات. نعم ; قد تكون مثالا لفاطمة، كالخضر لصاحب الزمان (عليه السلام)، فقد ورد في أخبار أهل البيت (عليهم السلام) أن طول عمر الخضر وبقاء حياته آية ودليل على طول عمر آية الله في العالمين إمام العصر، وهكذا هي عبادة مريم (عليها السلام) وخدمتها وعصمتها وملكاتها الحسنة آية ودليل ومثال للصديقة الكبرى سلام الله عليها.
الحاصل: عاشت حبيبة ذي الجلال على هذا المنوال ثلاث سنين أخرى في كنف أبيها وهي تتزود بالفضائل في كل ساعة وآن، وتشتد في العبادات البدنية في ساعات الليل والنهار، وكان النبي يتلقى الوحي من المبادئ العالية، وكلما نزل عليه شيء شمت ريحه فاطمة(عليها السلام).
وكان النبي (صلى الله عليه وآله) يلقنها الوحي ويعلمها وهي تأخذه كاملا تاما كما نزل، فاكتسبت في السنوات الثمان تمام معارف الدين ومعالم شريعة سيد المرسلين أصولا وفروعا، حتى لم يكن حينئذ أحد من العالمين له يقين كيقينها أو عرفان كعرفانها أو كمال إيمان يماثل كمال إيمانها، فلما هاجرت إلى المدينة كانت - كما قالت سلمى - أكثر نساء العالمين علما وأدبا، ولا حول ولا قوة إلا بالله (وما النصر إلا من عند الله)" (5).
وكيف وهي فاطمة والتي اعلى الله سبحانه وتعالى قدرها وجعلها في منزلة لاتداني أي من نساء العالمين علو شأنها وقدرها فالجوهر المقدس لمعدن العصمة لا يدانيه بالتأكيد كل الجواهر الأخرى من النساء فهي ذات مطهرة خالية من الأدناس والقذارات وشوائب النساء وهذا هو التوفيق من الله جل وعلا في كل الخير والبركة اعطاها لهذه المخلوقة المباركة والمقدسة والتي تعجز الكلمات والعبارات بل كل الكتب والمجلدات في وصف والإحاطة بشخصية فاطمة الزهراء(روحي لها الفداء).
ان السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام هي المثل الأسمى للنور الإلهي، قال تبارك وتعالى:{ اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالأرض مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ}.(6) فعن صالح بن سهل الهمداني قال(7) : سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول في قوله تعالى "الله نور السموات والأرض مثل نوره كَمِشْكاةٍ " المشكاة فاطمة عليها السلام، لقد كانت نورا يخافه الطغاة ان يفضحهم ومن المتعارف عليه ان اللصوص لا يسرقوا والنور موجودا. لكي لا يفتضحوا، فأرادوا ان يطفئوا ذلك النور الإلهي لكي يسرقوا الخلافة من أمير المؤمنين عليه السلام، لكنهم فشلوا في ذلك كما جاء في قوله تعالى {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}.(8)
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
1 ـ بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج39، ص 56.
2 ـ الخرائج والجرائح ج2 ص529 ح4، عنه بحار الأنوار، ج43، ص27. مسند أحمد أن الرسول ابلغ خديجة بهذا القصر في الجنة. آمالي المفيد /110. الأمالي للطوسي: ص175 المجلس الساد س ح46.
3 ـ [مريم: 30].
4 ـ الخصائص الفاطمية تأليف: الشيخ الواعظ محمد باقر الكجوري 1255 - 1313 ترجمة: سيد علي جمال أشرف الجزء الأول انتشارات الشريف الرضي- ج ١ - الصفحة ٤٦٦. إصدارات المكتبة الشيعية. راجع موقع الميزان للدفاع عن الصديقة الطاهر فاطمة الزهراء(عليها السلام) باب خصائص الزهراء. فصل في هجرة فاطمة (عليها السلام) من مكة إلى المدينة.
5 ـ نفس المصدر الصفحة ٤٦٧.
6 ـ وهذا التفسير منقول من كتاب البرهان في تفسير القرآن للسيد هاشم البحراني. الشيخ الكليني في الكافي
7 ـ [ النور: 35].
8 ـ [الصف: 8].
أقرأ ايضاً
- ماذا بعد لبنان / الجزء الأخير
- ماذا بعد لبنان / 2
- مراقبة المكالمات في الأجهزة النقالة بين حماية الأمن الشخصي والضرورة الإجرائية - الجزء الأول